الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لا يزال ترامب بعد الفوز سياسياً سطحياً وفاشيّاً

أديب فايز فرحة
لا يزال ترامب بعد الفوز سياسياً سطحياً وفاشيّاً
لا يزال ترامب بعد الفوز سياسياً سطحياً وفاشيّاً
A+ A-


هذا المقال هو للمحلل السياسي من أصل لبناني أديب فايز فرحة والناشط البارز في اللوبي الأميركي - اللبناني في الولايات المتحدة، كتبه بطلب من "قضايا النهار".


رغبتي الجامحة في التركيز على الجزء المليء من الكأس في تقويم ما ظهر حتى الآن من عهد الرئيس الأميركي العتيد دونالد ترامب لا يضاهيها إلا رغبتي في تبصر الإيجابيات في عهد الرئيس اللبناني ميشال عون، ولكن رياح توجهات ترامب لا تجري حسبما تقتضي سفن المصلحة القومية الأميركية.
وكنت قد أنهيت مقالاً لي في هذه الصفحة عقب فوز ترامب (11/11/2016) بعبارة "آملا ألا تشكل مواقف ترامب المرشح نموذجاً لما سيكون عليه ترامب الرئيس". ولكن ما ظهر حتى الآن يشير إلى العكس تماماً، ذلك أن ترامب الرئيس المنتخب إنما يزداد تطرفاً على الأصعدة كافة التي كانت موضع الحذر من رئاسته، على الرغم من أن احد العاملين في حملته الانتخابية كان قد "طمأننا" أن "ما يقال في الحملات يختلف عندما يصبح الشخص رئيساً". ولعل في ما أُعلن من تعيينات مهمة خير دليل على تشبث ترامب بتطرفه وفي مقاربته للأمور، أسوق بعضها في ما يلي على سبيل المثال لا الحصر.
أولاً: في انتقائه لأعضاء حلقته الضيقة: شكل تعيين رئيس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري رايس بريبوس في منصب رئيس الموظفين في البيت الأبيض، والذي يكاد يوازي رئاسة الحكومة في الدول التي تعتمد النظام البرلماني، طمأنة لجمهوريي "الاستابلشمنت" وحتى لبعض الديموقراطيين. ولكن تعيين ستيف بانون، ناشر إصدار طالما روج لمؤامرات مزعومة وللعنصرية الشرسة والعداء للمسلمين وذوي الأصول اللاتينية ومروحة واسعة من فئات المجتمع الأميركي، في وظيفة كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض، شكّل دهشة واستهجاناً في أوساط الأغلب الأعم من الجمهوريين، ومن الديموقراطيين والمستقلين على حد سواء. والغريب في تعيين بانون في منصب لا يحتاج إلى موافقة الكونغرس هو إعلانٌ من فريق عمل ترامب أنه سيكون مساوياً في الرتبة وفي الحظوة لدى ترامب مع بريبوس والذي يستوجب تثبيته في منصبه تأييد الكونغرس، مما يعكس رفعة منصبه. كما أن المخيف في تعيين بانون هو أنه يمثل الوجه الأكثر قبحا في شخصية ترامب والمولع بنظريات المؤامرة والذي يبني مواقفه في أمور عدة على خلفية ما يزوده به بانون في اصدارته الصفراء.
ثانياً: إذا كان بانون هو الكحل، فإن مستشار الأمن القومي المسمى، الجنرال المتقاعد مايكل فلن، هو العمى. فلن ليس معادياً للمسلمين فحسب، بل للدين الإسلامي ذاته، إذ يرى فيه "سرطاناً" يهدد البشرية. كما أن فلن، مثل بانون، مدمن على النظريات المؤامراتية.
ثالثاً: أما مرشح ترامب لتولي وزارة الخارجية ريكس تيلرسن، الرئيس التنفيذي لشركة "أكسن موبيل" العملاقة، فهو حمال أوجه. فمن جهة هو رجل أعمال ناجح تسنى له، بحكم ضخامة المشاريع النفطية التي كان يفاوض للحصول عليها لصالح شركته، الاحتكاك برؤساء دول أجنبية عديدة منهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي يعتز بصداقته ويفاخر بها. والمفارقة في هذا السياق أن تعيين صديق بوتين تم فى الأسبوع ذاته الذي جرى فيه توجيه تهمة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لروسيا بالتجسس على البريد الإلكتروني لقيادة الحزب الديموقراطي إبان الحملة الانتخابية لمساعدة ترامب في الفوز على منافسته. ومن المفارقات اللامتناهية في تعيينات ترامب هو أن الرئيس السابق لشركة "أكسن موبيل"، أقله من باب الحرص على مصلحة شركته في الحصول على عقود نفطية من إيران، لم يكن معادياً للاتفاق النووي مع طهران، على العكس من ترامب ومن فلن. بل أنه، من جهة أخرى، وقبل تلك المعاهدة، كان معارضاً للعقوبات الغربية على إيران. طبعا قد تتغير مواقفه من ايران عندما يصبح وزيراً للخارجية، ولكن المعروف عن مواقفه قليل، وقليل جداً، فيما عدا معارضته للعقوبات الأوروبية على روسيا على أثر تدخلها في أوكرانيا وضمها شبه جزيرة القرم.
أما ديفيد فريدمان، المرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة الأميركية في إسرائيل، فهو يؤمن أن الحل المرتكز على إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية سيكون "سلاماً انتحارياً" بالنسبة إلى اسرائيل، وأن اليهودَ اليساريين الذين يؤيدون ذلك الحل هم "أسوأ من الكابوس"، وهو تعبير يشير إلى اليهود الذين ساعدوا النازيين في إدارة المحارق اليهودية في مقابل امتيازات خاصة منحها إياها النازيون، كما يؤيد بناء مستعمرات يهودية في قطاع غزة. وقد غرَّد أنه يتطلع لتمثيل بلاده سفيراً لها "في القدس، العاصمة الأبدية لإسرائيل". على هذه الخلفية، يكون تعيينه مؤشراً سيئاً عن السياسة الأميركية المرتقبة على هذا المحور، كما يهدد بزيادة العداء لأميركا لدى العرب والمسلمين بإزالة آخر قناع عن وجه الولايات المتحدة الأميركية تدعي به الأهلية لأن تكون "مفاوضاً شريفاً" في المفاوضات العربية - الإسرائيلية، واختياره يضر بعلاقات ومصالح أميركا في المنطقة.
رابعاً: أما تعيين ديفيد منوشن، أحد كبار موظفي مؤسسة "غولدمان ساكس" المالية، كوزير للخزانة فهو تأكيد على مواقف ترامب بالنسبة إلى التخفيف الجذري للقيود على العمليات المالية وعلى جنوح المؤسسات المالية إلى مخاطرات، تلك القيود التي أقرّت بعد نكسة عام 2008 بهدف الحد من انفلاش المؤسسات المالية بعيداً من القيود والضوابط الضرورية، الأمر الذي كاد أن يؤدي الى انهيار المنظومتين الماليتين الأميركية والعالمية في ذلك العام. كما أن تعيين صديق ترامب الحميم، الملياردير ولبر روس وزيراً للتجارة، وهو المكمل لتوجه ترامب لتحرير الاقتصاد، ولد "نقزة" من إمكانية دفع السياسة المالية نحو الرأسمالية المتوحشة والانسحاب من المعاهدات التجارية التي طالما دعا ترامب إلى الغائها.
خامساً: في البيئة والطاقة عين ترامب لرئاسة وكالة حماية البيئة سكوت برويت، المدعي العام السابق في ولاية أوكلاهوما المصدرة للنفط. برويت هذا لا يؤمن بما يقوله العلماء عن التغيير المناخي وضرورة الحد منه. ولأن من شأن تطبيق قوانين الوكالة إلحاق الضرر بشركات النفط، أقام برويت اثنتي عشرة دعوى قضائية ضد الوكالة التي سيتولى رئاستها. وبموازاة تعيين برويت لقيادة وكالة هو ضد وجودها أصلاً، عين المستر ترامب حاكم ولاية تكساس السابق ريك بيري وزيراً للطاقة، و قد كان إلغاء وزارة الطاقة عن بكرة أبيها أحد البنود الأساسية لبيري في حملته الانتخابية عندما كان مرشحاً رئاسياً في عام 2011. وقد علق أحد المراقبين الظرفاء على التعيينات في البيئة والطاقة انه "وكأن أحداً كلف الذئب بحماية الغنم".
سادساً: ما ينطبق على برويت و بيري ينسحب على ترشيح المليارديرة بتسي دي فوس لتولي وزارة التربية اذ أنها لا ترى ثمة مبرر لوجود تلك الوزارة، كما تؤمن بوجوب استبدال المدارس الرسمية بإعطاء الأهل كوبونات تتيح لهم استعمالها لدفع أقساط أولادهم في مدارس خاصة.
سابعاً: عين ترامب المرشح السابق للرئاسة جراح الأعصاب بن كارسن لوزارة الإسكان، مع أن الأخير كان قد صرح عندما تم التداول فى اسمه لتولي حقيبة الصحة بأنه غير مؤهل لها بسبب عدم خبرته في الإدارة. ويعجب المراقبون كيف يقبل تولي وزارة الإسكان إذا لم يجد لديه القدرة على تولي وزارة الصحة وهو "طبيب جراح". عش رجباً ترَ عجباً!
ثامناً: في المقابل ثمة تعيينات لقيت أصداءَ إيجابية مثل تعيين الجنرال المتقاعد جيمس ماتس لوزارة الدفاع. ماتس، المعروف بلقب "الكلب المجنون" نظرا إلى شراسته في الميدان، هو موضع ثقة واحترام قياديين في الحزبين، ولكن ترشيحه قد يصطدم بقانون يمنع كبار الضباط من تولي مناصب حكومية قبل مرور سبع سنوات على إحالتهم إلى التقاعد بينما لم يمضِ على تقاعده إلا ثلاث، ولكن المرجح أن يمنحه الكونغرس استثناء من ذلك القانون على طريقته " لمرة واحدة وأخيرة" التي عرفناها في لبنان عند ترئيس بشار الأسد لإميل لحود.
كما أن تعيين عضو مجلس النواب عن ولاية كنساس، حيث أقيم، والعضو في لجنة الاستخبارات فيه الصديق مايك بومبيو لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) قوبل بارتياح عام لما يتمتع به من سجل ساطع بدءاً من تخرجه من كلية وست بوينت الحربية الأول في دورته مروراً بنيله شهادة الدكتوراه في الحقوق ومن ثم خدمته في قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز". ويعلق الكثيرون الأمل على بومبيو لاستعادة ثقة ترامب في تقارير الـ"سي آي أي" والتي يسخر منها ترامب ويزدريها لدرجة أنه نادراً ما يطلع على الإحاطة اليومية التي تحضرها الوكالة للرئيس وذلك، على قوله، لأنه "ذكي جداً"، فلا يحتاج إلى الاطلاع على تقارير وكالة أخطأت في ادعاء امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل فأخذت البلاد الى المستنقع العراقي". وفي هذه المسألة يستحق ترامب أن تُرفَع له القبعات.
هذا في التعيينات.
أما في تحليل التوجهات العامة الأبعد من التعيينات بعينها، فإن قمة جبل الجليد تشي بأن ترامب سيكون أكثر تطرفاً، وأكثر عدوانية لأوروبا (اللهم في ما عدا روسيا)، وأكثر عدوانية للمسلمين، وأكثر تأييداً "غير مشروط"، على حد قوله، لإسرائيل، وأكثر صبيانية في مواقفه المرتجلة أحياناً والمتسرعة أحياناً أخرى في مسائل هي في صميم الأمن القومي مثل العلاقات مع الصين والتزامات أميركا الدفاعية في أوروبا وفي جنوب شرق آسيا على سبيل المثال. وفيما يلي ملخص لما ظهر حتى الآن عن الرئيس العتيد.
أولاً: شغف بأصحاب الملايين والمليارات والجنرالات.
ثانياً: نية واضحة لتقليص دور وزارات الطاقة والتربية والنفط كما وكالة حماية البيئة او إلغائها كلياً، وعلى مراحل.
ثالثاً: توجه نحو الانعزالية والانغلاق التجاري كما نحو إعادة النظر في العلاقات التجارية مع سائر دول العالم.
رابعاً: نظرة مسرفة في الود نحو الرئيس الروسي والتساهل معه في أمور كثيرة، أكثر ما يهمنا منها الموقف من بشار الأسد.
خامسا: نظرة مسرفة في العدائية نحو الصين والتي قد "ترد له الرجل" على تحرشه بها وعلى محاولة الضغط عليها من طريق وضع العراقيل الاقتصادية امام شركتي "أبل" و"بوينغ"، ومن طريق التوقف عن الاكتتاب في سندات الخزينة الأميركية والتي تغطي العجز المالي المتصاعد.
سادساً: تغليب المصالح التجارية على العلاقات الاستراتيجية وإمكان الانسحاب من معاهدة باريس للحد من التغييرات المناخية.
سابعاً: عدم التردد في التدخل في شؤون شركات خاصة كما قام مؤخراً عندما ضغط أو رشا شركة كارير للحؤول دون تسريحها لبضع مئات من عمالها في ولاية أوهايو كانت ستستعيض عنهم من طريق فتح مصنع في المكسيك توظف فيه عمالاً مكسيكيين. تدخل ترامب في هذه المسألة في عراضة إعلامية سخيفة أمر مستهجن وغير مسبوق يخشى البعض أن يكون مدخلاً الى اقتصاد زبائني ريعي.
ثامناً: نظرة ترامب، مؤلف كتاب "فن الصفقة" إلى الأمور كافة وكأنها صفقات تجارية، وينسحب ذلك على العلاقات الخارجية وعلى الشؤون الداخلية.
تاسعاً: محاربة السلطة الرابعة من خلال التهجم اليومي على وسائل الإعلام واتهامها بالفساد، بدءا من بذاءته مع مقدمة الأخبار ميغان كيلي (وقد ذكرتني شارعيته بالكف الذي سدده الرئيس الياس الهراوي للصحافي حسن صبرا على خلفية انتقاد صبرا لصاحب الفخامة). كما أن ترامب المدمن على التغريد مرات عدة في اليوم الواحد (أو في الليلة الواحدة) يحاول تهميش الإعلام من طريق التواصل المباشر مع نحو سبعة عشر مليون مواطن ومواطنة.
عاشراً: الاستخفاف بتضارب المصالح بين دوره كرئيس للبلاد ("بي الكل" باللبناني) وبين ملكيته لإمبراطورية عقارية وتجارية عملاقة وعالمية. وقد جرت العادة بأن يقوم الرئيس المنتخب قبل تنصيبه بوضع ممتلكاته وإدارة اعماله في صندوق ائتمان مقفل يولي عليه أشخاصاً ويُمنعُ عليه التواصل معهم طوال عهده، وذلك لتفادي تأثير مصالحه الخاصة على مواقفه كرئيس للبلاد. ويتلطى ترامب للتهرب من ذلك خلف حجم أعماله واستحالة توكيل من يديرها، ولكنه يقول إنه لن يتدخل بعد اليوم في إدارة اعماله وسيولي ذلك الى ابنيه. حجج لم تقنع الكثيرين إذ يخشى البعض مثلاً أن تؤثر ملكيته العقارية في تركيا على علاقاته بأردوغان او ان تؤثر مديونيته بواقع بضع مئات من ملايين الدولارات لصالح "دويتشه بنك" على قراراته إزاء ألمانيا، الخ.
حادي عشر: توجه انفعالي وانتقامي لمن يجرؤ على انتقاده كما حصل عندما وجه رئيس شركة "بوينغ" ملاحظات في السياسة التجارية فقابله ترامب بتغريدة ادعى فيها بأن هناك عقداً مع "بوينغ" لتصنيع طائرة رئاسية بمبلغ أربعة مليارات دولار، وأن المبلغ مرتفع، وتاليا يجب إلغاء العقد. فكانت نتيجة مزاعم ترامب خسارة شركة "بوينغ" لما فاق المليار دولار من قيمتها الدفترية خلال دقائق قبل أن يتضح أن العقد المزعوم غير موجود. وتحضرني في هذا المجال انتقامية إميل لحود من شركة "سوليدير"، لا لشيء إلا لأن اسمها مرتبط بالشهيد رفيق الحريري، فأطلق وزير ماليته جورج قرم إسهالاً كلامياً ضد الشركة وأمر بإلغاء عقود حكومية معها، مما تسبب ذلك كله بخسائر هائلة لأصحاب الحقوق لم تعوض حتى يومنا هذا. فهل يلبنن ترامب أميركا؟
في المحصلة، ما نعرفه عن تراب الرئيس العتيد لا يختلف عما عرفناه عليه عندما كان بعد مرشحاً. تفكير مسطح وشعبوية فاشية وانفعالية لا تليق بزعيم أكبر دولة على البسيطة. والله اعلم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم