الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الاستعانة بالقانون الروماني لتمديد ولاية مجلس النواب

عبد اللطيف فاخوري
A+ A-

في اقل من عشر دقائق أقر مجلس النواب تمديد ولايته سبعة عشر شهراً متبنياً الاسباب (غير) الموجبة التي وردت في مشروع التمديد، بعد ان كانت معزوفة التمديد قد شاعت وذاعت بعد ان بانت العملية الانتخابية التي لم يتفق النواب قصداً كي لا نقول عمداً على قانون تجري على اساسه


تجمع خارج مبنى المجلس بعض الاشخاص المعترضين على التمديد لم يصل عددهم الى 97 اي عدد النواب الذين حضروا ووافقوا على التمديد. وقد تجمهر المعترضون في الساحة التي انتصبت في وسطها ساعة غير سمّاعة – قال فيها الزعني يوما "يلعن هالساعة وهيديك الساعة"، وترك لكل قارئ او سامع ان يحدد ما هي "هيديك الساعة"؟ هذه الساعة التي كانت يوما تضج بالدكاكين والمشترين والتي اضحت نظيفة مرصوفة بحجارة من سجيل، الساحة التي سميت ساحة النجمة والتي أريد لها ان تكون نسخة غير متقنة عن ساحة الاتوال الباريسية، تحف بها ابنية تراثية طبقاتها خاوية على عروشها.
وشهدت الساحة ليلة التمديد للمجلس مجموعة من الشبان والشابات – خلافاً للقاعدة التي تقول لا يجمع ما بين متفرق ولا يفرق ما بين مجتمع، وقد افترشوا ارضاً ملساء تحت قبة فيروزية واصطحب كثيرون منهم حبات من البندورة وبعضاً من البيض، وكانت وجوههم مسمرة على باب المجلس العتيد يرصدون سيارة تقف قربهم يترجل منها نائب ومعه عدد غفير من المرافقين ذوي العضلات المفتولة والقامات الممدودة والنظرات الثاقبة يحفون به ويفتحون له باب المجلس الذي يغلق بعده لينفتح عند وصول نائب آخر. وبين انفتاح الباب وانغلاقه كما بين غمضة عين وانتباهتها، يتسرب خارج المجلس القليل مما يتردد في قاعته من اقوال الخطباء، فتسمح كلمات طالما كانت لها دلالتها لديهم مثل: الشعب، الحرية، الديموقراطية، النظام البرلماني، الوضع الامني، القوة القاهرة، الظروف الاستثنائية، المصلحة العامة، السياحة، الثروة النفطية، التي نأمل الا تكون كالثروة السمكية سمك بالبحر؟
وما ان صدق النواب بالاجماع – الاجماع الذي نادراً ما يحصل ولم نر له مثيلاً - على التمديد حتى تعالت الاصوات، من الذين برروا التمديد ومن الذين عارضوه ومن الذين ايدوه، منهم من بكى على ما آلت اليه احوال التشريع ومنهم من تباكى على الديموقراطية اللبنانية التي وصفوها زوراً بأنها الوحيدة الفريدة العتيدة العنيدة في الشرق.
والذين درسوا الحقوق في الجامعة اللبنانية من اصدقائنا الذين اضحى كثير منهم نواباً وقضاة عدليين واداريين ودستوريين لا شك يتذكرون ما كان يقوله الدكتور ادمون رباط من ان القانون الدستوري يعتبر الشعب هو العضو الاول Organe primaire في الدولة ولكنه لا يستطيع عملياً التعبير عن ارادته فهو مضطر لاختيار ممثلين عنه يقومون مقامه ويصبح كل نائب بعد انتخابه ممثلاً للشعب بأسره فينشأ ما عرف بالوكالة الالزامية Mandat Impératif التي توجب عليه اتباعها اثناء ممارسة نيابته. ويضيف الدكتور رباط بأن نظرية التمثيل théorie de la représentation مستمدة من التمثيل في القانون الخاص كما استخرجها فقهاء الرومان، ونظرية التمثيل هذه التي تنطبق في القانون الخاص على امور شتى، كالوكالة والفضول وتمثيل القاصر قد امتدت الى القانون العام والسياسة.
وتطبيقاً لذلك ولما كان الدستور اللبناني لا يحدد مدة ولاية المجالس النيابية ولا عدد النواب، غدا من اختصاص المجلس عند النظر في قانون الانتخاب ان يحدد عدد النواب ومدة ولايتهم. فاذا عدنا الى القانون المدني اللبناني (قانون الموجبات والعقود) وجدنا انه وفقاً للمادة 771 يجوز ان تكون الوكالة مقيدة بشرط وأن يعمل بها ابتداء من اجل معين أو الى أجل معين. وان الوكالة عملاً بالمادة 808 من القانون نفسه تنتهي بحلول الأجل المعين للوكالة.
فالنواب انتخبوا وفقاً لقانون الستين الذي حدد مدة تمثيلهم للشعب اللبناني بأربع سنوات وبانتهائها انتهت وكالتهم عن الشعب. ولا يصح القول بأن استمرارهم في عضوية المجلس المنتهية مدته وتمثيلهم للناخبين، تم بعلم موكليهم ودون معارضتهم وبالتالي فان هناك تجديداً ضمنياً، فتجديد الوكالة لا يستنتج استنتاجاً بل يجب ان يتم صراحة وعلناً وممارسة ودون اي التباس او معارضة، وقد يكون من الضروري تأكيداً لصحة التمديد اللجوء الى الاستفتاء. واذا كانت الذريعة ان الأمن لا يسمح باجراء انتخابات او استفتاء، فليلجأ اهل الحل والعقد، وهم شطّار في ذلك، الى ابتداع وسيلة تحقق الغاية وتكون تحت عباءة الديموقراطية وليتم الاستئناس بالآليات التي سنتها قوانين احصاء السكان بحيث يمنع التجول - وعدم التجول لم يعد غريباً في لبنان – وتقوم لجان انتخابية تحمل صناديق اقتراع فتجول على الناخبين في بيوتهم وتجمع اصواتهم، وكفاهم الله شر المخاطر الأمنية.
وجاء التمديد بعد العجز عن الاتفاق على قانون للانتخاب ولم يوفق في اسبابه الموجبة التي حاول فيها ان يؤكد العرف من خلال سرده لأسبقيات التمديد وكأنه يريد القول بأنها تسمو الى مرتبة العادة والعرف فهو يبرر التمديد بالقوانين التي مددت ولاية المجلس النيابي وهي القوانين رقم 76/1 و78/31 و80/14 و83/9 و84/3 و86/11 و87/52 و89/1.
وغاب عن واضع مشروع القانون او عمّن صدّقه، ان يشير الى حالات تمديد مختلفة منها التمديد او التجديد لرؤساء الجمهورية.
وطالما ان قانون التمديد توسل في أسبابه الموجبة قاعدة رومانية (كما وردت فيه بنصها الروماني) وهي Salus populu supremalex Esto وفسرها بأنه يقتضي أن تكون سلامة الشعب القانون الأسمى. فلنعد الى القواعد الرومانية التي أسستها مدرسة الحقوق في بيروت والتي كانت قاعاتها ومدرجاتها قريبة جداً من مبنى مجلس النواب الحالي، علماً بأن هذه القواعد كانت مستمدة من الأعراف الساحلية المحلية جرى تقنينها في مجموعة جوستنيان (الديجست) Digest وتنص احدى هذه القواعد على المفعول الإلزامي للعرف الذي ينشأ، وفقاً لاولبيان فقيه المدرسة، عن تواتر قاعدة مدة طويلة تفسر بأن الشعب وافق عليها وقبلها. Mores sunt Facitus consensus populi. إلا أن ثمة قاعدة رومانية اخرى اغفلها تبرير التمديد قصداً ان لم نقل عمداً، لأنها تنظر الى النيات والوسائل غير السوية التي يقوم بها المستفيد تبريراً لعمله. والقاعدة تقول: لا يمكن احداً ان يستفيد من ظرف أوجده بنفسه. وقد اعتمدها الفقه الحديث بنص: Nul ne peut se prévaloir de sa propre turpitude
ونصها الروماني: Nemo auditor propriam turpitudinem Allegans
كما تذرع القانون للتمديد بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاضطرابات الأمنية علماً بأن هذه الأوضاع وصلت الى ما آلت اليه بفعل خلافات الفرقاء وتصريحاتهم وتحميل كل فريق للآخر مسؤولية التردي الأمني والاقتصادي بينما يتحملون جميعاً هذه المسؤولية سواء الذين وافقوا على التمديد فعلاً أم الذين عارضوه ظاهراً ثم جاؤوا باكين على الكيان والصيغة والديموقراطية كما جاء اخوة الفتى "الحليوه" يوسف أباهم عشاء يبكون بعدما القوه في الجبّ. ومن يقتنع بأن أربع سنوات اي ثمانية واربعين شهراً لم تكن كافية لإعداد مشروع قانون انتخاب جديد وأن مشروعاً كهذا يستلزم سبعة عشر شهراً أخرى؟ وان ليس وراء الأكمة ما وراءها يكون واهماً: إن اختفى ما في الزمان الآتي فقس على الماضي من الأوقات
ويبدو ان التمديد كان معداً سلفاً وترك امر طرحه حتى اللحظة الاخيرة كي تتوافر أسبابه وليست هذه الاسباب إلا نتيجة الخطأ غير المتعمد والذي لا يرقى الى مرتبة القصد dolus deliberates، والناتج عن عدم التوافق والوصول الى قانون انتخاب يرضي الفرقاء المحليين والأصدقاء الاقليميين والاخوان الابعدين والناس أجمعين. بحيث يغدو التمديد مطلوباً ومرغوباً ومرحباً به، من باب أبغض الحلال و"مكره أخاك لا بطل". ولن نعجب اذا اخذ اللبنانيون يؤرخون واقعات ايامهم بـ"يوم التمديد" كما كان يفعل أجدادهم ايام سفر برلك والتلجة والزلزال. والذين كانوا يفضلون اجراء انتخابات لمجلس جديد على التمديد للمجلس الحالي نذكرهم بالمثل الشعبي القائل: "النحس اللي بتعرفه أحسن من السعد اللي رح تتعرف عليه"، فما بالك لو عاد النحس نفسه بالانتخاب مرة ثانية؟
وكان الأحرى بالنواب ان يعودوا الى محاضر جلسات المجلس التي جرت عند مناقشة موازنة سنة 1929، يومها القى عمر محيي الدين بيهم الذي انتخب نائباً عن بيروت سنة 1925 في المجلس خطاباً شبّه فيه شركة الريجي بالعَلَق يمتص من جيب الشعب ليراته، ثم أنهى خطابه بالتصريح عن عدم رغبته بترشيح نفسه مرة ثانية وودع زملاءه قائلاً "لقد أكلنا مال الأمة طيلة اربع سنوات ولم نبرهن إلا على ضعف" ("المعرض" 1930 عدد 30). فليسأل كل واحد من النواب خاصة ومن اللبنانيين عامة نفسه ماذا قدم للبنان؟
وإذا قيل بأن التمديد محظور نظرياً وان الضرورة أوجبت اللجوء اليه عملاً بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وان الضرورة هي عذر يبيح إجراء الشيء الممنوع، وإباحتها تسمى في علم اصول الفقه "رخصة، فان تقديرها منوط بمصلحة الرعية أي بالمصلحة العامة لا الخاصة علماً بأن الضرورة تقدر بقدرها.
تتردد في كتب الطب العربي عبارة "مجرَّب" عند الحديث عن منافع نبتة او ثمرة او عمل ما في العلاج. وكان الأحرى بواضع مشروع قانون التمديد ان يختم مشروعه بعبارة "مجرب". أما الذي اعتقد ان المجلس الدستوري سيصلح ما أفسده الدهر فنذكره بقول الشاعر:


 المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرّمضاء بالنار


محام ومؤرخ

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم