الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هاجر التي ضُربتْ بسياط النظام والزوج... قصة "نجاة"

المصدر: "النهار"
ديانا سكيني
ديانا سكيني
هاجر التي ضُربتْ بسياط النظام والزوج... قصة "نجاة"
هاجر التي ضُربتْ بسياط النظام والزوج... قصة "نجاة"
A+ A-

لا يمكنك أن تربح دائماً. كلمات تبوح بها هاجر الشيخ وقد اغرورقت عيناها بالدموع. تحرصُ السيّدة السودانية والأم لفتاتين جميلتين على إظهار القوة أمام محدثيها. كيف لا وقد اتخذت من "رسالة القوة" هدفاً لعملها في المجتمع الأهلي في ولاية بينسلفيانيا الأميركية، لاسيّما في أوساط النساء المعنفّات.


في الواقع، قصة هاجر قصتان، وكذلك معاناتها معانتان.


جسدها الذي يقف بصلابة اليوم، أو هكذا تحرص على إظهاره على الأقل، تعرض للجلد مرتين، من دولتها، ومن زوجها.
التقيتُ هاجر في مؤتمر "حوار التنوع" في عمان، والذي نظمه برنامج الامم المتحدة الانمائي، وقد شاركتْ فيه الناشطة بمداخلة حول التمييز ضد النساء.
بالاستماع الى السيّدة السمراء التي تتمتع بقدرة على جذب المستمعين، قررتُ انه يجب الكتابة عنها لما في طاقتها من رسالة مشجعة لمن يتعرضون لاضطهاد سياسي او عائلي.


هاجر هي ابنة المعارض السوداني السيد أحمد الشيخ الذي لاحقه نظام عمر البشير بسبب مسؤولياته التنظيمية في الجبهة الديموقراطية (تنظيم شيوعي).
عرف الشيخ بدوره مع رفاق آخرين في محاولة انقاذ المعارضين الذين زجّ بهم في غرفة صغيرة من دون نوافذ وقد قضى أغلبهم اختناقاً في الحادثة الشهيرة بـ"عنبر جودة". لم يتمكن الشيخ ومن معه من فعل الكثير. ولاحقاً سيكون مصيره الاعتقال لفترة من الزمن. ومن اولاده التسعة، سيهاجر نجله الى لندن ويمارس نشاطاً سياسياً من هناك، فيما تلجأ ابنة الى اوغندا بسبب ملاحقتها لدورها في تصوير وتحميل الافلام التي تظهر ما يجري في السودان من خروقات لحقوق الانسان عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كان ذلك منذ عامين.


أما هاجر فبدأت معاناتها مع النظام المذكور، كما تروي، في المرحلة الثانوية، حين كانت تبلغ ١٦ عاماً.


لوحق الطلبة الذين يرفعون الصوت ويرفضون فرض الأسلمة التامة في المجتمع، "لم أكن أضع طرحة على رأسي وكنت ارتدي بنطالاً". عقاب المتمردين كان الضرب بالسياط والاعتقال التأديبي، واستمر الامر في الجامعة حين أخضعت هاجر للتأديب بسبب دعوتها ومشاركتها في تظاهرات، فتقول انه خلال فترة محددة تعيّن عليها ان تقصد مركز التأديب يومياً، وهناك كان يجري التناوب على ضربها بعد تعليقها من يديها، لساعات طويلة. وفي إحدى المرات، بلغ العنف ضرب رأسها بسيخ حديد، ولا تزال اثار الجرح بادية حتى اليوم في جبينها.


في العام ١٩٩٩، صدرت فتوى بهدر دمها ورفيق لها في الجامعة حين كانت مستمرة بنشاطها متحدثة باسم "الجبهة الديموقراطية"، كما تذكر. وتمكن شقيقها في لندن من تحريك الجمعيات التي تعنى بحقوق الانسان، حتى أسقطت الفتوى بضغط من النظام "الذي كان يخشى الدعاية الغربية المضادة".
وفي هذه المحطة، بدا ملّحاً الاقرار بأن استمرار خوض المعارك من الداخل غير ممكن. كان الرحيل خياراً متبقياً للحفاظ على الحياة.
سافرت هاجر بجواز سفر مزوّر الى القاهرة، ومن هناك نجحت باللجوء السياسي الى الولايات المتحدة حيث بدأت صفحة جديدة في حياتها. تابعت تعليمها وعملت ممرضة وتزوجت من رجل سوداني وأنجبت طفلتين، لتبدأ معارك جديدة.
سرعان ما بدأ الزوج يدمن على الكحول ويفرغ شحنات لاوعيه في زوجته فيضربها ضرباً مبرحاً. استمر الأمر لأشهر قبل ان تقرر اللجوء الى المحكمة فحصلت على الطلاق وحضانة الطفلتين.


بعدها تعيّنت عليها اعالة عائلتها واحاطة الفتاتين بالحنان والاهتمام اللازمين. في كل ذلك، كان يجب على هاجر ان تخرجَ خصالها القوية الى العلن وتخفي ضعفها ودموعها، الأمر الذي لم يكن ينجح دائماً.


لاحقاً، حوّلت تجربتها الى قصة تلهم النساء المعنفات وتعطيهن القوة اللازمة لمواجهة العنف الأسري. "أخبرهن انني سيّدة قوية وأجني المال وقد تعرضت للعنف، اذاً الأمر لا يتعلق بأن ضعفك سبب تعرضك للعنف، وانه لا بد من البوح وعدم الخوف من نشر تفاصيل القصص العائلية... لو كنتُ في السودان لاعتبرَ تعرضي للضرب من قبل زوجي أمراً عادياً ولكنتُ خسرتُ حضانة الطفلتين"، تقول هاجر معترفة انه "لا يمكنك ان تربح دائماً، الحياة قاسية، ظلمتُ من بلدي ومن زوجي السابق، وفي رحلة الظلم تلك لم أملك سوى الاستمرار ...حتى حين هربتُ من بلدي أردتُ أولاً ان ابقى امرأة تقف على قدميها وتواجه ما تتعرض له من تحديات قدر المستطاع".


أسست هاجر جمعية "بسمة بكرا" في بنسلفانيا وهي تدرّس في الجامعة اليوم وتتحدث عبر الاعلام وفي المستشفيات. وتقول "أحياناً أشعر بالتعب وبأنني لربما كنت أستحق حياة أسهل...". تمسح دموعها وتظهر ابتسامة عريضة "لكني نجوْت أنظري... ولديّ أشياء رائعة أعلّمها الآن للنساء...".


[email protected]
@Dianaskaini

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم