السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

مصر... الانهيار الوشيك!

المصدر: "النهار"
موريس متى
مصر... الانهيار الوشيك!
مصر... الانهيار الوشيك!
A+ A-

هي أزمة حقيقية تعصف ببلاد الفراعنة على الصعيدين المالي والاقتصادي، في الوقت الذي يواصل فيه #الجنيه المصري تراجعاته الدراماتيكية أمام الدولار الاميركي ليصل الى أدنى مستوياته على الاطلاق.


من أبرز الاسباب التي أدت الى إنهيار الجنيه، المخاوف من تداعيات وقف المملكة العربية #السعودية للمعونة النفطية التي كانت تقدمها للقاهرة، وذلك للشهر الثاني على التوالي. ويصل حجم هذه الشحنات الى ما يقارب 700 الف طن شهرياً لسد حاجات السوق المحلية من الوقود، مما أجبر وزارة النفط المصرية على تغطية حاجات البلاد من البنزين والسولار للشهر الثاني من موردين آخرين من السوق العالمية.


وتضاف الى هذه المشكلة، المخاوف حيال مستقبل الاقتصاد المصري بشكل عام، في الوقت الذي تتخذ فيه الحكومة يومياً إجراءات تقشفية متتالية، رغم إعلانها عن عدد من المشاريع الكبيرة وإقرارها مجموعة قوانين لتحفيز الاستثمار في البلاد. ومنذ الثورة التي أطاحت الرئيس السابق حسني مبارك، والاحتياطات الاجنبية لدى البنك المركزي المصري في تراجع مستمر نتيجة تراجع أعداد السياح والمستثمرين الذين يعتبرون المصدر الاساسي للعملة الصعبة في بلاد الفراعنة. وبحسب المركزي، وصل احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى 15.536 مليار دولار في نهاية تموز مقارنة بـ 36 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي قبل ثورة 2011. وزاد نزيف احتياطات النقد الأجنبي في تموز الماضي مع سداد آخر المبالغ المستحقة لقطر وهو مليار دولار، إضافة إلى سداد التزامات المديونية الخارجية في نطاق نادي باريس بقيمة 720 مليون دولار في نطاق نادي باريس. أما في تشرين الاول، فقد أجبرت الحكومة على سحب ما يقارب المليار و500 مليون دولار مم إحتياطاتها بالدولار الاميركي لتمويل شراء شحنات من المنتجات البترولية لتويعض القرار السعودي وقف المعونات للقاهرة، ما وضع مزيدا من الضغوط على احتياطات البلاد من العملات الاجنبية ودفع بالجنيه الى تسجيل المزيد من النزيف. كما ساهم في تراجع الدولار في السوق المصرية، وإنخفاض حجم تحاول المصريين العاملين في الخارج وبخاصة في الدول الخليجية نتيجة الازمة النفطية التي تعصف في هذه الدول المنتجة للذهب الاسود والتي اضطرت الى إقرار خطط تقشفية ووقف عدد من المشاريع، ما إنعكس سلباً على المعاملة المصرية في هذه الدول.


ومن الاسباب التي دفعت ايضاً بالجنيه المصري الى التراجع، هو توقف عجلة انتاج القطاعات الاقتصادية الاساسية في البلاد في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة الواردات الى ما يتراوح بين 70 الى 90 مليار دولار مقارنة بصادرات لا تتجاوز قيمتها الاجمالية الـ 22 مليار دولار، ومن هنا يصبح يرتفع الطلب على الدولار ما يزيد الضغوط على العملة المحلية، اي الجنيه المصري.


ويعمل البنك المركزي على ترشيد استخدام احتياطه من الدولار من خلال مبيعات أسبوعية منتظمة تحافظ على قيمة الجنيه المصري الى حد ما. وخفّضت مصر قيمة الجنيه بنسبة 13% في آذار الماضي، في سعي لتقليل الفجوة بين الأسعار الرسمية وتلك الموازية لكن ذلك لم ينجح في زيادة السيولة الدولارية أو تقليص الفجوة. وفي سياق متصل، عاد الدين الخارجي المصري الى الارتفاع بشكل كبير في الاشهر الماضية. وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، ارتفع اجمالي الدين الخارجي لمصر بنسبة 16% خلال العام المالي الماضي 2015-2016 ليصل إلى 55.8 مليار دولار، مقابل 48.1 مليار دولار في العام المالي 2014-2015.


تعويم العملة يعمّق الازمة!
واصلت العملة المصرية تراجعها الحاد في مقابل العملة الاميركية في السوق السوداء وسجلت أدنى مستوياتها على الاطلاق اذ تم تداول الدولار مقابل 18 جنيهاً مصرياً مع اتجاه المضاربين للاحتفاظ بالعملة الأميركية. ويعتبر الطلب الكبير على الدولار ناتجاً من حالة الخوف التي تعصف بالشارع المصري أو لاعتبارات المضاربة طمعاً في زيادة سعر الدولار، وليست ناتجة من طلب على العملة مرتبط بحركة استيراد أو تصدير، وهنا الخطورة.


أمام هذه الانهيار الواسع للعملة المحلية، قام البنك المركزي بتعويم الجنيه نهاية الاسبوع الماضي وخفض قيمته بمقدار الثلث تقريباً في البداية مقارنة بالسعر الرسمي البالغ 8.8 جنيهات للدولار، مما دفع بسعر الصرف الجنيه الى التراجع إلى ما بين 15.35 و 15.75 جنيه في المصارف المصرية.
وتعويم سعر صرف الجنيه، هو أسلوب في إدارة السياسة النقدية، ويعنى أن يترك المصرف المركزي سعر صرف عملة ما ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعاً لمستوى تحرر اقتصادها الوطني وكفاية أدائه ومرونة جهازها الانتاجي. ولتعويم العملة نوعين. الأول هو "التعويم الحر"، ويعني أن يترك البنك المركزي سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق والعرض والطلب، ويقتصر تدخل المصارف المركزية في هذه الحالة على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغيير. والنوع الثاني من التعويم هو التعويم "المسيطر عليه"، ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقاً للعرض والطلب مع تدخل المصرف المركزي كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر في مقابل بقية العملات. ولكن، يبدو ان قرار البنك المركزي المصري سينعكس سلباً على المواطن المصري في بلد يستورد أكثر من 60% من السلع الغذائية الاساسية. فمع تعويم الحكومة للجنيه، سيتسبّب في إرتفع هائل في الاسعار وفي نسب التضخم، وتزداد خطورة هذه الخطوة في هذه الظروف بعد إعلان الحكومة عن رفع الدعم عن عدد من المنتجات الغذائية. وفي سياق غير بعيد، كشف وزير البترول المصري طارق الملا إن كلفة دعم المواد البترولية في البلاد ستزيد إلى 4.10 مليارات دولار خلال 2016-2017 بعد تعويم العملة وارتفاع أسعار النفط العالمية. وبلغ الدعم المقدر للمواد البترولية خلال السنة المالية الجارية 35 مليار جنيه وهو ما يعني أن الكلفة ستقفز بنحو 83 في المئة عما كان مستهدفاً. وبلغ دعم المواد البترولية 51 مليار جنيه في 2015-2016 انخفاضاً من 71.5 مليار جنيه في السنة المالية 2014-2015.


هل ينقذ صندوق النقد البلاد؟
أمام هذه المشكلة الكبيرة، تسعى مصر الى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات لسد العجز في الموازنة العامة، والذي تراوح ما بين 11% الى 13% من الناتج المحلي خلال الاعوام الستة الماضية. ولكن للحصول على هذه الامول، إشترط صندوق النقد على القاهرة اتخاذ سلسلة إجراءات تقشفيّة بالاضافة الى إقرار بعض القوانين الجديدة وفرض ضرائب جديدة.
ومن الاجراءات التي فرضهتها المؤسسة الدولية، توافر ما بين 5 إلى 6 مليارات دولار من التمويل الثنائي الذي سيُستخدم في العام الأول بعد الحصول على القرض وتكملة تمويل إضافي بنحو 4 مليارات دولار من الصندوق في السنة الأولى. بالاضافة الى ذلك، ضرورة تطبيق الميزانية وضريبة القيمة المضافة وخطة الحكومة لخفض دعم الطاقة في وقت تحدثت المعلومات عن إمكان رفع الحكومة المصرية الدعم عن الوقود بأكثر من 20% بالنصف الثاني من هذه السنة، بالاضافة ايضاً الى التحرك تدريجياً صوب مزيد من المرونة بسعر الصرف.


ورغم ان البرنامج التي قدمه صندوق النقد لا يشمل تخفيضات لدعم المواد الغذائية، الا ان الحكومة إتخذت قراراً برفع سعر السكر المدعم مجدداً لـ 0.8 دولار للكيلوغرام الواحد، مما يعني زيادة بـ 40% خلال أقل من شهر واحد، في وقت بيستفيد حالياً نحو 71 مليون مواطن مصري من 21 مليون بطاقة تموينية، في الوقت الذي تستهلك فيه مصر نحو 3 ملايين طن من السكر سنوياً. لكن إنتاجها لا يزيد عن مليوني طن، مما يجبرها على سد الفجوة من طريق الاستيراد. وبحسب وزير المال المصري عمرو الجارحي، فإن فاتورة دعم السلع زادت إلى 49 مليار جنيه من 44 ملياراً، وذلك بعد قرار زيادة الدعم من 18 إلى 21 جنيهاً للفرد. وقررت الحكومة المصرية رفع أسعار الوقود والمحروقات، اعتباراً من منتصف ليل الجمعة الماضية وذلك بعد ساعات قليلة من قرار البنك المركزي بتحرير كامل للجنيه أمام العملات الأجنبية. وفي سياق متصل، كشف رئيس الوزراء المصري أن مصر تدرس مشروع قانون للضريبة التصاعدية لتوفير المزيد من الايرادات لتغطية النفقات المتزايدة.


وفي سياق غير بعيد، وبهدف تشجيع الاستثمار في البلاد، وافق المجلس الاعلى للاستثمار المصري على تمرير 17 قراراً. وضمن هذه المقرارات، وافق المجلس على الاعفاء من الضريبة على الأرباح لمشاريع استصلاح الاراضي الزراعية التي تنتج محاصيل رئيسية، واعفاء من الضريبة على الارباح لمدة خمس سنوات للمشاريع الجديدة لتصنيع المنتجات أو السلع الاستراتيجية التي يتم استيرادها من الخارج أو الموجهة للتصدير للخارج.
وصل الاقتصاد المصري الى حافة "التعثر" الفعلي، ما يحتم تحركاً سريعاً لوقف الانيهار ووضع حد لمخاطر الانهيار بدعم من تدخل مباشر من المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليين، اضافة الى اتخاذ بعض القرارات الجرئية والصعبة ولكن قد تساهم أقله في هذه الظروف في وقف التدهور، وحماية بلاد الفراعنة من الانهيار الذي قد يكون أصبح "حتمياً".


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم