الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

في كواليس مسرحيّة "كيفك يا ليلى" القاسية حتى الرقّة!

هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
في كواليس مسرحيّة "كيفك يا ليلى" القاسية حتى الرقّة!
في كواليس مسرحيّة "كيفك يا ليلى" القاسية حتى الرقّة!
A+ A-

يرى البَعض أننا في الواقِع لا نَستَطيع أن نَتَحدّث عن تلك الأحاسيس والذُكريات التي ما زالَ طيفها "يَتَخبّط" في مكانٍ ما في حَنايا الروح إلا بعد الشِفاء منها...ولكن هل نَستَطيع فعلاً أن نَشفى من "أمورنا"، وهل نَملِك السلطة لتخطّي مُحاوَلاتِها المُتكرّرة لإحباط مُخطّطنا في "إلتِقاط" وَميض السَعادة "الشارِدة" في مكانِ بَعيد لا يَصل إليه إنكِسارِنا؟
المُخرِج المَسرحيّ الكَبير ميشال جبر يؤكّد ل"النهار" أن "ليلى الحقيقيّة خَضَعت للعلاج وتَخطّت أثر ذلك الآمها. سَرَدَت لي قصصها بعدما تَخلّصَت من تأثيرها عليها".
ليلى الحقيقيّة؟
هذا هو الواقِع.
إذ أن مَسرحيّة "كيفك يا ليلى" التي تُعرَض حاليّاً على خَشَبَة "مَسرَح مونو" وتُثيرُ الجَدَلَ وتَستفزّ تحفّظنا الخارجيّ وتَهذيبنا الكاذِب أحياناً وغير المُبرّر في كل الأوقات، مُستوحاة من سيّدة تُدعى ليلى إقتَحَمَت يوميّات ميشال جبر ووَضعَت أمامه قصصها المُقلِقة التي ربما لم تتمكّن من طيّ "صَفحة الجَفاء" معها. قصصها الراعِبة التي لم يَعرِف الجمهور مساء الإفتتاح، قبل أيام مَعدودة، كيف يَتعامَل مع قُسوتها وواقعيّتها المؤلِمة وإن كان مُجرّدَ شاهد على نزواتها الخانِقة.
المُمثّلة والمُغنية نيللي معتوق "تَقودُ" المَسرحيّة بمُفردها على خَشَبة المَسرح. تَقِف وَحيدة أمام جنون الذكريات و"تُهيمن" على أمسياتنا وتَرمي عَشرات المَشاهِد بعُنفٍ أمام ذُهولنا.
ليس خافياً على أحد أن المَسرَح يَعكسُ الذعر العَظيم الذي تُخلّفه أحلامنا وبعض كوابيسنا، لكن على "زائِر" مسرحيّة "كيفك يا ليلى" أن يَعرِف مُسبَقاً أن ما يَنتَظره على الخَشَبة ليس للذين يُهدهدون "قارِب" الأحلام الورديّة ومن يَنظِر إلى الواقِع بزهو وإنخِطاف "مُلوَّن".
هذه المسرحيّة تتوجّه لكل إقتحاميّ فَهِمَ باكراً أن الحياة حَرب وأول مَعركة لنا هي في المَنزل. مع أفراد العائلة بِقدرتهم على تَشويه حنايانا والتسبّب بأضرار "جَسيمة" لذكرياتنا التي لم نَصنعها بعد.
تَنطَلق الحكاية المحوريّة للمسرحيّة مع "ليلى"، وهي مُمثّلة إبتعدَت عن التمثيل أثناء الحَبَل وعاشَت حالة الإكتئاب التي تَظهَر احياناً بعد الولادة. تُقرّر أن تَعود إلى مهنتها وتُشارِك في تجربة أداء تتمحور حول شخصيّة إمرأة بدينة تَكره جَسدها ووتعامَل معه بإزدراء. وتَخوض أثر هذه العلاقة المَشوّهة بِجَسدها علاقات جنسيّة مُلتَبسة وغير صحيّة وتَدخل رواق المُخدرات المُظلِم في محاولة للتَعويض عن عقدة النَقص التي لازمتها في يوميّاتها وهدّدت لحظاتها.
بناء على طَلَب المُخرِج في المسرحيّة تبدأ بالإرتِجال حول هذا الموضوع فتَغتَنِم الفرصة لمُراجَعة حياتَها المُظلمة أيضاً والمُسيّجة بالأسى والإضطهاد وتَدمير الذات.
كُتِبَ في النَشرة التي يَتم توزيعها في المَسرَح، "أنه غوص في الأعماق بأسلوب البسيكودراما. يتميّز بأداء يَجمَع بين المُتناقضات. انها سيرة حياة مُمزّقة ذَهَبَت هباء. والرؤية الإخراجيّة تُعالِجُ الذكوريّة والنسوية، الحريّة والعبوديّة، الأنثويّة الجنسيّة، المخدرات كوسيلة مُنحَرِفة للتعبير عن الذات أو للتعويض عن نقص. هي مواضيع تتناولها المسرحيّة من خلال بطلتها ليلى بأسلوب الغروتسك السيكولوجي الذي يَجمَع بين تناقضات المَسلَك الإنسانيّ. كل ذلك بلغّة صادقة تتميّز بالتنوّع في الأداء بين الكوميدي والمأساوي مع لحظات هروب إلى عالم الموسيقى".
ميشال جبر يروي ل"النهار"، "تَعرَفت إلى ليلى الحقيقيّة في أحد المُحترفات التمثيليّة التي أقودها خارج نِطاق عملي الجامعيّ. زارَتني في أحد الأيام وتَفاعَلت مع أسلوبي في العَمَل، وطَلَبت منّي أن تتحدّث معي عن قصّتها. أسلوبيّ الشخصيّ في التدريب التمثيليّ يَرتَكز على جلوس الطالِب على كُرسي وأعمد على طَرح عليه عشرات الأسئلة أستَخرِجُ من خلالها قصصه العالِقة".
كان لليلى ما أراد.
ولكنها عندما جَلَست أمام الطلاب وشَرَعَت تتحدّث عن حياتها، قال لها ميشال جبر، "بفضّل ما تحكي بالصفّ. مُمكن الطلاب التانيين ما يتقبّلوا. إضطرّريت إنّي وقّفها على قد ما فاتت بالتفاصيل".
ميشال جبر إستفزّ ليلى من خلال الأسئلة، "أملك العديد من التَسجيلات معها. وفيها تتحدث ليلى في كل المواضيع. وأدخلتني إلى عالم المُخدرات المُخيف. لاحقاً، عندما قرّرت أن أحوّل حياتها إلى مسرحيّة حصرت القصّة ضمن قضيّة المرأة وخياراتها".
سَمَحَت له الرقابة بكل شيء، "ولكنني في الواقِع تخلّيت عمّا يُقارِب ال10 صفحات على إعتبار أنها ثقيلة كثيراً".
ومع ذلك، فإن القصص التي حوّلها جبر مادة مسرحيّة، ليست بالسهلة وليست بالمُريحة.
كيف تمكّنت نيللي معتوق من أن تَستَحضر كل هذا الألم وهذه القُسوة على خَشَبة المَسرَح على الرغم من كونها لم تتعرّف إلى "ليلى الحقيقيّة"؟
تؤكّد ل"النهار"، "صراحة، أول شي بدّك تفكري بكل شي موجّعِك بحياتِك تتقدري تلمسي هالشخصيّة. ما في ولا حداً مش موجوع. بدّك ترجعي تفوتي بألآمك".
الشخصيّة كما تصفها معتوق، "صعبة. والأصعب أن نعود مجدداً إلى تلك الأمور التي أوجعتنا".
ولكن لا بدّ من هذه "الرحلة" الداخليّة "تتعرفي شوي كيف بدّك تعطي الشخصيّة حقّها وتقدري تكوني حقيقيّة على المسرح".
إستمرّت فترة قراءة النصّ الذي ألّفه ميشال جبر، "3 أو 4 أشهر. وإنتقلتُ بعدها إلى الخشبة للتمرين ".
ميشال جبر، "أكثر من دَقيق خلال العَمَل. ملاحظاته حاضرة باستمرار. يُعيد الأمور بلا ملل. أحياناً يُبدِّل. وأثناء التمارين نُعيد كل المقاطِع".
ليلى الحقيقيّة؟ " يا ريت إلتقيت بها. فانا في النهاية أتحدّث عن إنسانة. اليوم، اعتَرِف بأنني أفكّر بليلى باستمرار وأفكّر كثيراً في جرأتها".
هذا الدور القاسي والأكثير من جريء، "فشلّلي خلقي!".
قبل العرض الأول، أرسَلَت "ليلى الحقيقيّة" (التي تَقطن خارج لبنان)، رسالة صغيرة إلى ميشال جبر، فيها، "أنها قصّة طفولة شوّهتها النَظرة البطريركيّة لمُجتَمَع فاسِد. هي إبنة ال12 سنة التي تَكتَشِف دهاليز الحُب المُظلِمة والأنوثة المَقموعة في بلد يَسهل فيه الوصول إلى المُخدرات، وحيث العلاقات الجنسيّة مُحرّمة ومرفوضة ومُلاحقة، وحيث هويّة الإنسان تتأرجح بين المَسموح والممنوع في مجتمع ذكوريّ. ليلى، إسمي ليلى".
[email protected]


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم