الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

كاسترو ألطف الرجال أو هكذا يقول ماركيز

المصدر: "النهار"
رلى راشد
كاسترو ألطف الرجال أو هكذا يقول ماركيز
كاسترو ألطف الرجال أو هكذا يقول ماركيز
A+ A-

حين غاب الصوت الذي مثّل كبَر أميركا اللاتينية وبؤسها في آن، غابرييل غارثيا ماركيز، لم يَبُح الرئيس الكوبي فيديل كاسترو بالكثير في خصوصه علناً، فضّل، على ما يبدو، وعلى الإسهاب اللفظي والسخاء البلاغي الإكتفاء ببعض الكلمات دوّنها على شريط إكليل عزاء بعث به إلى جنازة الكاتب الكولومبي وحيث نقرأ "إلى صديقي المُحبّب". لا شكّ في أن ماركيز اضطلع بدور الصديق القريب وكان الطرف الثاني في صلة ساهم في نفخ حياة فيها أيضا، ذلك انها امتدّت نحو أربعة عقود واتسمَت بكثير من الجلادة والكثير الكثير من علامات الإستفهام أيضاً.
في كتابيهما "فيديل وغابو" (في إحالة إلى فيديل كاسترو وغابرييل غارثيا ماركيز) الصادر قبل أعوام عدة وتحديداً في 2009، حقق أنخيل إستيبان وستيفاني بانيتشللي باتاييا في الصداقة الوثيقة بين كاتب عُدّ الأكثر تمثيلاً للآداب بالقشتالية وبعدذاك لآداب العالم إلى حدّ بعيد، وبين قائد ثوري ورئيس شبه أبدّي لبلاد دُعيت كوبا أحاطتها المياه من كل صوب ومنعَت عنها غزوة خليج الخنازير وسواها، خلال تاريخ غير مستقرّ.
وإذا كان غارثيا ماركيز قارب الإهتمام المُشترك بالآداب كأساس لتلك الصداقة الذائعة الصيت، فإن ستيفاني بانيتشللي باتاييا الأستاذة المحاضرة في دراسات أميركا اللاتينية في "جامعة أستون" في بريطانيا تشير إلى أن الصلة إنطلقت في مرحلتها الأولى بدافع من المصلحة المشتركة. ذكرَت أن فكرة نيل الدعم من مثقّف حظي باحترام عالميّ من مستوى ماركيز أغبطَت كاسترو بينما لبّى قربُ الكولومبي من كاسترو، توقه المنوط بالسلطة والذي استحوذ عليه دوما - في التخييل كما في المعيش. قرب لم يورّطه، ويا المفارقة، على نحو مباشر، ذلك انه وفّر على ماركيز الحاجة لكي يصير أحد وجوه هذه السلطة، فاكتفى بأن يظلّ في تخومها فحسب.
يُنظر إلى الودّ الشخصي بين الرجلين كصنف من الأسرار المتداولة التي انشغل بها كثيرون ممن رأوا في "الحِلف المقدس" بين الكلمة والسلطة سلاحاً لا يقهر، هذا فيما تولّى كِتاب "فيديل وغابو" وصف هذه العلاقة بـ "الرابط الفاسد والمُضطرب". نجد في هذا النص غير الرؤوف في أحيان كثيرة، إستبقاء لكلام ماركيز في شأن فيديل وهو "ألطف الرجال" في عرفه، ناهيك بإشارة واضحة إلى ثقة الكولومبي بكاسترو إلى حدّ إيداعه جميع مخطوطاته قبل أن يبعث بها إلى ناشره لتصير العناوين المحورية في مكتبة آداب العالم.
ليس هذا التفصيل جديداً في سياق العلاقة بين الرجلين لكنه حظي في أعقاب وفاة كاسترو الأخيرة بحيز لافتٍ من الإهتمام الإعلامي، ليصير الخبر الطاغي في مسار علاقة الطرفين. إستفهمت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، على هذا النحو في أحد مقالاتها حول المسألة ستيفاني بانيتشللي باتاييا، حول هذا الجانب لتشير إلى ان التعديلات التي اقترحها كاسترو على غابو، لم تكن عقائديّة وحُصرت بالنوع الإملائي وارتبطت بتصويب بعض الوقائع أيضا. ومن الأمثلة على ذلك توجيه كاسترو ملاحظة لماركيز بعد قراءة قصّته "حكاية البحّار الغريق" حول خطأ تضمّنته وتَعلّقت بسُرعة القارب، أما المثال الثاني فتصحيح ما جاء في "حكاية موت معلن" حول مواصفات بندقية الصيد، ذلك أن الرصاصات لم تكن وفق كاسترو مناسبة للسلاح المستخدم.
في مقابلة مصوّرة أفاض ماركيز (وهو المقلّ في المقابلات) في وصف القارىء النهِم كاسترو الذي جهّز سيارته، على ما يروي، بمصباح ساعده نوره على المطالعة لاسيما خلال الرحلات الليليّة الطويلة. أضاف ان المُحترفين عجزوا أحياناً عن التنبّه إلى أخطاء تسلّلت إلى نصوصه في حين دلّه القارىء الصارم كاسترو عليها وعلى بعض التناقضات السرديّة كذلك.
ولأن المبالغة هي أولى درجات الإبتكار، كان غابو الصديق قادراً على الإفراط في خصوص الرفاق. في سيرته "عشتُ لأروي" أقرّ ماركيز بأنه عدّ في محيطه حفنة من الأصدقاء فحسب، ليردف ان هؤلاء القلّة كانوا رغم ذلك، ممتازين. لا شكّ في أن كاسترو كان أحدهم، وربما كان أولّهم أيضاً.



[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم