السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

سياسة المناكفات والنكايات تعرقل التأليف وتجعل قانون الستين أمراً واقعاً...

اميل خوري
A+ A-

لم يعد معقولاً ولا مقبولاً أن يأكل تأليف كل حكومة ثلث مدّة ولاية كل عهد، خصوصاً عندما يكون مطلوباً أن تتمثّل في الحكومة ليس كل المذاهب كما ينص الدستور بل كل القوى السياسية الأساسيّة وغير الأساسيّة في البلاد. فإذا كانت الأكثرية النيابية في الماضي هي التي تحكم فيكون منها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة والوزراء، ولم يعد من حقّها اليوم أن تحكم وحدها، ولا بد من مشاركة كل القوى السياسية فيها، موالية ومعارضة، لتكون حكومة وحدة وطنية وإنْ فاشلة وغير منتجة. فيجب مع تطبيق "الديموقراطية التوافقية" هذه الإسراع في إقرار مشروع قانون فصل النيابة عن الوزارة، والاتفاق ولو بالعُرف على أن تكون الحكومة التي تشرف على الانتخابات لا مرشّحين فيها. فكما أنه لا يجوز للنائب أن يكون وزيراً لكي يحاسَب ويساءَل، خصوصاً عندما تكون الحكومة وحدة وطنية، فلا يجوز أيضاً أن يكون الوزير مرشّحاً للانتخابات في حكومة تشرف عليها.


لقد بات على أقطاب السياسة في لبنان أن يختاروا بين اعتماد ديموقراطية الاكثرية كما في الماضي أو "الديموقراطية التوافقية" شرط أن يتمّ إقرار فصل النيابة عن الوزارة لكي يسهّل تأليف الحكومات ولا يظل تأليفها يجعل الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، وأن تتألّف الحكومات التي تشرف على الانتخابات من وزراء غير مرشّحين تأكيداً لحيادها وضماناً لحرية الانتخابات ونزاهتها، إذ لا يعقل أن يكون وزير مرشّحاً قد يستغل كل إمكانات وزارته لخدمة محازبيه وأنصاره، ولا يكون منافسه يمتلك شيئاً من ذلك فلا تعود الانتخابات عندئذ عادلة ومنصفة ومتكافئة.
في الماضي كانت القوى السياسية عند تأليف الحكومات تتفق مع الرئيس المكلف على الحقيبة التي تطالب بها، لكنها كانت تسمّي الوزير المناسب لها الى أي مذهب أو حزب انتمى كي تُسند الحقيبة إلى من هو في حجمها وليس بحسب حجم طائفته أو حزبه. فالطائفة الكبرى تطالب اليوم بحصة كبرى لها في الحكومة من دون أن تقدّم أحياناً ممثّلين لها ليسوا في حجم الحقيبة ووزنها كي يوضع الوزير المناسب في المكان المناسب. في الماضي كان تمثيل الطوائف يتم ليس بحجمها بل بحجم من يمثّلها، فتوالى على الوزارات المهمّة والتي تسمّى اليوم سياديّة وزراء من طوائف صغرى أمثال: شارل مالك وغسان تويني وفؤاد بطرس وألبر مخيبر وميشال المر وعصام فارس وهنري فرعون ويوسف سالم وجوزف سكاف ونصري المعلوف وفيليب تقلا وكمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان وبهيج تقي الدين وغيرهم، أي أن حجم الوزير الذي يمثّل الطائفة، كبيرة كانت أم صغيرة، هو الذي تسند إليه الوزارة المهمّة، وليس كما هي الحال اليوم إذ تعطى الحقائب المهمّة للطوائف الكبرى وإن كان من تسند إليهم دونها وزناً وقيمة، وتحرم الطوائف الصغرى منها وإن كان لديها شخصيات تليق بها ولها وزنها.
وما صار سائداً اليوم عند تشكيل الحكومات هي سياسة النكايات والمناكفات المتبادلة بين الأحزاب والكتل المرشّحة للمشاركة فيها، وليس سياسة البرامج ومن منها يقدّم مشروعاً أفضل من الآخر لهذه الحقيبة أو تلك. فسياسة النكايات هذه عطّلت الانتخابات الرئاسية مدة سنتين ونصف سنة، ولم ينتخب رئيس للجمهورية إلّا بعدما أوشك الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد على الانهيار، وكان ينبغي انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية وقبل أن يصل لبنان إلى ما وصل إليه. وهذه السياسة هي التي تسود تأليف الحكومة العتيدة وإلّا لكانت تألّفت في غضون أسبوع أو أسبوعين. ثم أي معنى لهذا التزاحم على الحقائب وعمر الحكومة لا يتجاوز الستة أشهر لو لم يكن في الأمر نيّات سيئة سواء حيال العهد وهو في بدايته، أو حيال الرئيس المكلّف، أو رغبة في جعل الوزارة في خدمة المصالح الانتخابية. والسياسة عينها تعتمد في وضع قانون جديد للانتخابات النيابية، إذ أن كل حزب وكل تكتل وكل تيار يريد أن يكون القانون على قياسه وأن يعرف حصّته من المقاعد النيابية التي سيفوز بها قبل الانتخابات، فينتهي الخلاف على القانون بوضع البلاد بين خيارين: إمّا إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين الساري المفعول حالياً، وإمّا الفراغ التشريعي...
لقد آن أوان التزام مجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية كما ينتخب رئيس المجلس، وتحديد مهلة لتأليف الحكومة، وأن يصبح قانون الانتخابات ثابتاً لا يتغيّر في كل انتخاب ليثير خلافاً حول قياس أي حزب يكون وأي سلطة، ويكون القانون الثابت الذي يتم الاتفاق عليه على قياس الوطن كي تقوم الجمهورية التي لها جمهورها الحقيقي والصادق لا الكاذب والمرائي.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم