الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يكون إقرار الموازنة بديلاً من قانون الانتخاب؟

هدى شديد
هل يكون إقرار الموازنة بديلاً من قانون الانتخاب؟
هل يكون إقرار الموازنة بديلاً من قانون الانتخاب؟
A+ A-

إذا لم يكن مضموناً نجاح العهد في تسجيل إنجاز بوضع قانون انتخاب جديد للانتخابات النيابية المقبلة، كما يبدو من المواقف الاستباقية للقوى السياسية والكتل النيابية، فالعهد أمام اختبار آخر هو الإيفاء بالتزام إنجاز موازنة عامة تنهي فوضى الإنفاق العام من خارج الموازنة وعلى القاعدة الاثني عشرية منذ عام ٢٠٠٥. في الوقائع، كل الاتصالات الجارية تشير الى نية حقيقية جامعة لإقرار الموازنة العامة، ووزير المال علي حسن خليل الذي كان حوّل مشروع قانون موازنة ٢٠١٧ منذ آب الماضي الى مجلس الوزراء، استعاد المشروع الى وزارة المال على أثر تشكيل الحكومة الجديدة، وعدّله بما يتناسب والوضع المستجدّ، ورفعه مجدداً الى رئاسة مجلس الوزراء مقارناً مع مشروع موازنة ٢٠١٦ والفروق الحاصلة، وبتقرير مفصَّل عن النفقات والإيرادات. وبما ان مناقشة هذا المشروع في مجلس الوزراء تحتاج الى جلسات متتالية، فقد بدأ رئيس الحكومة سعد الحريري يدرس الزمان المناسب للانطلاق بهذه الورشة الحكومية خلال الايام القليلة المقبلة. وفي تقريره عن مشروع الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام ٢٠١٧، يقدّم وزير المال رؤيته لمعالجة وضع المالية العامة وإعادتها الى المسار الصحيح والفعّال، عارضاً للاوضاع الداخلية والإقليمية وأثرها الاقتصادي والمالي والاستثماري. فأزمة النزوح بلغت كلفتها أكثر من ٣٥٪‏ من الناتج المحلي، وبلغ لبنان مرحلة نموٍ متدنٍ وتراجعت مؤشراته المالية والخارجية، واستمر انخفاض ميزان المدفوعات، كما استمرّ عجز الحساب الجاري بمستويات مرتفعة قاربت الـ١٧٪‏ من الناتج المحلي، وأدى ذلك الى ارتفاع نسبة الدين العام والعجز في المالية العامة.
لا يخفي وزير المال الاثر السلبي الكبير لغياب الموازنة منذ أكثر من ١١ سنة على الوضع المالي، وقد تزايدت الحاجات الضرورية للإدارات العامة في غياب ايرادات او إجراءات جديدة لتغطية الزيادة في الإنفاق، مما ادى الى ارتفاع مستوى العجز وتفاقم المديونية. كما يشير الى تضمين كلفة غلاء المعيشة في اعتمادات الرواتب، وتخصٰيص كلفة تعديل سلسلة الرتب والرواتب باعتماد بقيمة ١٢٠٠ مليار ليرة لبنانية في احتياط الموازنة. وثمة إجراءات مقترحة لزيادة الإيرادات وتغطية بعض النفقات.
وفي أرقام مشروع الموازنة للعام ٢٠١٧، يبلغ الإنفاق الاجماليّ العام نحو ٢٤٧،٢ مليار ليرة من ضمنها الفوائد على سندات الخزينة بنحو ٧١٠٠ مليار ليرة لبنانية. فيما تبلغ الإيرادات نحو ١٦٨٥٨ مليار ليرة، متضمنةً المبلغ المقدّر للاجراءات الضريبية المقترحة أساساً لتغطية كلفة تعديل سلسلة الرتب والرواتب. أما نسبة العجز فتبلغ في النفقات ٣١,٧٥٪‏ و٩,٥٤٪‏ في الناتج المحلي. ويفنّد التقرير المالي الزيادات في النفقات الجارية وأبرزها في قطاعات الصحة والتربية والأمن والبيئة وغيرها، فيما بند المساهمة لدعم مؤسسة كهرباء لبنان يبقى هو هو من عام الى آخر بقيمة ٢١٠٠ مليار ليرة. كما تتضمٰن الموازنة بند الاعتماد المخصص لتسديد جزء من نفقات المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بقيمة ٥٨ مليار ليرة لبنانية.
وزير المال مقتنع بضرورة الخروج من الحلقة المفرغة في الإنفاق العام على مدى اكثر من ١١ سنة، ويشدّد على اقرار الموازنة لتصحيح الوضع المالي. وتُنقل عنه وجهة نظره القائلة انه يمكن اقرار الموازنة في مجلس النواب ونشرها ايضاً باتباع الالية التي اعتمدت منذ عام ١٩٩٣ بالموافقة على حسابات الادارة المالية النهائية للسنة السابقة، عملاً بالمادة ٨٧ من الدستور، مع ترك كامل الحق لديوان المحاسبة بالتدقيق في هذه الحسابات لاحقاً.
في هذا الوقت، تستمر عملية التدقيق الجارية في وزارة المال منذ نحو اربع سنوات، وقد أنجزت بنحو ٩٠ في المئة منها، بما فيها حسابات الـ١١ مليار دولار التي أنفقتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، والتي يجري البحث عن كل ورقة من اوراقها. فعملية التدقيق ورشة ضخمة تبحث في حسابات متراكمة منذ ١٩٩٣، وتبلغ مئات الآلاف، لا بل الملايين.
وفيما تخوض لجنة المال والموازنة اليوم في ورشة مساءلة عن الحسابات المالية وآليات الإنفاق وعمليات التدقيق الجارية في وزارة المال، لا تزال وجهات النظر متباعدة في ما يتعلٰق بقطع الحسابات وبتسوية الٓـ١١ مليار دولار التي لا يبدو ان التفاهمات السياسية الجارية على اكثر من مستوى تشملها حتى هذه اللحظة. فالفريق الذي يعتبر مسؤولاً عن هذه الحسابات، يصرّ على ان لا مشكلة فيها، وهي انفقت في نحو ثلاث سنوات أي في الأعوام ٢٠٠٦ و٢٠٠٧ و٢٠٠٨ وقسم من ٢٠٠٩، وكلها حسابات مدقّقة ومدوّنة ومعروفة وجهة إنفاقها، وان ما احيط بها كان هرطقة سياسية يجب تجاوزها بالقفز فوق الخلاف السياسي حولها، وانه يجب اقرار موازنة ٢٠١٧ حتى لو لم تنتهِ عملية التدقيق في الحسابات العالقة، بهدف إنهاء فوضى الإنفاق الاستنسابي وإعادة الدور الى المؤسسات الدستورية، ولا سيما لمجلس النواب في عمله التشريعي والرقابي.
أما الفريق الآخر، فمتمسّك بنظريته التي تعتبر أن الحسابات المالية يجب ان تأتي وفق الأصول الى ديوان المحاسبة، والـ١١ مليار دولار هي جزء من مجموعة ثغرات تعوق انتاج حسابات مالية سليمة. ولذلك تتوقّف النتيجة، من وجهة نظر هذا الفريق، على انتهاء فريق وزارة المال من عمليات التدقيق وموافقة ديوان المحاسبة على هذه الحسابات العالقة، ليبنى على الشيء مقتضاه. اما في حال عدم التمكٰن من اقرار قطع الحسابات بشكل سليم وفق ما تنصٰ عليه المادة ٨٧ من الدستور، فلن يكون هناك موافقة على موازنة مع التحفُّظ، كما كان يجري في السابق، ولن يكون تصفير للحسابات.
في أي حال، اجتماع لجنة المال والموازنة اليوم هو المؤشر، إما الى تسوية الوضع المالي واقرار الموازنة وإما الى البقاء في حلقة الخلافات المفرغة وفوضى الوضع المالي العام.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم