الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

التحركات الاستثمارية الوقائية والناجحة لقطر

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

استشعرت القيادة الجديدة في قطر مخاطر انخفاض اسعار النفط والغاز وتعاظم المنافسة في أسواق الغاز الرئيسية في جنوب شرق آسيا. وبما ان القيادة السابقة كانت قد التزمت نفقات باهظة للإعداد لبطولة العالم لكرة القدم سنة 2022، كما ان أعداد الاجانب في قطر تقرب من المليوني مقيم وتفرض زيادات ملحوظة على طاقة انتاج الكهرباء وتكرير المياه، توجهت القيادة الجديدة نحو تبني رؤية تخفض الاعتماد على عائدات النفط والغاز وتشجع على تطوير الخدمات المالية والسياحية والتعليمية والاستثمارية. وجدير بالذكر ان هذا التوجه يفرض زيادة أسعار الكهرباء، والمياه، والاتصالات، وقد يستلزم فرض ضريبة دخل على المعاشات وربما ادخال نظام الضريبة على القيمة المضافة.
تبنت القيادة الجديدة في قطر التوجهات المشار اليها قبل السعودية، والملاحظ ان أمير قطر الشاب له من العمر ما يقارب عمر ولي ولي العهد السعودي، وقد اختار التقرب من السعودية بدل التعامل معها من بعد ودونما رؤية.
بعد كل هذا نشهد توجهات استثمارية طويلة المدى لقطر عبر هيئة الاستثمار القطرية تعزّز وضعها في أسواق الطاقة كما في الاسواق المالية، وشهد الاسبوع المنصرم تحقيق استثمارين في مجال الطاقة وتملك اسهم المصارف، يمكن اعتبارهما من الاستثمارات المهمة والمعبرة عن توجه قطر الى تعزيز دورها الدولي والعربي.
تمثل الاستثمار الاول في تملك هيئة الاستثمار القطرية مع شركة Glencore السويسرية نسبة 19.5 في المئة من اسهم شركة Rosneft أي كبرى الشركات النفطية في روسيا والتي تنتج وتسوق يوميًا ما يعادل 5,5 ملايين برميل من النفط. وبلغت قيمة هذه التملك 11 مليار دولار توافر أكثرها من هيئة الاستثمار القطرية التي تملك أصلاً غالبية اسهم الشركة السويسرية المختصة بتسويق المعادن، كالذهب والبلاتين التكاليف والنفط، وكانت قد واجهت خسائر كبيرة العام المنصرم، لكن ادارتها اختصرت التكاليف وتمكنت من تخصيص مليار دولار من نتائج اعمال هذه السنة لتوزيعه على المساهمين.
تشير التوقعات الى ان الشركة السويسرية ستسوق 220 الف برميل يوميًا من نفط الشركة الروسية وتالياً ستحقق ربحاً من هذا النشاط يوازي 80 مليون دولار سنويًا وقد يزيد اذا استمر ارتفاع أسعار النفط. وهذا الربح يزيد على نتائج الشركة التي اصبحت جيدة بعد خسارات سابقة.
الاستثمار في شركة Rosneft فاجأ السلطات المالية العالمية نظراً الى المقاطعة التي فرضت على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، وقيمة هذا الاستثمار تخفض عجز الموازنة الروسية بنسبة 20 في المئة وفي الوقت ذاته يسهم تحسن أسعار النفط في خفض عجز الموازنة بنسبة أكبر الامر الذي يعزز موقع الرئيس بوتين. ويذكر ان غالبية أسهم شركة Rosneft تملكها الدولة الروسية وهي الشركة الحائزة حقوق التنقيب عن النفط والغاز في جزء مهم من المياه الاقليمية السورية، وقد وقعت اتفاقاتها في هذا الشأن قبيل عيد الميلاد عام 2015، ولهذه الشركة أفضلية في تولي مسؤوليات التنقيب في مناطق قد يطرحها الحكم السوري لمناقصات في وقت قريب.
واهتمام قطر بالمشاركة في شركة نفط روسية له ما يبرره. فروسيا هي ثاني أكبر بلد منتج للغاز في العالم وقطر تحتل المركز الثالث حتى تاريخه، وقد تعاون البلدان على انجاز اتفاق تتم بموجبه تسليمات من قطر لحساب الروس في أسواق قريبة من قطر، والامر ذاته يقوم به الروس لحساب قطر في أوروبا.
لقد بات معلوماً انه كان لقطر دور أساسي في تقريب وجهات النظر بين روسيا والسعودية في اجتماعات عقدت في قطر للتمهيد لقرارات خفض انتاج دول "أوبيك" لتعزيز الاسعار، ومصلحة قطر مع روسيا تعززت من منظار المنافسة المنتظرة من انتاج الغاز من قسم حقل الشمال الذي هو ضمن المياه التابعة لايران وقد تعاقدت شركة النفط الفرنسية كما ذكرنا الاسبوع المنصرم على التعجيل في تطوير واستثمار ثروة الغاز الكامنة في هذا الحقل المتكامل مع حقل الشمال المستقل منذ سنوات من قبل قطر. وقد يكون الاثر التنافسي محدوداً في السنوات الاولى للانتاج لان حاجات ايران لتغذية انتاج الكهرباء والانتاج الصناعي من الغاز كبيرة.
القطريون لهم استثمارات نفطية مع شركة صينية لها حقول في مياه خليج المكسيك وفي كندا كما لها استثمارات مع شركة النفط الماليزية، وهذا التنوع يسهم في تمكين قطر من مواجهة التنافس المنتظر من صادرات أوستراليا والولايات المتحدة من الغاز المسيل الى أسواق جنوب شرق آسيا بدءًا من سنة 2018.
على صعيد الاستثمار في قطاع المصارف، قررت هيئة الاستثمار القطرية بالتعاون مع رئيس مجلس ادارة البنك العربي المهندس صبيح المصري وصندوق الضمان الاردني تملك نسبة 4 أو 5 في المئة من أسهم البنك العربي. وصبيح المصري كان تعاقد على شراء حصص السيدة نازك الحريري والرئيس سعد الحريري في البنك العربي. ومعلوم ان تملك حصص آل الحريري كان على مستوى 1,1 مليار دولار. والبنك العربي يحقق ارباحًا جيدة وخصوصاً بعد تجاوزه مرحلة فرض العقوبات الاميركية التي احتاج الى تمويل 750 مليون دولار استطاع تأمينها من ارباح ثلاث سنوات مع ترصد مبالغ ملحوظة عززت رأس مال البنك العربي وقدراته. ومشاركة هيئة الاستثمار القطرية وصندوق الضمان الاجتماعي الاردني في تملك 50 في المئة من اسهم عائلة الحريري التي تعاقد على شرائها رئيس المصرف تعزز طاقات البنك العربي مستقبلاً.
لقد حققت قطر في الاستثمارين نجاحًا ملحوظًا معنويًا وماديًا، وبنك قطر الوطني أصبح أكبر بنك في العالم العربي وتقرب أصوله من 200 مليار دولار ويعتبر حاليًا اكبر بنك عربي، وخطوات قطر الجديدة تعبر عن سياسة مختلفة عن النهج الذي كان سائداً في الماضي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم