الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

الحلم المستحيل لليبرمان

رندة حيدر
الحلم المستحيل لليبرمان
الحلم المستحيل لليبرمان
A+ A-

الحملة الشعواء التي شنها الاعلام العربي على المقابلة التي أجرتها صحيفة "القدس" الصادرة في رام الله مع وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، واتهام الصحيفة بـ"التطبيع" مع العدو وترويج أفكاره، هي نموذج من التخبط والارتباك اللذين يعانيهما الاعلام العربي اجمالاً في التعامل مع الشأن الإسرائيلي، وعمليات التخوين التلقائي لأي طرف يجرؤ على خرق قواعد وضعت سلفاً للتعامل مع إسرائيل تحولت مع مرور الوقت الى محرمات من دون اعادة النظر فيها في ضوء التغيرات الهائلة التي يمر بها المجتمع الفلسطيني.


لقد قامت صحيفة "القدس" بخطوة جريئة دفعت ثمنها اعلامياً، لكنها من جهة اخرى أسدت خدمة كبيرة الى المهتمين بتطورات الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لأنها كشفت ما يعتمل في رأس وزير دفاع العدو ونياته حيال الشعب الفلسطيني ورؤيته لمستقبله. لقد قدمت المقابلة صورة شبه كاملة للرؤية الاستراتيجية لوزير الدفاع التي قد تختلف في بعض التفاصيل عن رؤية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لكنها بحد ذاتها خطيرة ومثيرة للقلق.
واذا ما وضعنا جانباً العرض الاستعراضي الذي قدمه لسكان غزة بتحويل القطاع إلى سنغافورة أو هونغ كونغ جديدة شرط أن تتخلى حركة "حماس" عن سلاحها، وهو اقتراح غايته تحريض الغزاوية على "حماس"، تبدو كل المواقف الأخرى لليبرمان تحريضية ومعادية للشعب الفلسطيني بصورة عامة. ففي المقابلة حرّض ليبرمان على محمود عباس واعتبره العائق الأساسي في وجه التوصل إلى حل، وحاول التملص من الاجابة عن موقفه من الوريث المحتمل لزعامة عباس على رغم المساعي التي تبذلها إسرائيل في الخفاء على هذا الصعيد تحضيراً لمرحلة ما بعد محمود عباس. كما حرّض ليبرمان على السكان العرب في إسرائيل ودافع عن فكرة تبادل السكان بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة، وعن البناء في المستوطنات اليهودية معتبراً أنها تجري ضمن نطاق القانون.
يبدو ليبرمان في المقابلة من الإسرائيليين الذين يعتقدون أن حل المشكلة الفلسطينية والقضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني يكون بتحسين ظروف حياة هذا الشعب في الضفة وقطاع غزة. والمعادلة التي يطرحها بسيطة: الرفاه الاقتصادي للفلسطينيين مقابل الأمن للإسرائيليين. هذا هو الدرس الاساسي الذي تعلمه ليبرمان من الربيع العربي، ففي رأيه الذي دفع الجماهير العربية الى التظاهر في القاهرة وتونس وليبيا هو البطالة والضائقة الاقتصادية وليس النزاع مع إسرائيل. وعندما تتحسن حياة الفلسطينيين سيصبحون أكثر رغبة في السلام.
لقد فضحت صحيفة "القدس" في مقابلتها مع ليبرمان عمق الانكار الإسرائيلي للمشكلة فلسطينية، وتحكم إسرائيل بحياة الشعب الفلسطني، وبعملها هذا تستحق الصحيفة الشكر لا التنديد.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم