الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حرب خفيّة بين أنقرة وطهران في الموصل

المصدر: النهار
امين قمورية
حرب خفيّة بين أنقرة وطهران في الموصل
حرب خفيّة بين أنقرة وطهران في الموصل
A+ A-

اذا كانت معركة حلب ترسم مستقبل سوريا، فان معركة الموصل ايضا ترسم مستقبل العراق. وكلا المعركتين في المدينتين ترسمان مستقبل الاقليم. ومثلما تتسابق الدول الكبرى والاقليمية على كسب أوراق وحجز مواقع نفوذ في شمال سوريا، تشهد محافظة نينوى العراقية حرب خفية بين تركيا وإيران خلف سحاب النيران المشتعلة في الموصل.


ومع اختلاف الدول المحاصرة للموصل تبقى إيران قوة خفية ومؤثرة تقاتل من خلف الستار، إذ تعتبر من أقوى الجيوش الأجنبية الموجودة على الأراضي العراقية، والراعي الأول لميليشيات الحشد الشعبي التي تقاتل تنظيم "داعش". وفي المقابل أكدت تركيا الموجودة بقواتها ايضا على الارض، صراحة نيتها المشاركة في المعركة الدائرة خلف حدودها الجنوبية الشرقية بصفتها حامية للتركمان والسنّة العرب في العراق.
وفي رد على التدخل التركي في الموصل، أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء بروجردي أن "تركيا تريد بهذا التدخّل أن تؤكد بأن الموصل كانت تاريخيا تابعة لها، لذلك ركزت قواتها على أبواب الموصل من دون مشاورات مسبقة مع الحكومة العراقية، وهذا يُعدّ تعدٍ صارخ على الحقوق الدولية للعراق، ومن شأنه أن يعمق هذا التدخل أزمة عدم الاستقرار في المنطقة كلها".
وفي اليوم نفسه، وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني وجود كتيبة تابعة للجيش التركي في مدينة بعشيقة العراقية بأنه "خطير جدا" خصوصا عندما رفضت تركيا أن ترضخ لمطالب الحكومة العراقية بالانسحاب. مع العلم أن تركيا كانت قد دربت منذ شهرين كتيبة تابعة للبشمركة الاكراد الموالين لأنقرة وأخرى تابعة للعشائر العربية السنّية في محافظة نينوى.


وأثار هذا التدخل التركي غضب قادة الحشد الشعبي المدعوم من إيران، التي أوفدت ايضا خبراء عسكريين إيرانيين لمساعدة الحكومة العراقية على تجهيز خطة عسكرية تفضي إلى توحيد جهود الميليشيات مع الشرطة الاتحادية العراقية لتحرير الموصل.
وبينما تتمركز الشرطة الاتحادية في الجبهة الجنوبية للموصل فإن قوات الحشد الشعبي تنقسم الى وحدتين عسكريتين، الأولى ستتركز في الخط الثاني للجبهة الجنوبية للموصل تحديدا في بلدة الحويجة، أما الثانية فستتموضع في بلدة تلعفر الاستراتيجية التي تعتبرها تركيا خطا احمر بالنسبة الى امنها القومي وحماية حدودها. وتنوي أنقرة اقامة رأس جسر عسكري، على غرار ما فعلته في شمال سوريا بعملية "درع الفرات". أما إيران فتريد شقّ ممر لها إلى سوريا عبر تلعفر.


قد تؤدي معركة تحرير مدينة الموصل، إلى تصادم مصالح عدد من اللاعبين الإقليميين: العراق، إيران وتركيا. واذا كانت الاطراف الثلاث متّفقة على ضرورة طرد "داعش" من الموصل لكنهم ليسوا على اتفاق في شأن قضايا كثيرة اخرى.
ويلخص السفير الاميركي السابق في العراق زلماي خليل زادة أربعة عناصر أساسية لهذا الخلاف بين تركيا والعراق:
أولا: إن الحروب في كل من العراق وسوريا هي نتاج صراع جيوسياسي إقليمي حيث إن تركيا وإيران تشكلان لاعبين أساسيين في هذا الصراع، وتستغلان التوتر الطائفي والعرقي في المنطقة، وعلى رغم اتفاق أنقرة وطهران على كثير من القضايا الثنائية، فإنهما تتنافسان على النفوذ في كل من العراق وسوريا، ومن وجهة نظر تركيا فإن الخلاف مع بغداد ليس لوجود قوات تركية في بعشيقة، بقدر ما هو خلاف بين تركيا والحكومة في بغداد التي يهيمن عليها الموالون لإيران، فتركيا ترى أن الحكومة في بغداد قد تآكلت بفعل سنوات الحرب الأهلية والسياسات الطائفية التي اضطهدت من خلالها السنّة العراقيين والسنّة التركمان واستَعْدت الاكراد في العراق.


ثانيا: إن تركيا لا يساورها القلق في شأن مدينة الموصل فحسب، ولكن بشأن ما حول الموصل، حيث تقول إن إيران ترغب في إقامة بؤر استيطانية عند تقاطع المناطق العراقية السورية وتقاطع المناطق الكردية التركية، وإن سيطرة إيران على هذه المناطق تمنحها القدرة للتحكم بالاكراد بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء بالنيابة عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والأتراك يعتقدون أن إيران تسعى للحصول على ممرّ برّي إلى سواحل البحر المتوسط بسوريا ولبنان، وإن مدينة الموصل هي أقصر الطرق لتحقيق إيران لهذا الهدف، وتركيا تريد أن تمنع إيران من تحقيق هذا الهدف.
ثالثا: إن لتركيا علاقات تاريخية وثقافية مع الموصل ومع السكان العرب السنّة والتركمان السنّة فيها، وهناك شعور بين القادة الأتراك بأنه ما كان يجب التخلّي عن الموصل وشمال سوريا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ولدى بعض القيادات العربية الرئيسية في الموصل مثل عائلة آل النجيفي المؤثرة تقدير مماثل لتاريخ مشترك مع تركيا وإرادة لعلاقات أقوى معها باعتبارها عنصر توازن في التعامل مع المليشيات الشيعية وإيران، وسط الخشية من إجراء تغيير ديموغرافي وطرد التركمان من مناطق حول الموصل كما جرى في تلعفر.


كذلك فإن أنقرة أقامت علاقات جيدة مع الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، بما فيه الالتزام مع أربيل للدفاع عنها ضد أي تهديدات خارجية، حتى تلك التي تأتي من بغداد، كما حافظت على وجود قوات تركية في إقليم كردستان خارج بعشيقة.
رابعًا: إن تركيا تريد منع حزب العمال الكردستاني الانفصالي والذي تصنفه ارهابيا، من توسيع نطاق وجوده في شمال العراق، وأن هذا الحزب أسس وجودا في مدينة سنجار عندما شارك في استعادتها من تنظيم "داعش"، وأن تركيا لا ترغب في مشاركتها هذا الفصيل الكردي في معركة الموصل حتى لا يحقّق شرعية ويجعل من سنجار جبال قنديل جديدة ترهق الامن التركي بالعمليات العسكرية داخل الاراضي التركية.


وبين هذا كله يبدو الموقف الاميركي محيرا تماما، فواشنطن من جهة تريد مساعدة العبادي في معركة الموصل لتقليل اعتماده على إيران، لكنها لا تستطيع منع الحشد الشعبي من المشاركة نظرا الى الحاجة الماسّة لفاعليته العسكرية وإرضاء الاحزاب الشيعية الكبيرة في العراق. ومن جهة اخرى لا ترى فائدة من مشاركة تركيا في المعركة الدائرة حاليا، بل إن واشنطن ضغطت على كردستان العراق كي يطلب من تركيا سحب قواتها من بعشيقة، لكنها لم تنجح في مسعاها. لكنها في الوقت نفسه تشارك أنقرة في القلق إزاء التطلعات الإيرانية وإزاء خطر المليشيات، خشية حصول ارتكابات في الموصل قد تؤدي إلى حرب طائفية حتى بعد طرد "داعش".


وبدلا من أن تستخدم الولايات المتحدة الديبلوماسية بين تركيا والعراق لإيجاد ترتيبات تسهل عملية استعادة الموصل من تنظيم "داعش" وإعادتها الى كنف الحكومة المركزية في بغداد، من دون ان تحرج العبادي أو تجعله يزيد من اعتماده على إيران، ومن دون ان تمنح تركيا تسهيلات حتى لا تقع المدينة ومحيطها في قبضة أنقرة سياسيا، فإنها تقول شيئا وتفعل عكسه الامر الذي يعزّز الارتباك ويطرح الكثير من الاستفهمات والاسئلة عن النيات المبيتة. ومع كل خطوة الى الامام من الحشد الشعبي نحو أطراف الموصل تجد تركيا نفسها مجبرة على التدخّل أكثر وأكثر الى حد المشاركة المباشرة في القتال كما فعلت في شمال سوريا عبر "درع الفرات". فقد قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان صراحة في خطابه في 19 تشرين الأول في المجمع الرئاسي بأنقرة: "اعتباراً من الآن، لن ننتظر المشاكل لتدق أبوابنا، ولن نصبر على المخاطر والتهديدات حتى تصل إلينا، إنما سنسير باتجاه المشاكل بأنفسنا، فمثلاً لدينا مشكلة الإرهاب، لن ننتظر التنظيمات الإرهابية لتهاجمنا، إنما سنهاجم المناطق التي تختبئ فيها تلك التنظيمات، وسندمر قواعدهم فوق رؤوسهم، وسنجتث جذور كافة الأطراف الداعمة لها".
وهكذا وفي ظل عدم وجود تفاهمات معلنة، يصير احتمال وقوع اشتباك بين القوات التركية والقوات العراقية لا سيما منها المدعومة من إيران، ممكنا او شبه وشيك. إلا اذا كان الطرفان متفقان ضمنا على اقتسام العراق حصصا، وما يجري ما هو الا إخراج متقن قبل إسدال الستارة على المشهد الاخير.


[email protected]
Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم