الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

كاسترو الأمس وكوبا الغد

علي بردى
كاسترو الأمس وكوبا الغد
كاسترو الأمس وكوبا الغد
A+ A-

صنع فيديل كاسترو صورته وأسطورته. أبقى إرثاً لا يمّحي في القرن العشرين. ترك مع حفنة من الرفاق الآخرين سجلاً حافلاً بالنضالات في كوبا. كافح ضد الإمبرياليين عبر العالم. غير أنه مضى الى الرماد والتراب شاهداً على تغيير عميق قاده شقيقه ورفيقه ووريثه راوول كاسترو من أجل طي صفحة شعار الثورة"حتى النصر دائماً!" وفتح أبواب كوبا على مستقبل أكثر إشراقاً.


يوقد اسم فيديل كاسترو الحنين الى ماض مثير. تحوّل هذا الثائر الشيوعي رمزاً للقوة منذ دخوله المظفر الى هافانا مطلع عام ١٩٥٩، ليطيح نهائياً حكم الطاغية فولخنسيو باتيستا. بيد أن "الليدر ماكسيمو" - القائد الأعلى الذي حكم كوبا الى أن أعياه المرض - كان يتطلع الى أبعد من الدفاع عن خليج الخنازير ضد محاولات الغزو الأميركي. تمكن بسرعة من فتح ميادين معارك قريبة وبعيدة، من فنزويلا ونيكاراغوا في أميركا اللاتينية والجنوبية الى أريتريا وأنغولا في القرن الأفريقي ووسط أفريقيا. صار أيقونة لكثيرين حتى في العالم العربي. صورته ملء المكان والذاكرة بلحيته الكثة، بالبدلة الكاكي، بالقبعة أو من دونها، بالسيجار. السيجار الذي كان يعبّ وينفث منه البعض من غير أن يدرك أن بعض دخانه يموّل حروب الفقراء ضد الأغنياء، أو يكترث لذلك...
ظلّ "الكومندانتي" يحلم نصف قرن بجعل كوبا منارة للأمل في التغيير. أشرف بشخصه طويلاً على تحسين انتاج السكر ونوعية "التوباغو" وعلى تكثير الحليب من مزارع البقر. اعتنى خصوصاً بتوفير رعاية طبية لا تضاهى للكوبيين. غير أن الحصار الخانق والظالم الذي فرضته الولايات المتحدة طويلاً على الجزيرة الشيوعية لم يؤد إلا الى المساهمة في وقف عجلة التاريخ فيها. راكم الغبار على ما كانه هذا البلد الجميل في الخمسينات من القرن الماضي. فشل في تطويع كوبا أو في "كسر شوكة" كاسترو، الذي عاصر أحد عشر من الرؤساء الأميركيين. عندما أطلقت الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة نداء استغاثة عالمياً ضد فيروس "أيبولا" القاتل، أرسلت كوبا مئات الأطباء الى الدول المهددة بهذا الوباء في أفريقيا.
الذين يأخذون على فيديل كاسترو بطشه يُخْرِجونه من السياق الذي أتى فيه. كانت كوبا قبله مجرد محمية أميركية. صالة قمار وملهى وشاطىء بديع. نقلها الثوار بقيادته الى المعسكر الآخر. نقل الحرب الباردة الى الشطر الغربي من الكرة الأرضية. كاد يشعل حرباً نووية بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي.
لم ينكسر عناد فيديل حتى مع مرضه العضال. رعى انتقال السلطة الى راوول. شرع كاسترو الثاني في التغيير على عين كاسترو الأول. من يخلفهما حين يصيران جزءاً من تاريخ كوبا؟ يردد الكوبيون إسم دياز كانيل لمواصلة مسيرة الإنفتاح على مستقبل أكثر إشراقاً وعلى العالم حتى من باب "التطبيع" الصعب في العلاقة مع الجارة الكبيرة: الولايات المتحدة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم