الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

من الإعلام إلى الاستطلاعات مروراً بكلينتون...كيف أوقع ترامب الجميع في الفخ؟

المصدر: "النهار"
من الإعلام إلى الاستطلاعات مروراً بكلينتون...كيف أوقع ترامب الجميع في الفخ؟
من الإعلام إلى الاستطلاعات مروراً بكلينتون...كيف أوقع ترامب الجميع في الفخ؟
A+ A-

سيمر بعض الوقت قبل أن تفيق أميركا ومعها العالم من الصدمة. حالياً، تتراوح التوصيفات لما حصل بين "المأساة" و"الكارثة" والجنون" وصولاً الى المستحيل الذي صار ممكناً.



دونالد ترامب رئيس للولايات المتحدة. ما كان مستحيلاً بالنسبة الى عشرات الملايين من الاميركيين وملايين آخرين حول العالم، صار واقعاً. الرجل الذي عرف بالعنصرية وكره النساء وتعهد بناء الجدران ومنع المسلمين من دخول بلاده، صار حقاً رئيساً لأقوى دولة في العالم. الرجل الذي تساءل مراراً لماذا لا تستخدم أميركا السلاح النووي إذا كانت تملكه، صار يملك الشيفرة النووية. الرجل الذي اقترح حلاً ل"داعش" بقصفهم عن بكرة أبيهم وقصف النفط، سيرث حرباً في ذروتها على التنظيم في الموصل والرقة.



طوال الحملة الانتخابية، كان واضحاً أن ترامب ومنافسته الديموقراطية لا يحظيان بحماسة جماهيرية كبيرة، وأنهما المرشحان الاقل شعبية في تاريخ الانتخابات الاميركية. ومع ذلك، تقدمت كلينتون دائماً على خصمها بفارق بسيط. وخرجت كبريات الصحف الاميركية عن تقليدها معلنة دعمها لكلينتون ومعددة الأسباب التي تمنع انتخاب ترامب رئيساً. فما الذي حصل؟ كيف أوقع ترامب الجميع في الفخ؟ هل هي مسؤولية الحزب الديموقراطي أم وسائل الاعلام أم مراكز الاحصاء أم حملة المرشحة الديمقراطية التي اعتبرت المعاقل الديموقراطية مضمونة، أم أن المشكلة كانت في كلينتون نفسها التي، على رغم كل قوتها، كانت مرشحة معيبة بنظر الكثيرين.


حركة جودو


في معرض تحليلها للنتيجة الصاعقة، قالت صحيفة "النيويورك تايمس" إن ترامب الذي أربك النخبة الجمهورية في الانتخابات التمهيدية فعل الامر نفسه مع الديموقراطيين في الانتخابات العامة، مكرراً حركة الجودو بتحويل ثقل مؤسسة واثقة، ضدها. واعتبرت أن فوزه هو ضربة مهينة لوسائل الاعلام والاستطلاعات و القيادة الديموقراطية التي تسيطر عليها كلينتون.



الواضح أن أمراً أساسياً فات وسائل الإعلام الاميركية، والصحف العريقة تحديداً، التي أيدت علناً كلينتون، وتوقعت فوزها. فهذه  لم تأخذ على محمل الجد استياء ناخبين تعهدوا الولاء لترامب، وقللت عمداً أو عن غير قصد غضب عمال المناجم أو الموظفين السابقين في قطاع صناعة السيارات الذي صدقوا بأنه سيعيد إليهم وظائفهم التي "سرقت" منهم.



وفي رأي مارغريت سوليفان في صحيفة "واشنطن بوست" أن عددا كبيراً من الناخبين الاميركيين أرادوا شيئاً مختلفاً. ومع أنهم هتفوا وصرخوا، لم يسمعهم أكثر الصحافيين، ولم يفهموهم. لم يدرك الاعلاميون أن الحشود الكبيرة في التجمعات الانتخابية لترامب ستتحول أصواتاً. لم يصدقوا أن أميركا التي عرفوها ستتبنى شخصاً سخر من رجل معوق وتفاخر بالتعدي على النساء ونضح كرهاً للنساء والعنصرية ومعاداة السامية.
وربما عجز الصحافيون الذين نفّرهم ترامب واصفاً اياهم بالحثالة والفاسدون، عن تمييز ما يحصل أمام أعينهم. وربما بالغوا في الذهاب وراء استطلاعات الرأي، مع أن تجارب سابقة علمتنا أن الاستطلاعات ليست نتيجة الاقتراع.
ومع ذلك، ترفص سوليفان لوم الصحافيين على فوز ترامب أو عدم توقع فوزه، قائلة: "أردنا أن نؤمن ببلد لا تزال فيه الياقة والكياسة محترمتين، وحيث لا يمكن لشخص حاقد ومزاجي أن ينتخب لأن أميركا أحسن من ذلك".



"حزام الصدأ"
أما المفاجأة فقد صنعتها موجة غير مسبوقة خصوصاً لناخبي الأرياف وما يعرف بمنطقة "حزام الصدأ" (راست بلت، وهو مصطلع يطلق على المنطقة المتداخلة العليا شمال الولايات المتحدة البحيرات الكبرى وولايات الغرب الأوسط، في إشارة الى تدهورها الاقتصادي واضمحلال المناطق الحضرية بسبب تقلص قوة القطاع الصناعي والتي يعتقد سكانها أن المؤسسة السياسية تخلت عنهم.



وتظهر الأرقام أن ترامب حقق مكاسب كبيرة في المناطق الريفية ما ساهم بالحاق الهزيمة بكلينتون ومناصريها الديموقراطيين. ولعل الدعم الأكبر له جاء من ولايات الغرب الأوسط حيث تعيش غالبية من البيض غير الجامعيين.



ولئن تقدمت كلينتون في المدن الكبيرة، تظهر الارقام إخفاقاً كبيراً لها في المدن الصغيرة والقلب الصناعي.
ونجح ترامب في تجاوز عتبة 270 صوتاً في المجمع الانتخابي، بانتزاعه ولايات فاز فيها أوباما عامي 2008 و2012 ، بينها أيوا وفلوريدا وأوهايو وبنسلفانيا وويسكونسن.


الرئيس الأمريكي ال45
أما وقد صار ترامب الرئيس ال45 للولايات المتحدة بعد سنة ونصف سنة من المواقف النارية، المتهورة حيناً والمقيتة أحياناً،لم تتأخر الأسئلة عن قدرته على إدارة القوة الاقتصادية الاولى واللاعب السياسي الرئيسي على الساحة الدولية.
وبناء على ما ظهر في الحملة الانتخابية، ليس معروفاً ما اذا كان ترامب قادراً على الاضطلاع بالوظائف الاساسية للسلطة التنفيذية وما اذا كان سيواجه مشاكل مالية نظراً الى عدم كشفه عائداته الضريبية منتهكاً تقليداً عمره 40 سنة في الحزبين.
التوقعات متشائمة جداً . قد يكون أثر الصدمة طاغياً عليها. ولعل أكثرها سلبية ما قالته "النيويورك تايمس" في افتتاحيتها مشككة في ما اذا كانت لدى الرئيس  أدنى فكرة عن معنى السيطرة على أضخم ترسانة نووية في العالم.



برأي الصحيفة أن ترامب هو الرئيس الاميركي المتخب الأٌقل استعداداً للحكم في التاريخ المعاصر، وأنه أظهر بالكلمات والافعال أنه غير مؤهل لقيادة أمة منوعة تعد 320 مليوناً، وهدد بمقاضاة خصومه السياسيين وسجنهم وتقييد حرية الصحافة. وقالت أيضاً: "نعرف أنه يكذب من دون تأنيب للضمير".
وعد ترامب بخفض الضرائب على الاغنياء وتجريد ملايين الاميركيين من نظام الرعاية الصحية. أساء الى النساء وهدد المسلمين والمهاجرين.
وفي ما يتعلق بما وراء الاطلسي، تعهد انهاء الاتفاق النووي مع إيران واتفاقات التجارة الحرة مع شمال أميركا واتفاقات المناخ التي أمكن التوصل اليها في باريس في كانون الاول الماضي والانسحاب من حلف شمال الأطلسي وتوعد بحرب تجارية مع الصين.



لا شك في أن فوز ترامب وانتزاع الحزب الجمهوري الغالبية في مجلسي الكونغرس، سيطلق يد التشدد الأخلاقي والديني والقومي في مؤسسات نافذة في السياسة الداخلية كما في الديبلوماسية. وليس مغالاة القول إن تاريخاً جديداً لأمريكا والعالم يبدأ من اليوم.


[email protected]
Twitter: @monalisaf


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم