الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

نجوى ندبت زوجها الميّت بفستان الزفاف

المصدر: النهار
فاطمة عبدالله
A+ A-

ليس على الدراما إلا حمل السكين وتمزيق ذاك الأسف في داخلنا المسمّى قلباً. نختار الهروب والانكار، لعلّهما كل ما يبقى من الواقع حين لا نريده. كيف يمكن مشهداً درامياً ان يدع الكلمات تقترب من الأرض، وكل ما في الأمر ان بعضهم يجسّد نصاً مقابل بدل، فيما نحن نتألم ونخشى عمراً على وشك ان يمضي ونحن أشباه بؤساء؟ الممثلة الأردنية صفاء سلطان في دور نجوى، زوجة جابر (قصي خولي) في "ولادة من الخاصرة 3" (السابعة مساء عبر LBCI، والعاشرة والنصف ليلاً عبر LBCI دراما) أدت مشهداً لا يجسّده سوى الموتى.


يكاد الرثاء يكون مهزلة لو لم تحترف قلة ذرف الدموع. دور سلطان في المسلسل بلغ الذروة مع مقتل زوجها جابر على يد شيخ الوادي أبو نبال (باسم ياخور)، وهما معاً في ليلة زفاف جديدة بعد طي صفحة الماضي.
تصبح السعادة خياراً لا يُحتمل بينما الدقائق تمرّ مهددة الانسان بالموت. معرفة أمّ جابر (منى واصف) بأن مقتل ابنها مجرّد تمثيلية انقاذاً لحياته من شرّ آخر، جعل الأنظار تتجه نحو الزوجة المفجوعة التي تَقَرّر في البداية ألا تعرف شيئاً. كانت لا تزال في ثوب الزفاف حين رُمي زوجها بالرصاص. عروس رأت في ليلة فرحها غراباً ضخماً يتسلّى. اختلطت الدموع بأحمر الشفاه وبالزينة التي تضعها المرأة على وجهها قبيل لحظات من السعادة. صار الصوت عالياً جداً. أشبه بانتقام أو سخط أو محاولة تغيير ارادات: جابر!! جابر!! جا... الطبيب عاجز عن تضميد ويلات الغياب.
تتقن الأم كيف ترثو ولداً يموت قبلها. نتخيّلها تصبح شاعرة أو ميتة للمرة الأولى. تقبّل التراب بدل ان تخرج ثديها لطفل تسترجعه في حاجة الى ان يرضع. كانت أم جابر صامتة، فالذي هناك في صندوق الخشب ليس ابنها. رجل غريب صدمته سيارة ولم يكترث لتشوّهاته أحد، فإذا بالمصادفات تجعله دليلاً الى موت جابر.


بروعة يصبح الموت لوحة من اضطراب وصرخة. تحمل نجوى سكيناً وتهدد بقتل نفسها ما لم تلقِ النظرة الأخيرة على حلم أيامها وهو في الداخل جثة قيل بأنها تأذّت كثيراً قبل ان تستريح. غالباً ما يجري الانصياع لمطلبنا ونحن نُحتضر، بدافع الشفقة ربما أو لأن المصيبة قد تفرض على الآخرين تحمّل انفعالاتنا. في "منبر الموتى" (كتابة سامر رضوان واخراج سيف الدين سبيعي) خلفية سياسية قاسية، وفيه أيضاً كيف تقتل الأنظمة البني آدم ثم تمعسه كحشرة. وإنما البُعد الانساني هو الوجع الخالص. كما تُقتل الأحلام يُقتل البشر، فالموت بمثابة حلّ لبعض التعب.


تُطالَب بأن تتماسك وان تحتفظ له بصورة مثلى: رجل قوي يضحك. نهتزّ حين نرى امرأة تنهار أمام مثالية الصورة. تريد تذكّر جابر الخوف من الجوع، وجابر الهروب من الفقر الى الشرود، لا بل جابر الضعيف الذي يشبهها. أحد لا يشعر بما يدور في رأس يسترجع المَشاهد كلها. صفاء سلطان أدخلت خسارة العزيز الى بيوتنا، ونحن نسمع يومياً عن عشرات القتلى في سوريا وفلسطين والعراق، ونكاد لا نتأثر. مرعب تقبّلنا أرقام القتلى وكأنها ورقة لوتو رابحة. كان على مشهد صنعته صفاء سلطان ان يحرّك الانسان الميّت فينا. يقلبه الى الجهة الأخرى، لربما أتعبه الموت على هيئة واحدة.


[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم