الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

من يغيّر وجه أميركا والعالم كلينتون أم ترامب؟

هشام ملحم
هشام ملحم
من يغيّر وجه أميركا والعالم كلينتون أم ترامب؟
من يغيّر وجه أميركا والعالم كلينتون أم ترامب؟
A+ A-

حتى الثالثة فجر اليوم بتوقيت بيروت لم تكن نتيجة الانتخابات الرئاسية الاميركية قد حسمت بين المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون (69 سنة) والمرشح الجمهوري دونالد ترامب (70 سنة) نظراً الى احتدام المنافسة في عدد من الولايات ولا سيما منها تلك ذات الاهمية المحورية.
وأدلى الناخبون الاميركيون باصواتهم بعد السباق الطويل والمضني الى البيت الأبيض بين كلينتون وترامب.
وركزت الحملات الانتخابية على شخصيتي المرشحين: كلينتون وزيرة الخارجية السابقة وترامب قطب قطاع الأعمال في نيويورك. واتهم كل منهما الآخر بأنه غير لائق لقيادة الولايات المتحدة وقت تواجه تحديات مثل التعافي الاقتصادي الشاق والإسلاميين المتشددين وصعود الصين.
وتوقعت أسواق المال ومواقع المراهنات ومنصات التداول الإلكتروني فوز كلينتون، لكن فريق ترامب يرى أن في إمكانه تحقيق انتصار غير متوقع على غرار نتيجة استفتاء أجرته بريطانيا في حزيران وأدى إلى التصويت على خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ويمثل ترشح ترامب للرئاسة تحديا للمؤسسة السياسية في الولايات المتحدة، فيما تجسد كلينتون استمرارية النظام السياسي.
ومن المرجح أن تؤذن رئاسة كلينتون باستمرار ما بدأه الرئيس الديموقراطي باراك أوباما في البيت الأبيض قبل ثماني سنوات، إلا أنه إذا احتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس واحد على الأقل في الكونغرس فإن ذلك قد تليه سنوات أخرى من الجمود السياسي في واشنطن.
ويتحقق الفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية ليس من طريق التصويت الشعبي بل من طريق نظام المجمع الانتخابي الذي يعلن الفوز بالبيت الأبيض استناداً إلى الفوز في كل ولاية مما يعني أن عدداً من الولايات التي تشهد تقارباً في السباق تمثل أهمية كبيرة.
وأظهرت قراءة مبكرة لاستطلاع رأي "رويترز / إبسوس" في يوم الانتخابات أن الناخبين يشعرون بالقلق كما يبدو من الاتجاه التي سوف تسير فيه البلاد ويسعون "وراء زعيم قوي يمكنه استرداد البلاد من الأثرياء وذوي النفوذ".


الرقم "270"
وجرى التصويت بالاقتراع غير المباشر لان المواطنين يختارون كبار الناخبين الذين سيختارون بدورهم منتصف كانون الاول كلينتون أو ترامب. وعددهم 538 ناخباً في المجموع، ويتفاوت عددهم تبعاً لتعداد سكان الولاية.
وللرقم "270" دور سحري لانه يمثل الحد الادنى من أصوات كبار الناخبين التي يتعين الحصول عليها للوصول الى البيت الابيض، اي الغالبية المطلقة من 538 ناخباً كبيراً. وفي 48 ولاية تجري الانتخابات بالغالبية من دورة واحدة مما يعني ان المرشح الذي يتقدم منافسه يفوز بكل أصوات كبار ناخبي الولاية.
وسار التصويت بسلاسة على رغم مزاعم أطلقها ترامب في الأسابيع الأخيرة وقال فيها إن النظام الانتخابي مزور ضده.
ورداً على سؤال عما إذا كان يعتقد أن هذه الانتخابات لن تنتهي مساء الثلثاء قال ترامب لقناة "فوكس نيوز": "لا أقول هذا. يجب أن أرى ماذا يحدث. هناك تقارير تفيد أنه عندما يذهب الناس للتصويت للجمهوريين تتبدل البطاقات تماما لمصلحة الديموقراطيين. لقد رأيتم هذا. إنه يحصل في أماكن عدة".
وأشارت وسائل إعلام محلية في ولاية بنسلفانيا إلى أن ناخبين في عدد من المقاطعات قالوا إن آلات تصويت تعمل باللمس لا تسجل تصويتهم بشكل صحيح. وقالت إن جمهوريين في بنسلفانيا اشتكوا من أن بعض مراقبي الانتخابات التابعين للحزب الجمهوري منعوا من دخول مراكز اقتراع في مدينة فيلادلفيا.
لكن مسؤولين في الحزب الديموقراطي أكدوا أنهم لا يرون مساعي منسقة أو ممنهجة لقمع الناخبين الثلثاء مع استمرار الأميركيين في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.
واوردت جماعات مدافعة عن الحقوق المدنية أن مستوى الشكاوى من ترويع الناخبين أعلى مما كان في الانتخابات الرئاسية السابقة وذلك استنادا إلى أكثر من 20 ألف مكالمة تلقتها من أنحاء البلاد على خط ساخن لشكاوى الناخبين حتى عصر الثلثاء.
ويسعى كل من ترامب وكلينتون الى أن يصير الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة وخليفة أوباما الذي تولى الرئاسة ولايتين مدة كل منها أربع سنوات في منصبه بالبيت الأبيض ويحظر عليه الدستور الأميركي أن يسعى الى الترشح لولاية أخرى.
وتأمل كلينتون في أن تصير الرئيسة الأولى للولايات المتحدة بعدما أمضت ثماني سنوات في البيت الأبيض بصفتها السيدة الأولى من عام 1993 حتى عام 2001 قبل أن تصير عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية نيويورك وتتولى منصب وزيرة الخارجية في إدارة أوباما.


تحديات الرئيس الجديد
ويواجه الرئيس الاميركي الجديد حقائق سياسية وديموغرافية جديدة في الداخل، سوف تتطلب معالجتها جهوداً قصوى وحلولاً خلاقة لا يمكن اعتمادها في غياب توافق سياسي داخلي لا يبدو انه يمكن ان يتوافر في أي وقت قريب، خصوصاً ان الهوة بين الجمهوريين والديموقراطيين ستزداد عمقا، فضلاً عن انه سيكون من الصعب رأب الصدع والشروخ التي أصابت الحزب الجمهوري بعد بروز "ظاهرة ترامب" التي ستبقى قائمة حتى لو لم يكن ترامب على رأسها.
خارجياً، سيواجه الرئيس الاميركي الـ 45 عالماً مختلفاً في نظرته الى أميركا وتوقعاته منها، وحافلاً أيضاً بالتحديات الاستراتيجية الصعبة التي تمثلها ثلاث دول صاعدة تسعى الى الهيمنة على المناطق التي تحوط بها وحتى أبعد من محيطها، هي روسيا والصين وايران، إذ تلجأ هذه الدول الى تحدي مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائها وأصدقائها، وأحياناً من طريق القوة العسكرية المباشرة كما فعلت روسيا لدى احتلالها شبه جزيرة القرم عام 2014، أو كما تفعل الصين في فرض الامر الواقع في شرق آسيا من طريق بناء القواعد العسكرية فوق جزر متنازع عليها، أو كما تفعل ايران بتدخلها المباشر أو بالوكالة في العراق وسوريا واليمن. هذه التحديات الخارجية تفاقمت خلال الولاية الثانية للرئيس باراك اوباما والتي اتسمت بالتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة في التعامل معها. ولن يكون من السهل على كلينتون مثلاً التلويح باستخدام القوة العسكرية مع هذه الدول وخصوصاً خلال سنتها الاولى في البيت الابيض، حيث ستنشغل بتأليف حكومتها وتعيين المسؤولين عن مئات الاجهزة المختلفة.
واذا انتخب الاميركيون كلينتون، فان أول تحد ستواجهه هو كيفية مد الجسور مع تلك الشريحة الاجتماعية الغاضبة والمهمشة اقتصادياً والتي شكلت القاعدة الاساسية لدونالد ترامب. صحيح ان هذه القاعدة، المؤلفة في معظمها من مواطنين بيض من ذوي الدخل المحدود والتحصيل العلمي دون الجامعي، تتأثر بطروحات متشددة ومتعصبة وحتى عنصرية ضد فئات اجتماعية أخرى مثل الاقليات والمهاجرين وخصوصاً من دول أميركا اللاتينية والمسلمين، إذ وجدت هذه الشريحة في دونالد ترامب صوتها الغاضب وعلقت عليه آمالاً غير واقعية لاخراجها من محنتها الاجتماعية والاقتصادية. لكن مشاكل وبعض شكاوى هذه الشريحة حقيقية ومن الخطأ الاكتفاء بوصفها بشكل تبسيطي وتعميمي بأنها جماعات متعصبة وعنصرية. هذه الشريحة الاجتماعية تمثل الى حد كبير الضحايا التي خلفها الاقتصاد المعولم وراءه. هؤلاء هم الاميركيون الخاسرون الذين فقدوا وظائفهم وخصوصاً في آلاف البلدات الصغير والمتوسطة الحجم وفي الارياف الاميركية عقب توقيع اتفاقات التجارة الحرة الدولية ومنها على سبيل المثال اتفاق "نافتا" بين الولاليات المتحدة وكندا والمكسيك الذي وقعه الرئيس بيل كلينتون، وساهم في هجرة وظائف أميركية الى المكسيك. وخلال ربع القرن الماضي حصلت تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة في هذه المناطق التي أقفلت فيها آلاف المصانع ما ساهم في تقليص الصناعات الانتاجية الاميركية - ومعها الوظائف وارتفاع معدلات البطالة - وتحول الاقتصاد الاميركي الى اقتصاد خدمات وتقنيات متطورة.
هذه الحقائق الاقنصادية المرّة، ساهمت في تفكيك العائلات، وزيادة معدلات الطلاق، والولادات خارج اطار الزواج، والاخطر من ذلك الانتشار المقلق لتعاطي المخدرات. وتؤكد الابحاث ان استهلاك المخدرات في الارياف الاميركية والبلدات الصغيرة يبلغ ضعفي استهلاكها في المدن الكبيرة، وهذه حقيقة جديدة ومذهلة ومكلفة. وما يمكن قوله هو ان الحزبين الديموقراطي والجمهوري فشلا فشلاً ذريعاً في معالجة هذه المشكلة الخطيرة خلال العقود الثلاثة الاخيرة.
وحتى لو انتخب الاميركيون ترامب، فانه لن يكون قادراً على معالجة هذه المشكلة، على رغم انه استغل مخاوف وآالام هذه الشريحة من الاميركيين واقنعها بان المهاجرين هم المسؤولون عن محنتها الاقتصادية، لان أي حلول سوف تتطلب تحولات اقتصادية ومالية وبرامج تدريبية وإيجاد صناعات جديدة لا يمكن ابتوصل اليها في أي وقت قريب ودون تعاون جدي بين الجمهورييد والديموقراطيين.
وجود كلينتون في البيت الابيض، والجمهوريين في مجلسي الكونغرس أو حتى في مجلس واحد، يعني ان الاميركيين قد حكموا على الرئيس الجديد ان يتعايش مع حزب معارض لن يتردد في اتخاذ اجراءات تعطيلية او حتى عبثية، لان قيادات الحزب الجمهوري التي ساهمت في استغلال مخاوف قاعدتها خلال سنوات أوباما، تجد نفسها الآن مترددة وخائفة في مواجهة القوى التي ساهمت هي في إيجادها والتي يمكن ان تهددها سياسياً، كما حاولت من خلال "ظاهرة ترامب".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم