الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ندرة المياه عالمياً ولبنانياً

مروان اسكندر
مروان اسكندر
ندرة المياه عالمياً ولبنانياً
ندرة المياه عالمياً ولبنانياً
A+ A-

يواجه العالم أزمة توافر كميات كافية من المياه للحاجات الزراعية والصناعية والمنزلية والصحية لأسباب متعددة.
من أهم هذه الأسباب، زيادة عدد سكان الارض من 7,4 مليارات نسمة الى 10 مليارات بحلول سنة 2050، أي بعد ثلاثة عقود ونصف عقد، الأمر الذي يقتضي زيادة الانتاج الزراعي بنسبة 60 في المئة خلال تلك الفترة، وهي زيادة يصعب تحقيقها وستحتاج الى كميات كبيرة من المياه النظيفة، وهذه لا تتوافر على المستوى المتوقع.
والحاجة الى توافر المياه ستكون ضاغطة سنة 2050 في بلدان الشرق الاوسط، الهند، أوستراليا، الولايات المتحدة، شمال أفريقيا وجنوب افريقيا والمساحات الممتدة غرب جنوب أميركا. ان هذه البلدان والمساحات سيقطنها ربع عدد سكان العالم في 2050 أي على الاقل 2,5 ملياراً نسمة، وهؤلاء كما غيرهم سيحتاجون الى المياه ليس فقط للزراعة التي تستأثر بنسبة 70 في المئة من استهلاك المياه عالمياً.
المياه عنصر ضروري للنمو، وليس فقط لحاجات الزراعة، فهنالك حاجات ملحة الى المياه في المجالات الصناعية، وخصوصاً انتاج الطاقة الكهربائية سواء بالمنتجات النفطية أم الفحم الحجري أم الطاقة النووية التي تلزمها كميات هائلة من المياه للتبريد والتشغيل المجدي.
ولأزمة المياه عالمياً أسباب عدة اضافة الى الزيادة السكانية وحاجات الغذاء، فاستهلاك المياه عمومًا في مختلف البلدان، حتى تلك التي تعاني شح الامطار، يجري دونما ضوابط لان تسعير المياه منخفض، ذلك ان مواطني مختلف البلدان يعتبرون المياه عطاء من السماء، والواقع ان الاستهتار بكلفة المياه يسهم في ممارسات تؤدي الى تلويث نسبة ملحوظة من المياه الجارية وخصوصاً في القنوات المكشوفة.
لقد اصبحت مشكلة تلوث المياه في لبنان بالغة الخطورة لان الدراسات تبين ان أكثر من 80 في المئة من المياه المتدفقة في الانهر والقنوات تصبح ملوثة بدرجات مختلفة قبل توافرها للمستهلكين، والمشاكل الصحية الناتجة من التلوث لا تعد ولا تحصى.
ويضاف الى التلوث أن المياه التي تصب في قنوات يفترض ان توفر مياهاً نظيفة لمناطق سكانية كالقنوات التي يفترض ان تؤمن مياه سد شبروح لجونية وضواحيها، تشكو من الاهتراء واهمال الصيانة، وتقاعس شركات المياه عن تحديث وسائل العمل. وقد ذكرنا في وقت سابق ان تركيب مضخة لزيادة دفق المياه من ضبية الى بيروت استوجب 18 شهرًا وكل ذلك لمضخة لا يتجاوز ثمنها 100 الف دولار، علماً بان رئيس مصلحة المياه هذه عند تقاعده يحصل على 500 الف دولار أو يزيد وذلك جائزة للاعمل.
يعاني لبنان اهمال موضوع تأمين المياه منذ سنوات وكان يتمتع بتساقط يوفر كميات تفيض عن حاجات، لكن انشاء السدود تأخر. كذلك فإن انجاز برك موسعة لحفظ مياه الشتاء للاستعمال في الربيع، كما في قبرص، أمر لم يأخذ طريقه الى التنفيذ، والمياه الجارية في مجار غير مسقوفة تهدر نسبة 40 في المئة منها بسبب اهتراء المجاري وعدم تنظيفها بعناية كل سنة.
قضية المياه يجب ان تشغل الحكم وان تخص بالاهتمام الاول والاكبر، لان التلوث يشمل غالبية مياهنا المتدفقة، كما ان تأمين كميات المياه للمشتركين امر لا يتحقق. فالمشتركون يدفعون اشتراكات المياه لمؤسسات لا تعمل، لان المشرفين عليها يتعاملون مع مهماتهم وكأنها بعيدة من حياة الناس. يجب ان يكون معلوماً ان تأمين المياه النظيفة والوافرة من مستوجبات النمو ومن دونه ستبقى صورة لبنان غارقة في التخلف.
من المؤكد أن قضية المياه اليوم اكثر الحاحًا من قضية الكهرباء وهذه القضية عجيبة. فالأموال التي خصصت لتطوير منشآت محطتي الزوق والجية، تحولت الى الزوق، لان معمل الجية على ما يبدو استهلك الى حد لا يمكن تحسينه وتعويمه. كما ان معمل الذي تمَّ التعاقد على انجازه عام 2013 بطاقة 1500 ميغاوات في منطقة البارد بالشمال حالت خلافات على الضريبة على القيمة المضافة دون تنفيذه، وتالياً انفتحت آفاق المولدات الخاصة، سواء منها المولدات الصغيرة التي تنفث السموم في محيط المنازل، أم المولدات الكبيرة التي تستعمل في المستشفيات، والمدارس، ودور السينما والمطاعم والمصانع الخ، وتقدر طاقة المولدات الخاصة، بما فيها طاقة السفينتين التركيتين، بأكثر من 2000 ميغاوات، والطاقة التي تشغلها مؤسسة كهرباء لبنان لا تتجاوز بالفعل ال1400-1500 ميغاوات والبرهان على تجاوز طاقة المولدات الخاصة منشآت مؤسسة كهرباء لبنان يتجلى من رؤية الانوار مشعة ليلاً في الجبال ومن معرفة تمتع زحلة وجوارها بالكهرباء 24/24 ساعة، كما على ما يبدو مرجعيون في الجنوب وغلبون في بلاد جبيل وكل هذه الانجازات قام بها مبادرون ذوو اريحية وفروا الكهرباء بأسعار أقل من تلك التي يتقاضاها تجار المولدات الخاصة في الاحياء السكنية.
توافر الكهرباء من آلاف المولدات الخاصة الصغيرة يبدو كأنه يعوض تأمين الكهرباء من معامل حديثة ذات طاقة كبيرة، لكن الواقع هو غير ذلك. فالمولدات الخاصة الصغيرة، تستهلك كميات أكبر من المشتقات النفطية لإنتاج الكيلووات/ ساعة، وتالياً تزيد كلفتها عن المعامل الكبرى الحديثة. واصحاب المولدات الخاصة يفرضون اسعاراً مرتفعة على المستهلكين وقد تتجاوز الـ35 سنتًا لكل كيلووات/ ساعة. وهكذا يتعرّض حساب ميزان مدفوعاتنا لضغط اكبر، كما تتعرض البيئة للتلوث. ونكتفي بالقول ان انتاج الكيلووات/ ساعة لدى مؤسسة كهرباء لبنان يكلف 28 سنتاً، في حين ان المعامل الحديثة، التي تزود الغاز لا تتجاوز كلفتها ثمانية سنتات. بكلام آخر، على صعيد الكلفة الجارية للوقود، نحن كلبنانيين ندفع 400 في المئة من كلفة المعامل الحديثة، التي لا يبدو مستقبلها واضحًا لان تجهيز لبنان بطاقة 4000 ميغاوات وبكلفة ثلاثة مليارات دولار- توازي عجز مؤسسة كهرباء لبنان سنتين فقط - يبدو امراً مستحيلاً لان عشرات الآلاف من المستفيدين من تشغيل المولدات الخاصة سيبذلون جهدهم لاعاقة تطوير الكهرباء.
قضية المياه تبدو أسهل وربما أكثر الحاحاً، فعسى ان تحظى بالانتباه الاول، مع قضية النفايات. فالمياه النظيفة تخدم الطبيعة والانسان، والنفايات تنفر البشر وتبين عجز الحكم والحكام.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم