الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الألمان القدامى يغزون لبنان بالملابس البافارية وفي يدهم زجاجة "بيرة"

المصدر: "النهار"
م.ب.
الألمان القدامى يغزون لبنان بالملابس البافارية وفي يدهم زجاجة "بيرة"
الألمان القدامى يغزون لبنان بالملابس البافارية وفي يدهم زجاجة "بيرة"
A+ A-

لأنها تلبننت، قد لا يعي كثيرون أنها سافرت مع حمولة البواخر العائدة من القارة العجوز لتبرز على شكل فكرة جديدة استقرّت في خمّارة. إنها الجعة، أو ما تعرف لبنانياً بمشروب البيرة، الأكثر شعبيّةً في صفوف الشباب. نجحت شركات التصنيع اللبنانية في إيجاد هويّةٍ خاصة لهذا المشروب، حتى بتنا نخال أن للجعة علاقة وطيدة بالأرزة والعلم والتاريخ والخريطة. ربما ما كرّس هذا الاعتقاد، هم اللبنانيون بذاتهم. بحبّهم للحياة وعشقهم لسهر الليل، وتسلّحهم بالأمل وتطلّعهم الدائم نحو الايجابية. هذا من وجهة نظرةٍ عاطفية. تاريخياً، البيرة مشروبٌ مدلّل، وُلد في ألمانيا. قلنا مدلّل، لأن أكثر من 6 ملايين شخص يشربون "نخب النخب"، في اطار مهرجانٍ يُعتبر من أهم الفاعليات السنوية التي تشهدها مدينة ميونيخ الألمانية بمشاركة سائحين يتوافدون من كل الأقطار الاوروبية مع بداية شهر تشرين الاول من كلّ سنة. وها هو اليوم، يتدلّل في لبنان، مع انتقال المراسم الاحتفالية الخاصة بـ"أوكتوبرفرست" الى أكثر من منطقة ووجهة لبنانية، من أبرزها الجامعة اللبنانية الألمانية، باعتبار "أوكتوبرفرست" تقليداً سنوياً اعتنقته الجامعة منذ نشأتها على الأراضي اللبنانية قبل 7 سنوات من اليوم.


وكانت الجامعة اللبنانية الألمانية قد نظّمت النسخة الأخيرة من "أكتوبرفرست" بالاشتراك والتعاون مع طلاب المدرسة الألمانية في لبنان في اليوم الأول من شهر تشرين الأول الماضي تيّمناً بفحوى المناسبة. مع فارق واحد، أن النسخة الألمانية من المهرجان تستمرّ ستة عشر يوماً متواصلاً، في حين أن النسخة اللبنانية منه تختصر بيوم واحد. وتشير مسؤولة شؤون الطلاب في الجامعة اللبنانية الألمانية السيدة فيوليت عشّي في حديثٍ لـ"النهار" الى "أننا ننظم مهرجان البيرة سنوياً في الجامعة اللبنانية الألمانية وهو يعتبر نسخة عن المهرجان نفسه االذي يحدث في ألمانيا. تأتي شركات البيرة التجارية الموجودة على الاراضي اللبنانية لتوزّع منتوجاتها على الطلاب والحاضرين في المهرجان. فيما الغاية تتلخّص بالتعريف بالعادات والتقاليد والثقافة الالمانية".


وفي سردٍ لتفاصيل الاحتفال، يبادر المدعوون الى ارتداء الملابس الالمانية التقليدية ويرقصون على أنغام الأغاني الألمانية بمشاركة فرق غنائية متعدّدة، اضافةً الى تنظيم مسابقات وألعاب لها علاقة بثقافة الشعب الألماني. يوزّع مشروب الجعة على الحاضرين الى جانب المأكولات الألمانية المتعارف عليها. "ينتظر طلاب الجامعة الحدث سنوياً وباتوا يعتبرونه مفصلاً أساسياً من مفاصل حياتهم الجامعية، كما أنه محفّزٌ للطلاب الجدد للتعرّف إلى الثقافة الألمانية خصوصاً أننا في النهاية نعتبر جامعة تابعة للدولة الألمانية. هذا فضلاً عن حضور الأهالي وكلّ من يرغب في المشاركة في المهرجان مجّاناً. هذا ما أعطى الجميع زخماً اضافياً للمشاركة"، تقول عشّي. اضافةً الى الجامعة اللبنانية الألمانية، نظّمت العديد من الشركات والفاعليات والبلديات مهرجان البيرة في لبنان، منها مهرجانات الذوق والمدرسة الألمانية التي كانت تتفرّد في مهرجان خاص سنوياً فضلاً عن العديد من القرى التي باتت تختار الاحتفال بمهرجاناتها على الطريقة الالمانية. هذا ما جعل من هذا النشاط أكثر رواجاً في لبنان في الأعوام الأخيرة.


تقليد يعود الى الحضارة البافارية
يعتبر مهرجان الجعة جزءاً لا يتجزأ من الحضارة البافارية وهو يقام منذ عام 1810 ويستهلك خلاله سنوياً أكثر من 7 ملايين ليتر من البيرة خلال 16 يوماً. ويرجع تقليد المهرجان تحديداً إلى حفل زفاف ملك بافاريا لويس الأول من تيريز فون ساشن هيلدبورغهاوزن في الثاني من تشرين الأول 1810. وعادةً ما يستهلك ما يقارب الـ200 رأس ماشية سنوياً في ظلّ المهرجان، في حين أن بعض المطاعم تعمد الى تقديم وجبات نباتية لروّادها. ومن أبرز المأكولات التي يتم تقديمها خلال المهرجان، هناك الدجاج المقلي ولحم الخنزير المشوي والنقانق وفطائر البطاطس ومخلّل الملفوف. وفي حين أن الحوادث العرضية فرضية محتمة في اطار مهرجان يضم أكثر من 6 ملايين شخص، الا ان عدد الاصابات الناجمة عنه تنخفض بشكل تدريجي سنوياً، ووصلت نسبة انخفاض الأشخاص الذين احتاجوا الى مساعدة طبية في السنوات الثلاث الأخيرة الى 20%.


وتتنوع أسباب الحاجة الى خدمات طبية منها التسمم الغذائي او الشجارات التي تحصل بشكلٍ فجائي بين الحشود، الا أن عددها يحصر بمئات الحالات. وتصل عمليات تدخّل الشرطة سنوياً الى نحو 2000 عملية تدخّل، تشمل حالات سرقة واعمال شغب. ونظراً لشهرته الذائعة الصيت في العالم، بات مهرجان البيرة يشكّلأ حدثاً سنوياً في أكثر من دولة في مختلف القارات، من أبرزها أوستراليا والصين والبرازيل وروسيا وكند والولايت المتحدة الأميركية.وقد احتفل الالمانيون بمهرجان البيرة في الاسبوعين المنصرمين لأول مرّة وسط اجراءات امنية مشدّدة خوفاً من الاعمال الارهابية التي شهدتها أكثر من مدينة اوروبية في العامين المنصرمين. وتعزّزت نقاط التفتيش للزوار من كافة أنحاء العالم، والذين يزورون ميونيخ للمرة الأولى بهدف مشاهدة كيفية استهلاك البيرة في الخيم. وحصّنت المدينة بسورٍ طوّق مكان الاحتفال بغية المحافظة على السلامة العامة. وزاد عديد الشرطة التي تولّت اعمال الحراسة والمراقبة في المدينة 100 شرطي عن العام المنصرم وبلغوا 600 شرطي، فضلاً عن وجود أكثر من 30 كاميرا مراقبة في المكان. وتوقّع المنظمون أن يتم بيع أكثر من 7 ملايين من البيرة خلال الاحتفالية التي استهلت ككل عام بعرضٍ تقليدي للعربات والملابس البافارية.


رغم هويّته الألمانية، الا أن مشروب الجعة أو البيرة بات حائزاً الجنسية اللبنانية بجدارة. جاء ذلك بعد تفوّقه على أبرز أنواع المشروبات المتعارف عليعها في لبنان، الكحولية منها وغير الكحولية. يقال إن تلك الزجاجة تستمد شعبيتها من شعبويتها. مشروب البيرة مشروب شوارعي شبابي بامتياز، كأنه مرآة شعب. بعضهم يتغنى بفوائده الصحية، والبعض الآخر لا يعلم سبب انحيازه الى هذا المشروع بالتحديد. أما عشاقه الأكثر ولاءً لطعمه، فيدلون بتصريح أكثر جرأة. يقولون إنك لا تحتاج لأكثر من ألفي ليرة لتشتري السعادة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم