الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

بالصور: لبنان ودّع موسيقاره... المطران عودة: أحبَّ وطنه في زمن تخلّى فيه الكثيرون عنه

بالصور: لبنان ودّع موسيقاره... المطران عودة: أحبَّ وطنه في زمن تخلّى فيه الكثيرون عنه
بالصور: لبنان ودّع موسيقاره... المطران عودة: أحبَّ وطنه في زمن تخلّى فيه الكثيرون عنه
A+ A-

"يمكن يجي نهار يبكينا المشوار"، بهذه الكلمات ودّع اللبنانيون اليوم الموسيقار الكبير #ملحم_بركات في مشواره الاخير، فبرحيله سنفتقد مبدعا من مبدعي الاغنية الوطنية اللبنانية باللغة المحكية، وبرحيله يرحل من تواعد على حب الوطن، وتغيب قامة فنية مشرقة في عالم الفن.


من مستشفى "اوتيل ديو" الى كنيسة مار نقولا في الاشرفية الى مثواه الاخير في مسقطه كفرشيما سيمشي ملحم طريقه، تاركا الاغنية اللبنانية تترنح وتقول له: "من بعدك لمين الزهر بينحني وبتشرق لمين شمسك يا دني؟".


لقد سافر الى دنيا البقاء تاركا ارثا فنيا كبيرا من الالحان والكلمات والاغاني، سافر وبقي صوته الهادر كالشلال يلعلع في اذهاننا وفي محطاتنا.


وكان موكب الفنان الراحل بركات، وصل الى كنيسة مار نقولا في الاشرفية، تتقدمه صورة كبيرة للفنان بركات مكتوب عليها "بخاطركن"، واستقبل الجثمان بنثر الارز والورود.


وفي الكنيسة، ترأس مطران بيروت وتوابعه للروم الأرثوذوكس #الياس_عودة قدّاس راحة نفسه، وذلك في حضور حشد فني وسياسي وشعبي، إضافة إلى العائلة والمقرّبين. 


وفي كلمته، قال المطران عودة: "بالأمس عزف ملحم بركات لحنَه الأخير، ومشى في طريقه.


لقد كلّفني غبطة أبينا البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق أن أنقلَ للعائلة الكريمة تعزياتِه وأدعيتَه لكي يتقبَّلَ الربُّ الإله وديعَتَهُ ويُسكِـنُها ملكوتَه السماوي.
غصنٌ آخر من شجرة هذا الوطن ذوى، وقامةٌ فنيّةٌ كبيرةٌ رحلت أمس. فنّانٌ مشاكسٌ عُرف بموهبته الموسيقيّة وصوته العذب وألحانه الشجيّة غادَرَنا والوطنُ يغلي والمواطنون يئنّون.


ملحم بركات لم يكن يحتاجُ لألقاب. اسمُه صنوُ الفن والإبداع. موسيقاه زرعت الفرحَ في القلوب وألحانُه أطربت الجميع. أليست هذه ميزةَ الفن؟
الفنُّ لغةُ الروحِ وتعبيرٌ عن رهافةِ الإحساس. الفنُ لغةُ الإبداع، تلك النعمة المنزَلَة من فوق على بعض المختارين المنتَدَبين من ربِّ الكون ومبدِعِه للتعبير بفنّهم، بالشعرِ والموسيقى، والرسمِ، والنحتِ، والغناء، وما شابه، عن أسمى المشاعرِ وأرقِّ الأحاسيس. الفنُّ هو الرافعةُ التي تنتشلُ الإنسانَ من صغائرِ الحياةِ لتحلّقَ به في أرجاءِ الجمالِ. الجمالُ ليس عنصراً مادياً أو صفةً يُنعتُ بها شيء. الجمال في ذاته هو الله. يقول أفلاطون:" إنّ منبعَ كلِّ جمال هو جمالٌ أول ينفث، بمجرد وجوده، الجمالَ في كلِّ الأشياء التي نسمّيها جميلة". في كتابِ التكوين، كان مبدعُ الكونِ يرى عملَ يديه حسناً. الإبداع جمالٌ، تفوّقٌ، تحليقٌ في الأعالي ومن نصلّي لراحة نفسه اليوم كان ممن أبدعوا فحلّقوا. موسيقاه كانت تخترقُ القلوبَ وصوتُه يطربُ الآذان. الفنانُ الكبيرُ يكتنزُ حساً إلهيّاً. وجمال الآثار الفنية إنعكاسٌ للجمال المطلق، أو ما كان يسمّيه أفلوطين الفيض. الأثرُ الفني يكون جميلاً بمقدار ما يشترك مع الفكرة التي تفيض من الخالق. الفنّ إذاً هو ارتفاعٌ إلى الله".


وتابع: "ملحم بركات، ربيبُ الفنانين الكبار في قريته الصغيرة كفرشيما، عاشَ في الزمنِ اللبناني الجميل، وعاصرَ عمالقةَ الفنِ في لبنان والمنطقة، وعملَ مع المبدعين فأبدع. منذ شبابه أحبَّ الموسيقى وتتلمذَ على كبارٍ أمثال زكي ناصيف وتوفيق الباشا وفيلمون وهبة. تعاونَ مع الرحابنة وروميو لحود وغنّى مع فيروز وصباح وسلوى وغيرهنّ، كما وزع ألحانَه العذبةَ على العديد من المطربين.
أحبَّ لبنانَ حباً كبيراً، وغنّى له. كما بقي وفياً له وللغته اللبنانية، في زمنٍ تخلّى فيه الكثيرون عن وطنهم ولغتهم. معه انطوتْ صفحةٌ مشرقةٌ من تاريخِ الفن اللبناني، لكنّ عاشقَ الموسيقى هذا، وإن رحلَ بالجسد، سوف يبقى في ذاكرة هذا الوطن وفي وجدان أبنائه، صوتاً صادحاً يحملُ الفرحَ، وموسيقى راقيةً تخترقُ القلوب".


وأضاف: "ملحم بركات عاش حقبةً جميلةً من عمره في زمن الكبار، لكنه رحل في زمن انحطاطٍ كلّي، لعله أرادَ الهربَ منه إلى العالم الرحب، عالمِ الحقِّ والحريةِ والجمالِ، حيث يشاركُ الملائكةَ في تسبيحِ اللهِ وتمجيدهِ بالمزمار والقيثارةِ والألحانِ العذبةِ التي أبدعها.
الإنسانُ والإبداعُ الإنساني يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالحرية، والحياةُ في اللهِ هي الحرية. أن يكونَ الإنسانُ حراً يعني أن ينطلقَ من خلال الفعل الخلاّق، أي الإبداع، إلى تمام الوجود وكليّته، إلى اللامتناهي.


النشاطُ الإبداعي هو هذه الحركةُ نحو اللامتناهي والمتعالي، حيثُ تكتسبُ الأشياءُ عمقاً ومعنىً وطابعاً وأهميةً تتعارض مع الضحالةِ والتفاهةِ والغثاثةِ والسطحيةِ التي يتصفُ بها العالمُ الأرضي. هل تَعِبَ ملحم بركات من الضجرِ على هذه الأرض فحرّكه القلقُ الخلاّقُ، الذي ينتابُ المبدعين ويحرّكُ شوقَهم إلى الأبدية، ودفعه إلى التخلّي عن تفاهةِ هذا العالم وخوائه؟ لبنان يودّعه اليوم، واللبنانيّون، وسوف يغمرُه ترابُ كفرشيما التي أحب، لكننا، نحن المسيحيين، قياميون، نؤمنُ بيسوعَ الناصريَ الإلهَ القائمَ من بين الأموات، ونعيشُ على رجاءِ القيامةِ العامة، لذلك لا يشكِّل الموتُ بالنسبة لنا نهايةً، بل بدايةُ حياةٍ سِمَتُها الإنعتاقُ من صغاراتِ الجسدِ وتفاهاتِ العالم الفاني، إلى رحابِ الملكوت، حيث لا حزنٌ ولا وجعٌ ولا تنهد، بل حياةٌ لا تفنى".


وختم: "رجاؤنا أن يتقبَّلَه الربُ الإله في ملكوته ويغدقَ عليه رحمتَه العظمى، وأن يزرع فرحَه الإلهي والعزاءَ في قلوب أفراد عائلة ملحم وزملائه ومحبّيه.
باسم أخي المتروبوليت جورج مطران جبيل والبترون وما يليهما، وباسمي الشخصي، أعزي عائلةَ الفقيد ومحبّيه واللبنانيين جميعاً، سائلاً الرب الإله أن يغفر له ذنوبه وخطاياه "الطوعية والكرهية، التي بالقول والتي بالفعل، التي عن معرفة والتي عن غير معرفة" كما رتّلنا، وأن يتقبّله في ملكوته ويرحمه".


كفرشيما


ولاحقاً، وصل موكب جنازة الموسيقار إلى بلدته كفرشيما، الذي سيدخلها للمرة الاخيرة محوطاً بعائلته وابنائها ورفاق دربه.


وانطلق موكب الجنازة سيراً من مفرق كفرشيما وصولا الى مثواه الأخير في كنيسة مار بطرس وبولس حيث يدفن، وزينت الطريق بصوره رافعا يده ويقول "بخاطركن"، ولافتات كثيرة ومنها ما كتب عليها "يا ناحت اللحن بريشة الفرح"و "يا صوتا اسكر الخمر طربا وملأ القلوب عشقا".


ورافق الموكب عدد من الفنانين وعزف لأغانيه من فرقة موسيقى بسوس، "فهو لم يكن يريد ان يودع بالدموع بل بالموسيقى والفرح التي لطالما نشرهما بالحانه واغنياته".


وقدم السفير الفلسطيني في لبنان اشرف دبور التعازي لعائلة الموسيقار باسم رئيس دولة فلسطين محمود عباس في كاتدرائية مار نقولا ووضع اكليلا من الزهور باسم الرئيس عباس

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم