الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

سنديانة عين تراز ناهزت الألف عام... حين تمنّى الموت تحتها وتحقّقت أمنيته! (صور)

المصدر: "النهار"
رمزي مشرفية
سنديانة عين تراز ناهزت الألف عام... حين تمنّى الموت تحتها وتحقّقت أمنيته! (صور)
سنديانة عين تراز ناهزت الألف عام... حين تمنّى الموت تحتها وتحقّقت أمنيته! (صور)
A+ A-

كانت المرة الأولى عندما مررتُ خلال جولتي الصحافية أثناء معارك الجبل صبيحة نهار مشمس من أول أيام أيلول العام 1983 في البلدات والقرى التي كانت تشهد معارك ومجازر تطال الحجر والبشر، وكانت القذائف حينها تنهمر من دون مبالغة كزخات المطر. وشملت جولتي كل البلدات والقرى في قضاءي عاليه والشوف. ولم أكن حينها أعلم أنّ هناك سنديانة تاريخية ضخمة تُظلّل بلدة صغيرة اسمها عين تراز في قضاء عاليه. ولما عُدّت الى مكتب "النهار" في بيروت بعد غياب يوم أمضيته في أحد الملاجئ في بلدة العبادية وفي حوزتي 6 أفلام بالأسود والأبيض، سألني رئيس التحرير الاستاذ فرنسوا عقل حينها عما حدث في الجبل فسردتُ له ما رأيت، وأعطيته الأفلام التي كنت التقطتها، وسألني ماذا حدث لسنديانة عين تراز؟ فأجبته بسؤال: ما هي سنديانة عين تراز؟ فقال لي: "ولو، ما بتعرف سنديانة عين تراز؟!".



 


بالفعل لم أكن قد رأيت هذه السنديانة، فعمدت في جولتي التالية بعد أيام قليلة الى زيارة عين تراز والسنديانة، فوجدت شخصاً يدعى أبو عماد عند مدخل بيت آل السعد حيث تجثم السنديانة الكبيرة فسألته: هل بإمكاني تصوير المنزل والسنديانة، وعلمت منه أنه أُرسل على عجل من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد #جنبلاط لحراسة السنديانة قبل أن تجتاحها آلة الحرب التي دمرت الجبل بأكمله، وربما الخوف الكبير حينها ليس فقط من القذائف والنار بقدر ما كان من الجحافل التي مرّت بالمكان والتي قد تسولها نفوسها الى قطع هذه السنديانة وتحويلها حطباً للتدفئة على أبواب الشتاء. وبالفعل فقد أمّن جنبلاط الحراسة والحماية للسنديانة على مدى أعوام، فنجت ولم تطاولها الأحداث.


سنديانة آل السعد في عين تراز الشهيرة تُظلل قصر بيت آل السعد وتحوطه، هي التي شهدت مفاصل تاريخية من لبنان وحياة آل السعد، هذه السنديانة التي تعتبر من أكبر أشجار السنديان في لبنان والمنطقة، علماً أنّ أحداً لم يستطع تحديد عمرها، إلا أنّ كثراً يعتبرون أنها ناهزت ألف عام.



 


شهدت سنديانة عين تراز كثير من الأحاديث السرية وغطت سهرات وجلسات واستقبلت تحت أغصانها ليلا ونهاراً السيّاح والشخصيات السياسية والأجنبية والهيئات الديبلوماسية.


عايشت هذه السنديانة عهوداً وظلت شامخة وارفة تُعرّف بتاريخ وتراث عريقين، فمن الشيخ غندور ابن الشيخ سعد الخوري الذي انتقل من رشميا الى عين تراز وبنى فيها قصراً قرب السنديانة ثم توفي العام 1790، الى ولده الشيخ حبيب (1785-1830) ثم الى الكونت غندور بك ابن الشيخ حبيب الذي وُلد في عين تراز العام 1818 وتوفي العام 1908، الى نجله الثاني فؤاد بك (1861-1925)، فشقيقه رئيس الجمهورية الأسبق حبيب باشا السعد (1866-1942).



سنديانة عين تراز وذكرى "لبنان الكبير"
بعد ظهر السبت أول أيلول 1934، أحيا الرئيس حبيب باشا السعد في قصره في عين تراز وتحت السنديانة الشهيرة، مهرجاناً لبنانياً كبيراً، احتفاءً بالذكرى السنوية لإعلان "لبنان الكبير"، وشاركت في المهرجان آنذاك حشود قُدّر عددها بعشرة آلاف من كل الطوائف اللبنانية.


كما تجمّع ايضاً وفي المناسبة عينها تحت السنديانة المفوض السامي الفرنسي الكونت داميان دي مارتيل ورجال حاشيته الى جانب ممثلي هيئات وأحزاب من كل الطوائف، وازدانت السنديانة بالأعلام والأنوار المعلقة على أغصانها، واصطفت تحتها الفرقة الموسيقية لتعزف نشيد المارسيليز.


ووصفت إحدى الصحف الصادرة في اليوم التالي المهرجان كالآتي: "(...)كانت مظاهر الفرح والارتياح مرتسمة على جميع الوجوه، ودعا آل السعد جميع الوفود الى تناول طعام الغداء الى مائدة سخية مُدت موائدها الطويلة وسط ميدان السنديانة الشهيرة (...)".



 


السنديانة وانتخابات 68 و 72
اثناء إحدى زياراتي الى عين تراز صادفتُ مسناً من البلدة أمام السنديانة، ولما عرّفته بنفسي، قال لي: "هذه السنديانة تُذكرنا بإنتخابات 1968 و 1972 التي خاضها الأستاذ غسان تويني مع فؤاد بك (السعد)، وكان مقر اجتماعاتهما هنا تحت أغصان هذه الشجرة العملاقة. لقد حضنت هذه السنديانة أعظم الشخصيات اللبنانية والأجنبية، وعندما كان يُنتخب رئيس للجمهورية كانت أولى زياراته الى هذا المنزل وهذه السنديانة".


ويروى أنّه عندما فاز أمين السعد في الانتخابات النيابية العام 1943، تدفّقت الوفود المهنئة بفوزه الى عين تراز، من بينها وفد درزي كبير من بلدة شارون، كان أحد أفراده تمنى أمام أصحابه لو أنّ المنية توافيه تحت هذه السنديانة. إلا أنّ القدر شاء في ذاك النهار أن يحقّق أمنيته، إذ لدى وصول الوفد الى ساحة القصر وعلى بعد أمتار من السنديانة شهر أحدهم مسدّسه وأطلق الرصاص ابتهاجاً، فأصاب صاحب الأمنية برصاصة قاتلة حققت أمله.



 


يرواح طول أغصان سنديانة عين تراز ما بين 15و 35 متراً، وقد ثُبتت أعمدة في الأرض كركائز تقيها التكسر بسبب طولها وثقلها. أما جذعها فضخم وقطر دائرته عشرات الأمتار.


تلقى السنديانة التاريخية العناية اللازمة والدقيقة فترشّ سنوياً في فصل الربيع وتشحل أغصانها في الخريف وتخضع لمكافحة دورية للحشرات والديدان، مع العلم أنّ أوراقها التي تتساقط على الأرض تبقى في مكانها.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم