الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

من ينقذ التعليم الرسمي من الانهيار؟ سباق بين إلحاق "الفائض" والتوظيفات سياسية

ابراهيم حيدر
ابراهيم حيدر
من ينقذ التعليم الرسمي من الانهيار؟ سباق بين إلحاق "الفائض" والتوظيفات سياسية
من ينقذ التعليم الرسمي من الانهيار؟ سباق بين إلحاق "الفائض" والتوظيفات سياسية
A+ A-

أياً تكن الاعتبارات التي أقر على اساسها قانون تعيين الناجحين الفائضين في مباراتي مجلس الخدمة المدنية 2008 و2016، فان ذلك ليس حلاً لمشكلة التعليم الرسمي، الذي صارت أموره تعج بالفضائح. فها هي السياسة والطائفية والمشاريع الانتخابية تأخذ المدرسة الرسمية الى مستوى لم يعد مقبولاً بالحد الأدنى، فكيف بمعايير الجودة والاعداد والتدريب والاختصاصات.


ونحن نشهد الحاق الفائض في ملاك التعليم، جاء اقرار مجلس النواب لقانون ادخال 2020 أستاذاً "ناجحين فائضين" في مباراتي مجلس الخدمة المدنية 2008، و 2016، الى ملاك التعليم الثانوي الرسمي في السنوات الأربع المقبلة، ليطرح علامات استفهام حول طريقة التعامل مع التعليم الرسمي بالكثير من الاستنساب والالتباسات القانونية، على رغم أن وزير التربية مروان حمادة أكد أن الأمر هو تصفية للتعاقد. لكن القانون دمج نتائج مباراتين مختلفتين، وهو أمر اعتبره مصدر في القانون نوع من الالتفاف على القوانين وتجييرها لمصالح سياسية وانتخابية. ويرى أن قانون ادخال الفائض نسف مبدأ المباراة والمهل التي ينص عليها نظام الموظفين، لأن مهلة السنتين لالحاق الأساتذة قد انتهت ولا يجوز استحضارها، خصوصاً أن الفائض قد يكون نجح في الامتحان وليس في شروط مباراة مجلس الخدمة المدنية.
على أن نظرة سريعة على مدارس لبنان الرسمية وثانوياته التي شرّعت لأولاد اللاجئين، تظهر ما حل بالتعليم الرسمي من ترهل واهتزاز. فكيف يكون هناك اقبال على المدرسة الرسمية، فيما تتناقص أعداد التلامذة اللبنانيين مقارنة بعدد المدارس والثانويات التي افتتحت خلال السنوات العشرين الأخيرة وغطت كل المناطق والقرى وحتى الأحياء والزواريب، لنكتشف أن عدد التلامذة اللبنانيين في الرسمي، أي في الثانوي والأساسي لم يتجاوز الـ280 ألف تلميذ، فيما عدد التلامذة اللاجئين يراوح بين 260 ألفاً و300 ألف. وفي المقارنة ان العدد كان هو ذاته للبنانيين في المدرسة الرسمية منذ 5 سنوات، وتحديداً في العام الدراسي 2011 – 2012، وفقاً لأرقام المركز التربوي للبحوث والانماء، فيما كانت احصاءاته تشير الى أن عدد التلامذة خلال السنة الدراسية ٢٠٠٣ - ٢٠٠٤ بلغ ٣٤٨١٤٤ تلميذاً، فعلى رغم الحديث عن الاقبال على الرسمي، لم نجد اهتماماً يذكر الا لفئات لم تجد أمامها الا هذا الخيار.
وبينما زاد عدد المدارس الرسمية الى نحو 1440 مدرسة وثانوية، وذلك بعد افتتاح مئات المدارس لاستيعاب التلامذة اللاجئين، فان عددها المرتفع أصلاً، الذي كان خلال العام 2008 نحو 1290، دفع وزير التربية آنذاك حسن منيمنة الى اقفال نحو 87 مدرسة ضمن مشروع اعادة تجميع المدارس، بعدما تبين أن عدد التلامذة في كل واحدة منها لا يتجاوز العشرات. وعلى رغم ذلك، كانت آليات التعاقد مستمرة مع أساتذة جدد، بعضهم غير مؤهل للتعليم، ليتبين أن التوظيف السياسي والطائفي والانتخابي كان يطغى تعامل المعنيين مع هذا القطاع الحيوي، والذي كان ينافس في عصره الذهبي أفضل المدارس الخاصة. وقد شهدنا تدفقاً للتعاقد في التعليم الرسمي في حلقتيه الأساسي والثانوي وفي التعليم المهني والتقني بأعداد قياسية، فوفقاً للتعاقد الذي كان يسير على خطى سياسية وطائفية وتنفيعات أيضاً، وتبعاً للتقارير الواردة الى وزارة التربية وتقارير المركز التربوي للبحوث والانماء والتفتيش التربوي، قارب عدد المتعاقدين في التعليم الرسمي الـ30 ألفاً، بينهم نحو 13 ألفاً في التعليم الأساسي ونحو 3500 في الثانوي، وما يزيد على 13 ألف متعاقد في التعليم المهني والتقني. ويضاف اليهم عدد لا يمكن تحديده من المتعاقدين لتعليم التلامذة السوريين اللاجئين، ومن بينهم اساتذة في الملاك، بعد فتح المدارس الجديدة واقرار التعليم لفترة بعد الظهر.
وأظهرت عمليات التعاقد أنها تتناقض مع الحاجات التعليمية الفعلية، ففي آخر دراسة شاملة للمركز التربوي للعام الدراسي 2010 – 2011 بعنوان: "الاستخدام الفعال للموارد البشرية في القطاع التربوي الرسمي"، يشير الى ان حجم الجسم التعليمي في القطاع الرسمي أكبر من الحاجة المطلوبة. ومع ذلك استمر التعاقد مع معلمين جدد من دون وظائف فعلية. ففي دراسته الاحصائية التحليلية المدعمة بجداول يمكن استنتاج ان حجم الجسم التعليمي في القطاع الرسمي يبدو اكبر من الحاجة المطلوبة، بحيث يعلّم 22224 معلماً ومعلمة 207510 تلامذة في مدارس التعليم ما قبل الثانوي، اي بمعدل وسطي قدره تسعة تلامذة للمعلم الواحد. ويتفاوت هذا المعدل بين محافظة وأخرى، ليصل الى 6 تلامذة في جبل لبنان كحد ادنى و11 تلميذا في الشمال حداً اقصى. وفي المقابل يعلم 8443 استاذا واستاذة 68609 تلامذة في مدارس التعليم الثانوي، اي بمعدل وسطي قدره ثمانية تلامذة للاستاذ الواحد. علماً أن التقرير يشير الى أن هناك أساتذة غير معدين لمهمة التعليم. وهذا الاحصاء لم يأخذه اصحاب القرار بجدية، كذلك احصاءات أخرى. فاستمرت عملية التعاقد لتزيد بين 2011 و2015 الى أكثر من 6 آلاف متعاقد، ما يعني ان التربية باتت مكاناً للتوظيف.
تبقى الأزمة في نظرة الدولة الى التعليم الرسمي ووظيفته: صار مكاناً للتنفيعات، على رغم أن الأساتذة لا يتحملون المسؤولية، ولا يمكن ايضاً تحميل وزير التربية مروان حمادة ملفات للمطالبة بحلها وهي متراكمة منذ زمن، الا أن الأمر يحتاج للحد من مسار الانهيار، قرارات سريعة برؤية حكيمة تعيد الاعتبار الى الادارة التربوية، وتعيد تنظيم عمليات ادخال المعلمين والحاقهم، فهل يتمكن وزير التربية مروان حمادة من رفع اليد السياسية والطائفية عن المدرسة؟


[email protected]
Twitter: @ihaidar62

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم