الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

أفلام عرضها "دبي 13": السينما بين شيخوخة الجدّة وشيخوخة الأم

المصدر: "النهار"
أفلام عرضها "دبي 13": السينما بين شيخوخة الجدّة وشيخوخة الأم
أفلام عرضها "دبي 13": السينما بين شيخوخة الجدّة وشيخوخة الأم
A+ A-

شاهدنا في الدورة الـ13 لمهرجان دبي هذا العام، عدداً من الأفلام الأميركية والعربية الجيدة من بين كمّ وفير من الأعمال كان في انتظارها جمهور السينيفيليين في المدينة الإماراتية. أتيح لنا كذلك حضور اختتام المشاهدة المهرجانية (دبي آخر التظاهرات التي نغطيها منذ سنوات) والشروع في الإعداد للحصاد السنوي لعام 2016، وهو عام أقل ما يقال فيه انه كان غنياً بالأفلام المتنوعة التي تختزل المسافة بين ما هو معروف بالتجاري وما يسمى فنياً. في الآتي، ثلاثة أفلام اكتشفناها في دبي وستُعرض السنةالمقبلة على أن تفتح مجالاً واسعاً للنقاشات والجدل.


"يا عمري" لهادي زكّاك (مسابقة المهر الطويل): هادي زكّاك أحد أبرع المخرجين الوثائقيين في لبنان والعالم العربي. لم يعد في حاجة إلى شهادة من أحد. جديده، "يا عمري"، وثائقي مفعم بالانسانية. ما يصوّره هنا هو جدته التي تجاوزت المئة من العمر (توفيت مند تصوير الفيلم). إنها هنرييت التي عبرت الجزء الأكبر من القرن العشرين، هي التي انتقلت من ريو دي جانيرو إلى لبنان وعاصرت أهم محطات التاريخ اللبناني الحديث. هاجرت إلى البرازيل ثم عادت، تزوجت ورزقت بأطفال، لكن العودة جعلتها نادمة. لا حكاية كبيرة خلف هنرييت، وهذا ما يجعل منها كائناً مثل سائر الكائنات الذين لا يمسكون بمصائرهم، بل هم ضحية الظروف التي يجدون فيها أنفسهم. ما يصوّره ذكّاك بحساسية مدركة وذكاء حاد في التقاط آثار الشيخوخة على مسامات الجلد المترهل، يشبه حكايات الكثير من أسلافنا الذين حملتهم الأوضاع في هذا الشرق البائس إلى البحث عن مكان أفضل للعيش. يتبين هنا ان المكان الأفضل كي تصمد الذكريات أمام ثقل الأيام والنسيان هو عين الشخص التي تمرّ حياته أمامه كشريط صامت، كذلك المشهد حيث تشاهد هنرييت فيديو لريو دي جانيرو فتنعكس فيه صورتها. يدخل المخرج إلى الفيلم، ولكن ما من لحظة يسرقها من موضوعه الأساسي، تلك الجدة المحبوبة من الذين حولها، ولكن بات صعبا عليها التعرف عليهم بسهولة. حتى المخرج عليه أن يعرّف عن نفسه في كلّ مرة، في كلّ مرة يعود إلى ذلك الشاليه الضيق حيث تقيم هذه السيدة الجميلة مع خادمتها. صوّر زكّاك جدّته على فترات متقطعة، وهذا واضح في الفيلم، هناك مقابلات أجراها معها عندما كان شاباً يافعاً. الربط بين مختلف مراحل حياة هنرييت يقول الكثير عن تشرذمنا والخلل في بناء حياة سليمة في لبنان. جمالياً، يستوفي الفيلم كلّ شروط الفيلم الوثائقي الابداعي الذي يولد من العلاقة الحميمية بين المصوِّر والمصوَّر. ثمة دفء وحنان يغرقان عيني المتلقي في الدموع. مشاهدة هنرييت تتيح أيضاً بعض لحظات بهجة وضحك، وكذلك جولة على الذاكرة الجمعية التي يعاد احياؤها على لسان ستّ لم يعد لها أي اهتمام بصورتها ولا يربطها بالعالم أي مصلحة أو علاقة اغراء. يقول زكّاك ان الفيلم الوثائقي هو بالنسة اليه عرفان للشخصيات التي أحبّها وعاش معها أو بينها. مسافته القريبة من الشخصية الأساسية، لم تكن دائماً لمصلحته، إذا انه بحسب اعترافه أمضى ثلاث سنوات ليتمكّن من إتمام الفيلم ويضع جانباً كلّ العاطفة التي تربطه بجدته. كانت المقابلات كلها جاهزة، إلا إنه لم يكن مستعداً عاطفياً لخوض تجربة المونتاج الذي تطلّب منه احياء الشخصية و"قتلها" مئة مرة، وهو إحساس قد يكون من الصعب تحمله.



 


"حيوانات ليلية" لتوم فورد (سينما العالم): لم أفهم ماذا يريد المصمم والمخرج الأميركي من هذا الفيلم (الثاني له). انه لجسم غريب يصعب وصفه، وهو مقتبس من رواية "توني وسوزان" لأوستن رايت. استناداً إلى العلاقة التي نشأت ذات زمن بين ادوارد وسوزان (آيمي آدامز وجاك غيلنهل)، لكنهما انفصلا بسبب الضغوط والفوارق الإجتماعية، ينسج فورد عملاً هجيناً قريب من السلسلة "باء". هناك ثلاثة أفلام في "حيوانات ليلية": فيلم الحاضر نكتشف عبره واقع سوزان ومحيطها ومعرضها الذي يفتتح به المَشاهد، وكلّ ما يتشكل منه تفاصيلها الاجتماعية؛ وفيلم الماضي زمن لقائها بإدوارد واصرار أمها على التخلي عنه؛ وأخيراً، ثمة فيلم منفصل عنهما تماماً لجهة الحوادث، يتجلّى في الترجمة البصرية للرواية التي بين يديسوزان، تفتحها بغرض التيه بين سطورها، فنرى ما تقرأه، وعندما تغلق الكتاب مستهجنة مصدومة، نعود معها إلى عالمها. هذا الأسلوب في تداخل ثلاثة أفلام يُضعضع الفيلم كثيراً، والقفزات بين هنا وهناك تستهتر بأهمية استمرار الانفعال والإمساك به زمنياً. نصّ فورد متقطع جداً، بالإضافة إلى جماليته المفتعلة، فكلّ شيء مطروح بعناية مشهدية متقنة، أحياناً يأتي مقبولاً وأحياناً مصطنعاً. المشكلة الأخرى هي أنّ فيلم - الرواية الذي يصوّر اعتداء تتعرض له عائلة، فيقرّر الزوج (رجل من تكساس) الانتقام لزوجته وابنته، بعد فشل الشرطة في الزجّ بالمجرمين في السجن، ينتمي إلى نوع أفلام الدرجة الثانية.



 


"رحلة الزمن" لترنس ماليك (سينما العالم): صحيح اننا شاهدنا هذا الفيلم للمرة الأولى في البندقية، إلا انه لم يُعرض بتقنية الـ"أيماكس" لعدم توافر شاشات تتيح ذلك في المهرجان الايطالي، خلافاً لدبي، حيث شاشة الـ"أيماكس" الموجودة في سينمات "فوكس" تقوم بالواجب. صاحب "شجرة الحياة" يرمي في وجهنا هنا طموحاته السينمائية التي تبدأ بالهوس الميتافيزيقي والفلسفة ولا تنتهي بمساءلة المجهول. فهو يعانق الكون ومخلوقاته ويحوّل الطبيعة الأمّ قصيدة بصرية. سيرة الإنسانية التي لاحقها منذ الانفجار العظيم إلى زمننا الحديث، مبهمة يغيب فيها أي شرح أو محاولة فهم. سيلٌ من الصور المدهشة يتدفّق أمامنا، بعضها التُقط حقيقةً وبعضها الآخر مشغولٌ افتراضياً. إلا أنّ التداخل بينهما يُحدث شرارة نادرة. أين تنتهي الحقيقة وأين يبدأ الواقع الافتراضي، لا يهم! المهم أنّ ماليك يأخدنا إلى رحلة للتأكيد على شكوكه وإيمانه المغاير ولحظات هروبه إلى السماء والأسئلة التي لا يملك لها أجوبة. "مَن أنتِ، مانحة الحياة؟"، تسأل كايت بلانشيت في أحد المَشاهد، محولةً رحلتنا إلى صلاة صامتة. نشأة الكون عند ماليك إبداع وفنّ قبل أن تكون علماً. تبقى اللقطات الدخيلة لناس من أنحاء مختلفة من العالم صوّرتهم كاميرا ذات نوعية رديئة. مَشاهد من فلسطين ومصر والهند. لا يعطينا الفيلم أيّ معلومات عنها: متشرّد في الغرب، احتفال ديني في الهند، معتصمون في ميدان التحرير... ما الرابط بين هذا كله؟ فقط ماليك ومونتيره يعلمان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم