الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل تنتقل عدوى التسوية من لبنان إلى اليمن؟

المصدر: "النهار"
امين قمورية
هل تنتقل عدوى التسوية من لبنان إلى اليمن؟
هل تنتقل عدوى التسوية من لبنان إلى اليمن؟
A+ A-

بعد اتمام الصفقة الرئاسية في لبنان بنجاح بملء الشغور في قصر بعبدا وانتخاب العماد ميشال #عون رئيسًا بعد طول انتظار ومن ثم التكليف السهل للرئيس سعد الحريري تأليف حكومة جديدة، كثرت التكهنات عن الابعاد الاقليمية لهذا التحول الكبير في هذا البلد الصغير، فهل هو يقتصر على لبنان فقط نظرا الى ظروفه الخاصة ام انه يمثل "بروفة" او "نموذجا" لصفقة اكبر يجري اعدادها في الاقليم لتخفيف حدة التوتر بين القطبين الاقليميين السعودية وايران؟ وهنا توجهت الانظار ليس الى الدولة الجارة سوريا التي يشهد الصراع المحموم فيها تشابكا معقدا تتداخل فيه عوامل شديدة الصعوبة محليا واقليميا ودوليا، بل توجهت الى اليمن على رغم بعده الجغرافي عن لبنان، وذلك بعد الزخم الديبلوماسي الذي أحدثته الخطة الدولية التي قدمها المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، لإحلال السلام في البلد وحظيت بموافقة المجتمع الدولي والدول المؤثرة في الصراع اليمني. فهل تنتقل عدوى التسوية والحل من لبنان الى #اليمن غير السعيد والذي أوصلته الحرب المجنونة الدائرة على أرضه الى حافة الانهيار الكامل والمجاعة؟


صحيح ان لبنان قبل ملء الشغور الرئاسي كان ينعم باستقرار نسبي على رغم الحرب الحارقة الدائرة على حدوده، وان ظروفه السياسية والاقتصادية غير تلك الموجودة في اليمن، لكن ثمة عامل مشترك بين البلدين وهو قوة تأثير العامل الخارجي على عناصر الازمة الداخلية، لا سيما ان اليمن اليوم هو ضحية صراع سعودي ايراني على النفوذ والدور. ومن هنا يأتي التساؤل عما اذا كان التوافق غير المباشر بين طهران والرياض على الحل في لبنان قد يسري على اليمن ايضا؟


الحرب الدائرة على الارض اليمنية


وتجدر الاشارة اولا الى ان الخطة التي يحملها المبعوث الأممي من اجل الحل في اليمن تترجم في الأساس مضامين مقترحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، المعروفة بـ"مبادرة كيري"، والتي أعلنها خلال زيارة قام بها إلى السعودية في 25 آب، ولاحقاً حملت الخطة تعديلات عكست بصمة "المجموعة الرباعية"، التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات.


ومن الواضح ان المجتمع الدولي لم يعد يرى في الحرب الدائرة على الارض اليمنية سوى القتل المجاني وتدمير آخر مقومات الحياة في هذا البلد الفقير اصلا خصوصاً ان الحرب استنفدت مداها الزمني من دون ان يحقق أي من الأطراف نصراً حاسماً، في ظل أزمة إنسانية واقتصادية لم يسبق أن شهدها اليمن الذي قالت الأمم المتحدة إنه "على بعد خطوة واحدة من المجاعة"، وتمثلت أبرز ملامحها في عجز الجهات الحكومية عن دفع رواتب الموظفين.
وتتضمن الخطة المقترحة شقاً سياسياً يُلزم حكومة هادي بتنازلات سياسية تؤدي إلى تشكيل حكومة توافقية وإقصاء نائب الرئيس علي محسن الأحمر المثير للجدل والذي يتمتع بنفوذ واسع، وفي المرحلة الثانية بعد نحو 30 يوماً ينقل هادي صلاحياته لنائب توافقي. وفي المقابل، تطالب الحوثيين بتسليم الأسلحة الثقيلة والانسحاب من صنعاء ومدن أخرى، والابتعاد عن الحدود السعودية ما يصل إلى 30 كيلومتراً.


"شرعنة للانقلاب"


ويرى مراقبون ان جوهر "خطة ولد الشيخ" يشبه جوهر "المبادرة الخليجية"، الذي يقوم على أساس تفويض الرئيس صلاحياته لنائبه. وفي المبادرة الخليجية تم إلزام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بتفويض صلاحياته لنائبه عبد ربه منصور هادي، الذي صار فيما بعد رئيساً توافقياً، وفي 2016 تلزم خطة ولد الشيخ الرئيس هادي بالتنازل عن صلاحياته لنائب توافقي يكون بمثابة الرئيس الفعلي مع احتفاظ هادي بمنصب شرفي لحين الانتخابات المقبلة. ويحتج انصار هادي على هذه البنود على اعتبار انها تمثل مطالب جماعة صالح والحوثيين، وإن ولد الشيخ انصاع لها. ويتساءل هؤلاء كيف يحق لولد الشيخ أن يطلب تنازل رئيس منتخب عن صلاحياته قبل الانتخابات؟ وكيف يحق له أن يخرج على القرار الدولي 2216 الذي لم يتعرض لمنصب الرئاسة؟ وهكذا يصفون الخطة بأنها تمثل "شرعنة لانقلاب" 21 ايلول 2014 بدلاً من معاقبة الانقلابيين.


ويفترض، حسب الخطة، أن تنسحب المليشيات من صنعاء، وتسلم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للجنة الأمنية والعسكرية المشرفة، أما الصواريخ الباليستية فيجب تسليمها لطرف ثالث، لم تحدده الخطة. وتعطي الخطة الرئيس هادي حق تسمية أعضاء اللجان الأمنية والعسكرية التي ستشرف على الترتيبات الأمنية ابتداء من اليوم الأول للتوقيع على الاتفاق، وحتى اليوم الثلاثين، الذي يفترض بعده أن يفوض هادي صلاحياته لنائبه "التوافقي"، بعد اكتمال الانسحابات من صنعاء، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. وتركت الخطة مسألة "لانسحابات الإضافية من تعز والحديدة وبقية المحافظات" لحكومة الوحدة الوطنية التي يفترض أن ترى النور في اليوم الحادي والثلاثين، للتوقيع على الاتفاق السياسي، على أن تباشر الحكومة هذه المهمة في اليوم الخامس والأربعين للتوقيع.


"المنطقة أ"


ومجمل انتقادات الحوثيين وصالح على الخطة تأتي من كونها ركزت على البدء بوضع اللمسات الأخيرة للدستور وتطوير برنامج العدالة الانتقالية، من دون أن تستكمل الحوار السياسي الذي انطلق في صنعاء بعد سيطرة الحوثيين عليها، وكونها لم تتعرض لأوضاع المناطق الخاضعة لسلطة الجيش والمقاومة الشعبية، ولم تتطرق لقضية آثار الحرب، ولا وقفها، ولكونها جعلت العملية السياسية تستمر بإشراف دول الخليج ورعاة الحوار، وغير ذلك.
غير أن السبب الجوهري الذي جعل معسكر الحوثي – صالح يرفضها، يكمن في نص الخطة على وجوب الانسحاب من صنعاء وتعز والحديدة المسماة "المنطقة أ"، وكذلك تسليم السلاح الثقيل والمتوسط، بالإضافة إلى تسليم الصواريخ البالستية.


ومعسكر هادي في المقابل رأوا في الخطة مساساً بالشرعية، وتغاضياً عن الانقلاب ويتساءلون: ماذا عن مناطق عمران وحجة وصعدة التي لم تذكر صراحة في الخطة؟ هل يراد لها أن تشكل كانتوناً طائفياً في شمال الشمال؟


وفي ظل التناقضات والمواقف المباينة من البنود المطروحة دخل المسار السياسي في اليمن منعطفاً حرجاً فمن ناحية عملية، لا يمكن قراءة تبعات الرفض او القبول بعيداً عن موقف دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمها السعودية، التي تقود التحالف الداعم للشرعية وتستضيف قياداته، فإذا كانت الخطة تحظى بدعم الرياض، من المرجح أن تعمل على دفع حكومة هادي لمراجعة موقفها، أو اقتراح تعديلات ترضي الحد الأدنى من مطالب الجانب الحكومي. وفي هذا السياق فان ولد الشيخ يؤكد ان "خارطة السلام التي عرضها على اليمنيين حظيت بتأييد قوي من المجتمع الدولي كونها توفر حلا كاملا وشاملا وفيها ما يضمن التمثيل السياسي لكل الفئات". مضيفاً أن "الاجتماعات الرباعية لوزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في جدة ونيويورك ولندن رسخت هذه الجهود، ولا شك أن دعم نظرائهم من باقي دول مجلس التعاون الخليجي كان جوهريا في هذا السياق".


اما العمل على تعديل الخريطة فقد يتطلب وقتاً ودورة عنف جديدة تقود إلى معطيات جديدة للصراع، إذ إن إرضاء الطرف الحكومي ما لم يكن بتعديلات محدودة، سيؤدي إلى رفض الانقلابيين لأي خطة معدلة، وبالتالي تدور المفاوضات في حلقة مفرغة.
لذا من المتوقع أن يصعّد المجتمع الدولي من ضغوطه السياسية على الحكومة، وهي الضغوط التي كانت قد بدأت في الفترة الماضية ووصلت إلى حد التلويح بإصدار قرار من مجلس الأمن يفرض وقف النار.


تحذير


ويحذّر ولد الشيخ من أن "التصعيد العسكري بالصورة التي شهدها اليمن في الأسابيع القليلة الماضية هو أمر في غاية الخطورة فقد تصاعدت وتيرة العنف في تعز ومأرب والجوف وحجة وعلى المناطق الحدودية مع المملكة العربية السعودية، إذ زادت الهجمات بالصواريخ البالستية من حيث الكم والمدى". واشار الى أن "ما هو في قمة الخطورة أيضا استهداف منطقة مكة المكرمة بصاروخ بالستي، وهذا يعتبر تطورا خطيرا يؤثر على مجرى الحرب ويمس مشاعر ما يزيد عن مليار ونصف المليار مسلم في العالم". وأشار ايضا إلى استهداف السفن التي تبحر على مقربة من الساحل اليمني بالقصف معتبرا ان ذلك هو تهديد لأمن حركة الملاحة العالمية. وهذا خط احمر دولي لا يمكن المساس به.


الخطة يمكن أن تشكل أساساً للتفاوض ومخرج لكل القوة المحلية والاقليمية من عنق الزجاجة التي حشروا انفسهم فيهم، وربما تحتاج الى مزيد من النقاش لتطويرها، لكن بديلها في ظل عدم القدرة على الحسم، مواصلة الدمار الشامل. فهل يفيد الدرس الللبناني الآخرين لمرة واحدة؟ وهل تنزل القوى الاقليمية المتصارعة عن شجرة التحدي والمكابرة وتقدم نموذجا للمشاركة في حل الازمات المستعصية بدلا من مواصلة حروبهم المجنونة التي استنزفت البشر والموارد ولن يخرج منها رابح؟


[email protected]
Twiter:@amine_kam

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم