الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الله يرحمك يا ريمون إده!

عقل العويط
عقل العويط
الله يرحمك يا ريمون إده!
الله يرحمك يا ريمون إده!
A+ A-

أتريد أن تصبح رئيساً للجمهورية، أو رئيساً للحكومة، أو رئيساً لمجلس النواب، أو وزيراً، أو نائباً، أو صاحب ثروة؟ خذْ بيديكَ الإثنتين، وبأسنانكَ، وبقوّة، كتاب "الأمير"، وافتحْ أوراقه صفحةً صفحةً، لتقرأ سرّ الوصفة التي تمكّنكَ من تحقيق الغاية المنشودة. لإجراء المقتضى، ليس عليك، والحال هذه، إلاّ أن تشلح ثيابك، وتنتظر. هذه هي في المختصر المفيد، "كلمة السرّ". فاحفظْها جيّداً، وطبّقْها جيّداً، وامشِ بين الألغام، بتؤدة، لكنْ بثبات، تَفُزْ بكرسيّ الفخامة، أو بكرسيّ الدولة. وبالأسماء والأوصاف كلّها.
كان على ريمون إده أن يشلح ثيابه ليصبح رئيساً. لكنه أبى أن يتعرّى، و"يمشي بالظلط". لم يفعلها ريمون إده، كما جرت العادة من قبله، ومن بعده. عُرِضت عليه الرئاسة، أكثر من مرّة، فنظر إليه من منظار مواصفاته ومبادئه، ومن علياء كرامته، فلم يجد بدّاً من أن يبصق عليها. وقد بصق بالفم الملآن، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، في الداخل، كما في الخارج القريب والبعيد. هذه حادثةٌ نادرةٌ، غير متكررة في السياسة اللبنانية. إذ ليس غريباً في أخلاقياتنا "الوطنية" أن يقلب الزعماء السياسيون - الغالبية الساحقة من الزعماء السياسيين - مواقفهم رأساً على عقب.
نام حميد فرنجية يوماً، وهو ضامنٌ الأكثرية النيابية في جيبه، ليستيقظ في صباح اليوم التالي، وقد تبخّر المؤيّدون، بعدما وصلتهم "كلمة السرّ"، فغمسوا عهودهم في كأس الخيانة، ومسحوا شواربهم في مياه المراحيض.
في المشهد السياسي، عشية انتخاب رئيسنا المرتجى، يمكننا رؤية ما يأتي: "الإبراء المستحيل" أصبح ممكناً، بل واجباً؛ "وان واي تيكيت" أصبح "تو وايز تيكيتس"؛ عدوّي أصبح حليفي؛ عدوّ عدوّي أصبح حليفي الموضوعي، ولِمَ لا شريكي في الصفقة المرموقة. وهكذا.
نادراً ما شهدت الحياة السياسية اللبنانية زعماء أخلاقيين، قِيَميين، وغير انتهازيين. مَن كان منهم متشدداً وصارماً حيال المسألة الأخلاقية، ذهبت معاييره أدراج الدعارة السياسية الرخيصة. هذا شأن تقليدي راسخ في معايير "السياسة"، وفق مفهوم البزنس الفينيقي المتأصل في نفوس غالبية اللبنانيين، وفي نفوس جلّ زعمائهم وسياسييهم. هؤلاء، ما شاء الله، ملمّون بـ"الأصول" التي نادى بها الأمير ماكيافيلي، في كتابه المشهور. ما نشهده اليوم، من اتّجارٍ بالشرف، إنما هو مسألة "سياسية" بحتة. مئة في المئة. ولا عجب البتّة.
والحال هذه، ليس غريباً أن يُنتخَب ميشال عون رئيساً. كما ليس غريباً في الآن نفسه – مَن يدري!؟ - أن ينقلب عليه المنقلبون، فيُنتخَب غيره، أو يتواصل التأجيل والفراغ.
الله يرحمك يا ريمون إده!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم