الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"مدونة سلوك" لأولي الأمر

راشد فايد
A+ A-


خيط رفيع يفصل بين تسوية تؤدي الى حل شاف من أمراض الوطن اللبناني، وتواطؤ يتعامى عن الخطأ المتمادي، بحجة تمتين الاستقرار الهش، وصون البلد من لهيب المنطقة.
الخطأ المتمادي هو تجاهل الجمهورية أعراض الانقضاض عليها، بقضم سلطتها، لمد "الجمهوريات الصغرى"، بالنسغ اللازم لـ"فطامها" الاجتماعي عنها. والواقع، ان الدولة تنتهك ماديا ومعنويا، منذ غزو الادارات بموظفين قليلي الكفاية، عامرين بالولاء للقائد سليل الحواجز الميليشيوية. وفيما بات هؤلاء من مسلمات المحاصصة والهيمنة، يدخلنا الثنائي الشيعي في مرحلة تمتين الانفصال الاجتماعي لمناطق نفوذه، واعلان استقلال قراره في شؤون "البيئة الحاضنة"، وإلزامها قوانين يسنها لها، لا تتفق وقيم الجمهورية، بل تناقضها.
من ذلك، معاناة "المتمردين" على سلطة الأمر الواقع، منذ منتصف الثمانينات. فالذاكرة لا تنسى أن أهالي قرى الجنوب والبقاع، وكذلك الضاحية، كانوا يتعرضون للتفتيش، و"التنقيب" في ما يحملون بحثا عن كحول "مهربة"، في اعتداء واضح على حرية كفلها الدستور لكل المواطنين. وكم من شخص سجن في أقبية "حزب الله"، الى أن تقولبت مفاهيمه الاجتماعية، وفق ارادة "الجمهورية الاسلامية" التي ارادها الحزب في لبنان ولما يزل. حتى ان حركة "أمل" انكفأت عن "مشحة" علمانية داخلتها في بداية انطلاقتها، لتبارى شريكها اللدود على عباءة التدين، تحديداً منذ طلب رئيسها الى المصورين، في مؤتمر لوزان للمصالحة اللبنانية عام 1984، ان يلتقطوا صورا له وهو يؤدي الصلاة، على طريقة "الرئيس المؤمن" أنور السادات.
ماذا تعني مصادرة طائفة وقرار أبنائها اليوم، في مشهدين: منع الكحول في كفررمان الجنوبية، بقرار الحزب "ومصادرة" المجلس الشيعي الأعلى، الذي تغطيه "الحركة" سياسياً، مسجد الامام الصادق، من دون صفة قضائية ولا قرار قضائي، بل باجتهاد فقهي - ميليشيوي، كما كان الأمر يوم طرْد مفتي صور من منصبه وبيته ومكتبته، في اعتداء على الدستور والقوانين والقيم الجمهورية، تحديدا حرية الفرد، وحق الملكية واحترام أحكام القضاء. والهيمنة "الفجة" تماشيها هيمنة متسللة، في مجالات عدة، منها اعتماد بعض الكتاب العدول نصا يدخل الشريعة الدينية كمرجع لفض النزاعات المحتملة. أليس ذلك ما نفذته "داعش" في العراق وسوريا حين فرضت على أبنائهما ما يرتدون ويأكلون ويشربون، وصادرت أملاكهم، ومحاصيلهم؟
ما يستكمل المشهد، أن من يحرم الخمر اليوم على "سلالته"، لن يتردد غداً في تحريمها على الآخر... ربما مطلوب في زمن التسوية الداخلية الراهنة "مدونة سلوك وطني" بين أولي الأمر ترسم حدود الدولة، وتمنع تجاوزها سواء بـ"الغطاء السياسي" وسطوة السلاح، ورهبة الثنائية، أو الزعيم الأوحد. وإلا تكون التسوية معبرا لمزيد من الاهتراء والتفتيت المموه ببسمات الغافلين والمرائين، وتكون وبالا على لبنان لا نعمة لأبنائه. ويكون صمت السلاح منتجا لأصحابه أكثر من صخبه.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم