الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بؤرٌ تستولد العنف ضد الأطفال... ما وراء تعليق والد ابنته من يديها

المصدر: "النهار"
طرابلس-رولا حميد
بؤرٌ تستولد العنف ضد الأطفال... ما وراء تعليق والد ابنته من يديها
بؤرٌ تستولد العنف ضد الأطفال... ما وراء تعليق والد ابنته من يديها
A+ A-

ليس من المراجل، ولا الشطارة، الكلام على قصص الغرائب البشرية عندما تذكر أحياء كثيرة في طرابلس مثل حي العجم، أو بعل الدراويش في باب التبانة، أو حي الميقاتي ومحيطه من أزقة في باب الرمل، أو طلعة المخيّم في البداوي، فمن بديهيات الأمور أن تجد في هذا النطاق الواسع من غرائب الأحياء والحارات المنتشرة في طرابلس، غرائب القصص التي تتوالد كالفطر بين ظروف أغرب أصناف الحياة التي تعيشها هذه الأحياء، وسكانها.


آخر القصص أن أحمد. ب.أ علّق ابنته في السقف لإجبارها على التسوّل. عنوانٌ سهلٌ للإطلاق، لكن ليس من الغريب فهمه عندما تُعرف حيثياته، وربما كان من البديهي أن تحدثَ أمور من هذا النوع، وربما ما هو أكثر غرابة مما هو مضحك ومبكٍ في آن، في الظروف التي تعيشها تجمعات بشر في الحي الذي يقيم أحمد فيه، وليس من الشطارة إطلاق تسمية "حي التنك" عليه، لأن التسمية يحملها عدد كبير من الأحياء في مختلف المدن والبلدات، وجلّ ما في أمرها أنها تتكوّن من بيوت لا يستطيع اصحابها أن يسقفوها بالاسمنت، كما لا يحق لهم بذلك قانونا، فالوضع العام غير قانوني، وغير قابل إلا للدهشة، والاستغراب: "هل توجد عندنا، على مقربة منا، حياة بشر كالحياة هذه؟"، يرددها سكان يتناولون الرواية.


ليس التساؤل غريباً. "أنت في حي الطقطق، أو الطأطأ، ويمكن أن يكون من الطأطأ إلى السلام عليكم"، تقولها بروح نكتة، ولكنة شعبية محببة، سيّدة، صاحبة محل للسمانة في الحي.


عند منعطف جسر الخناق المفضي إلى أبي سمراء، يقع الحي، ويمتد بضع مئات من الأمتار باتجاه الشمال. والحي عريض، ومعبّد جيداً، وأبنيته لا تشكو من سوء، وقد تأسست بعد أن جاء أحد آل الطقطق أو الطأطأ وبنى أول مبنى فيه، والبناء يشير إلى أواسط القرن الماضي لا أكثر.


على حافة الشارع، يقع مرتفع أشبه بالتل، وتقوم فوقه ما لا يزيد على ستة أو سبعة مبانٍ، من طبقتين أو ثلاث، وكلها مسقوفة بالتنك. كيف ولماذا ومن أقام المباني، لا أحد يعرف، إلا أن الأرض كانت تابعة لوقف الروم، واشتراها أحد أبناء الضنية، على ما يذكر بعض السكان.


في خضم الأحداث المتعاقبة، وبغياب أي رقابة أو سلطة، جاء من يبني غرفة أعلى التلة تقيه التشرد. ومع مرور الوقت، بنيَت غرفة متلاصقة، ثم طبقة ثانية، ولما لم يتدخل من يمنع قيام المخالفات، لأنها لا تقاس بسواها من مخالفات أكبر، وأكثر خطورة، وبغياب السلطة والرقابة، ارتفع المبنى تلو الآخر حتى تغطت الأرض بعمارات حجر الاسمنت المتكدس فوق بعضه، كيفما اتفق، وجرت تغطيته بألواح التنك.


وللوصول إلى البيوت، يجب المرور صعوداً، في طريق صعبة، على ممرٍ تراب، موحل بسبب الشتاء، وبسبب سيول المنازل التي ليس لها أقنية للصرف الصحي، كما يظهر من خلال تكنيس إحدى سيدات الحي للمياه دفعاً لها خارج غرفتها، وهناك تقع المآسي. غرف محشورة، وزقاق يفصل الغرف التي تشكل كل واحدة منزلاً مستقلاً، وقد تعيش في غرفة واحدة عائلة من سبعة أشخاص، على ما روت م.م. إحدى سيدات الحي.


 


وفي أعلى إحدى البنايات، تقف فتيات عدنَ للتو من المدرسة، يضحكن ملء قلوبهن، ولا يدركن أن طريقة حياتهن ليست على ما يرام. ويصل فتى لم ينهِ عامه السادس، هو ابن م.م. تستقبله، وتضمه، ويدخل للغداء في غرفة بسيطة، لكن م.م. رتبت بيتها ونظفته بما يليق باستقبال ضيوف، كالصحافة.


حين دخلت م.م.  بيت احمد القائم فوق بيتها، في غرفة واحدة من مساحة لا تتعدى العشرة أمتار مربعة، سدت أنفها، ولم تتحمل سوء الروائح العابقة في البيت-الغرفة ذات الحمام المنفتح عليها بصورة دائمة. وفي الغرفة ثياب منثورة هنا وهناك، وصور لبنات العائلة لبيبة، وشقيقتها، وحبل رفيع ازرق اللون متدلٍّ من السقف، هو الحبل الذي ربط احمد لبيبة فيه بيديها، وعلقها في السقف، متدلية الأرجل كما على حبل المشنقة.


تتساءل باعتراض صاحبة محل السمانة: "كيف يمكن بشراً أن يعيشوا كحياة أحمد، وينجبوا الأطفال في هذه الحال"، وتنهي تعليقها ضاربة بكفها على رأسها.


م.م. تحدثت عن عائلة احمد.ب.أ. الذي أعيد إلى السجن بعد فعلته، ويبدو أنه "يتعاطى المخدرات وهي ليست من النوعية الجيّدة،  فهو يصنعها من أدوات الطلاء، خصوصاً "التربنتين" و"الثينر"، كما ألمح جيرانه.


منذ ثلاثة أشهر فقط، استأجر والد أحمد الغرفة-المنزل، وقبل صاحب المنزل أن "يؤجرَه لأنه يعرفه، ويعرف أخلاقه"، كما قالت م.م.، واشترط عليه دفع ثلاثة اشهر سلفاً، ما قيمته مئة ألف لكل شهر. "الوالد انسان جيّد"، تقول م.م.، و"عندما سمع بحادثة حفيدته جنّ جنونه في المهجر واتصل معاتباً ابنه على فعلته".


لم يبنِ احمد العلاقات المتينة مع الجيران، فهو لم يزل جديداً بين القاطنين، ويأتي إلى البيت حيث زوجته، وكثيراً ما كانا يتشاجران، ويسمع صوتهما إلى الخارج.


ابنتاه وضعتا في قرى الأطفال S.O.S، وبقي الصبي الصغير معهما، وهو لم يبلغ السنة من عمره. ولكم طاله عقاب الوالد عندما كان يريد أن يؤنب زوجته، أو يتشاجر معها، فكان الطفل "فشة خلق له، يناوله كفاً أو كفين، وربما أكثر نكاية بوالدته"، على ما روى عارفوهما من الجيران.


بعد انكشاف حادثة تعذيب الأب لابنته، نقل مع زوجته إلى السجن وضبطت شعبة المعلومات كمية من الحبوب المخدرة بحوزته، وبينما بقي هو فيه، غادرت زوجته، لكن الجيران أكدوا أنها لم تأتِ إليه، ولا يعرف أحد إلى أين ذهبت مع طفلها.


أما لبيبة (عشر سنوات) واختها الأصغر بأربع أو خمس سنوات، فنقلتا من جديد إلى جنة قرى الأطفال. هناك تستريحان، بينما يستريح احمد في السجن الذي اعتاده، والوالدة في خبر كان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم