السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"البوصلة الأخلاقية" في حلب

علي بردى
A+ A-

يشبّه الديبلوماسيون الغربيون ما يحصل في حلب اليوم ببعض أسوأ الفصول من أسوأ الحروب التي عاناها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. أقربها الى الذاكرة المعاصرة تلك الأيام السود من عام ١٩٩٥ حين نفذت مذابح سريبرينيتسا في البوسنة والهرسك. دخلت سوريا لوقت طويل في نفق مظلم.


لا تقتصر هذه القراءة القاتمة على الديبلوماسيين الغربيين. يتداور المسؤولون في الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية على التعبير عن الوضع المخيف. يشيرون الى أرقام القتلى والجرحى واللاجئين والنازحين والمحاصرين والمشردين والجائعين والمحتاجين. غير أن اليأس من قدرة المجتمع الدولي على القيام بعمل ما لوقف مأساة السوريين بلغ قعراً أعمق في مدينة حلب. كشف افتقار نظام الرئيس بشار الأسد وحلفائه الى أي "بوصلة أخلاقية" يمكن أن ترشدهم الى واجبات التزام القانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان. حتى الحرب لها قوانينها. داست العصبيات الطائفية والمذاهب العقائدية والمصالح الإستراتيجية "البوصلة الأخلاقية".
يواجه بعض الديبلوماسيون هذه اللحظات الحاسمة ببعض الصراحة. ما يحصل في حلب ليس "تحريراً" من الجماعات الإرهابية. لا وجود معروفاً فيها لـ"الدولة الإسلامية - داعش"، بل بضع مئات من إرهابيي "فتح الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) بين آلاف المقاتلين الآخرين وعشرات الآلاف من المدنيين. باشر "شيعة ايران" احتفالات مخجلة بـ"انتصارهم" في حلب، المدينة العريقة بتعددها وسط الغالبية السنّية. لا شيء يعبر عن مأسوية الفصل الأخير من الخروج الكبير للمدنيين والمسلحين السنّة من أحياء حلب الشرقية المحاصرة سوى المساومات على خروج محاصرين آخرين من الشيعة في بلدتي الفوعة وكفريا في ريف أدلب. لا مكان لـ"بوصلة أخلاقية" في هذه المعادلة السنيّة - الشيعية المقيتة.لن تكون هذه العملية جزءاً من "السجل المشرق" للحرب على الجماعات التي تعتنق مذهب "القاعدة" في الإرهاب. ما يجري حالياً ذروة في دوامة الجنون الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات. غير أن الديبلوماسية الدولية تتسابق مع الزمن من أجل تصويب الأمور نحو اتجاه أكثر عقلانية حتى بعدما صارت "حلب الآن مرادفة للجحيم"، على حد وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون.
أدت الحرب السورية - ضمن أمور أخرى عديدة - الى جعل مصير الأسد مجرد تفصيل. لم يخلص أحد الى هذه النتيجة إلا بعدما خيبت روسيا خصوصاً، وبطبيعة الحال ايران والميليشيات المؤيدة لها، الآمال - الأوهام في امكان اطاحة الأسد بالإنتفاضة السلمية التي بدأت عام ٢٠١١، ثم بعدما صارت سريعاً ثورة مسلحة، وبعدما انتهت حرباً أهلية طاحنة وحرباً بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية. أراد الأسد وحلفاؤه منذ البداية أن يصوروا ويسوقوا أن القوات النظامية السورية هي رأس الحربة في المعركة الحتمية ضد الجماعات الإرهابية. باقياً ما بقي الدعم له من روسيا وايران، فإن كل الإعتبارات السالفة وسواها لن تعيد إليه المشروعية الدولية في حكم سوريا، حتى لو تحوّلت حلب سوريا سريبرينيتسا البوسنة والهرسك.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم