الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"وجوه في البال" لبشارة غانم البون

جوزف باسيل
A+ A-

أعادنا بشارة غانم البون الى أسماء طواها الزمن، استعادها من ذاكرة الثمانينيات والتسعينيات، وهي التي علقت في ذهنه، بل في أذهان كثيرين، لأنها ليست وليدة صحبة شخصية، وإن كان بعضها كذلك، بل وليدة لحظة تاريخية ألبستها لبوس القدرة أو الشهرة أو المجد.


جمع مقالات صحافية وتعليقات إذاعية بصفته كان مديراً لراديو "مونتي كارلو" ولمكتب جريدة "النهار" في باريس، ومستشاراً لرئيس اذاعة فرنسا الدولية، ومعلقاً في اذاعة البحر المتوسط الدولية، وكاتباً في مجلة "النهار العربي والدولي"، وجريدة "اللواء"، فنفض الغبار عن كتابات عبّر فيها عن إعجاب وتقدير لرجال ونساء، رؤساء وقادة وسياسيين وصحافيين وشعراء وأدباء وموسيقيين... طبعوا بصماتهم في محطات تاريخية مفصلية خلال النصف الثاني من القرن الماضي، على عتبة الألفية الثالثة. فإذا سمّينا من حيث بدأ بذكر البعض لا الكل، تمثلاً لا حصراً، نشير الى: حمادي الصيد التونسي اللامع في فرنسا، وأميل حبيبي ومحمود درويش وسليم الزريعي أقدم معتقل، من فلسطين، وميشال ابو جودة وأمين معلوف وغسان سلامة ومارسيل خليفة بتراثه الموسيقي، من لبنان، ثم رؤساء وقادة أثروا بلادهم في الفكر والسياسة، وأثّروا في الساحة العالمية: شارل ديغول، هلموت كول، فرنسوا ميتران، فيلي برانت، ريتشارد نيكسون، نلسون مانديلا، جمال عبد الناصر، اندرياس بابندريو وغيرهم.
وهناك من أشرق نور القداسة عليه كيوسف مخلوف "شربل"، ومن تحمل آلام شعبه كنصرالله بطرس صفير، ومن عانى الأمرين: الاحتلال والمنفى، كضمير لبنان ريمون اده.
وكانت له وقفة معنوية مع شخصية أزلية هي لبنان الوطن، و"المثقف المجهول" الذي يرمى بالرصاص في بلادنا، وروسيا "الدب العائد" والجرّاح المزاجي الاميركي، وتحية الى لغة الضاد، والى مجلة "الناقد".
يعتمد البون أسلوب الجمل القصيرة، خصوصاً مطلع كل مقالة، والتي تفيد معنى محصوراً ومحدداً وواضحاً لا يحتمل التأويل، وإن كان المقال بمجمله يحتمل التساؤل، قبل أن يختمه بتسمية تحدّد شخصية المقصود بعدما أغنى صفاته وألقى عليه أوصافاً من انطباعاته. وغالباً ما يسمّي في آخر النص وأنت تحزر الشخصية من خلال القراءة، إنها أحجية لطيفة تستبطن أسلوباً مغايراً.
تتبلور أفكار البون بكلمات كلمى أحياناً موجوعة، فرحة وجذلة، أحياناً، لكنها تستبطن عمقاً نابعاً من صدر ملهوف وفكر نيّر. يدخل بمقاطع يؤدي فيها المجهول الى معلوم، تنثني على لغة فصيحة معبّرة.
تحت عنوان "مقاوم على طريقته" (المثقف المجهول) كتب: "حياته لم تكن كلها نعيماً، ففي الوطن عرف عذابات الكبت والقمع، وزار أكثر من مرة أقبية السجون، وفي المنفى لم تكن الهجرة والغربة أفضل حالاً. فقد دفع هذا الجندي المجهول ضريبة غالية ثمن معارضته الترغيب ومقاومته الترهيب... في الزمن الرديء موقعه وحده لم يسقط، منارته وحدها بقيت مضاءة، رايته الوحيدة استمرت مرفوعة خفّاقة. فقد ناضل ليكون صوت الذين لا صوت لهم، وقلم الذين ليس لديهم قلم، لذلك التصق بمجتمعه ليكون لسان حاله ومحرّك نهضته".
إنها رحلة سنوات طويلة ما زالت في بداياتها، رحلة كل صحافي، مثله، في معترك المتاعب، وهي الصفة الأقل كلفة أمام ما يتعرض له الصحافيون هذه الأيام وكثيراً ما تنتهي بالاستشهاد. إنّ ما رغب فيه البون هو إضفاء لمسة انسانية على ما كتبه ومن كتب عنهم.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم