السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

هل من تفسير موّحد لمن هو العدو والعميل ؟

ريمون عبود
A+ A-

في آخر اتصال مع العميد الضمير ريمون إدّه قال: "لبنان الذي نعرفه انتهى، ولا تتعاطوا السياسة في لبنان لأنّو ما في وفاء". أجل هذا ما نلمسه اليوم. الهوّة تتّسع والخلاف يتعمّق حتى على الأمور البديهية. هناك شبه إجماع! على أنّ اسرائيل هي العدو التاريخي للبنان، منذ نشأتها لها مخططاتها وأطماعها التوسعيّة، فاغتصبت أرض فلسطين وشرّدت شعبها، وتحمّل لبنان تبعات غطرستها وتخاذل الأنظمة العربية الديكتاتورية. بعد هزيمة 1967 المدوّية والتي سمّوها نكسة لتخفيف الوطأة. إنعقد مؤتمر الخرطوم وأطلق اللاءات الثلاث: لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات.
هذه الشعارات والمزايدات أسقطها أنور السادات باتفاقية "كمب ديفيد". أعطى ذلك مبرّراً أو أسباباً تخفيفيّة لكل من تراوده نفسه التقارب أو الصلح. لا نبرّر لأحد، بل نستعرض مع موقفنا المبدئي بأن لبنان آخر من يوّقع صلحا" اذا كان لا بدّ منه. أحياناً يحشر الانسان في الزاوية فتسقط الاعتبارات حفاظاً على الاستمرارية والوجود، فيضّطر الى التعاون مع الشيطان، هذا ما ردّده الشيخ بيار الجميل خلال حرب السنتين. أمام تجاوزات الفلسطينيين واستباحتهم كل شيء. وهذا يتحمّل مسؤوليته من وّقع اتفاق القاهرة من قيادات اسلامية ديماغوجية ومسيحية لطموحات رئاسيّة، فخلال الاجتياح الاسرائيلي 1982 بعد أن ضاق الناس ذرعاً رفعت إحدى القرى الشيعية لافتة تقول: "أهلاً بالجيش الاسرائيلي". بعد انسحابهم وخوفاً من الانتقام نزح بعض الجنوبيين الى اسرائيل، وما زالت مشكلتهم عالقة، رغم ما لحظته ورقة التفاهم بين عون ونصرالله. من المفارقات رؤية شمعون بيريز في المختارة، وشارون في بكفيا، والنائب السابق جان عزيز يرفض استقبال ضابط اسرائيلي في دارته. الخلاف الاساسي على تفسير ما هو العدو والعميل. كميل شمعون بدأ حياته السياسيّة فتى العروبة الأغرّ مدافعاً عن القضية الفلسطينية ينخرط في حلف بغداد والحرب الأهلية بعد أن كان زعيماً على صعيد الوطن، ينهي حياته تحت راية بشير الجميل! من قصف الأشرفية وحاصر زحلة من منطلق أخوي، وأذّل اللبنانيين ومارس الظلم والقهر، ماذا يصنّف؟ محمود درويش كال الشتائم لأميركا ليعود ويذهب اليها لاجراء عملية جراحيّة. شباب "فتح" عندما طاردتهم "حماس" في غزة لجأوا الى اسرائيل، فظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً... عند اغتيال الرئيس الحريري، أطلّ ميشال عون على التلفزيون الفرنسي واتهم النظام السوري. لاحقاً بعد تحالفه مع "حزب الله" والنظام وتخلّيه عن شعارات السيادة، وبعد توالي التفجيرات والاغتيالات كان يصرّح انتظروا انتهاء التحقيق. لماذا تراجعت التفجيرات بعد اتفاق الدوحة؟ بعد صدور القرار الاتهامي بقضية تفجير المسجدين، التزم عون صمت أبي الهول، مع كل القوى التي تدور في الفلك السوري. لا استنكار، لا ادانة، إلاّ بعض مواقف خجولة من قوى طرابلسيّة وذلك لدواعي مزايدات طرابلسيّة وسنيّة. وسمعنا من تكلّم على فبركة ومسرحية. ما يؤسف له انتفاء الحسّ النقدي، فترى المثقّف يطبّل للزعيم كأي مواطن. ومن كان يحمل أفكاراً تغييرية، عاد وانضوى تحت لواء عشيرته طلباً للحماية. هناك نوع من الارهاب الفكري لفرض الرأي الواحد، والحماية المذهبية تمنع المحاسبة، المرتكب يحتمي بمذهبه، ومن يمارس عمله بشفافية يسخر منه. من كان ينادي بالاصلاح والتغيير، تحوّل الى الخطاب المذهبي والعنصري. ينادي بالديموقراطية ويمارس ديكتاتورية داخل تياره، ينادي بالشراكة ويتفرّد برأيه. نجح "حزب الله" في صرف الأنظار عن الصراع السنّي والشيعي ودفع التيار الوطني الى تسعير الصراع مع تيار المستقبل ليتحوّل الى صراع سني - مسيحي. انها حرب بالواسطة اتقنها النظام السوري واخذها عنه "حزب الله". ونجح في خرق الطوائف عبر سرايا المقاومة، كما فعل ياسر عرفات. لا أحد ينكر تضحيات الحزب في تحرير الجنوب، وفي الوقت نفسه لا يمكن اغفال تضحية المقاومة الوطنية التي حرّرت القسم الأكبر في الأرض. لا بدّ من الخروج من عامل الخوف الذي فرضه حكم الوصاية وتثبيت مفاهيم خاطئة. إذ لا يمكن اغفال قرار الحكومة الاسرائيلية بالانسحاب من الجنوب، من حرّر الجنوب لماذا عصت عليه مزارع شبعا؟ استفاق عليها لاحقاً كورقة ابتزاز تبرّر الاحتفاظ بالسلاح والقيام بأعمال تذكيرية، حيث الأولوية حماية نظام بشار ليستمر ويحكم الدمار. تبقى الاشارة الى أنّ النظام الطائفي لم يعد اداة صالحة ولا يلبّي طموحات المسيحيين الذين همّشتهم السلطة البعثية والشركاء الذين يتهافتون على تناتش تركة المارونية السياسية أمام خيارات شركائهم المتعبة: السني باستقوائه بالناصرية والفلسطيني والسعودي وتمسّكه بمكتسبات الطائف الذي فُرض على اللبنانيين والشيعي المستقوي بايران والسلاح، وما لم يعطه له الطائف انتزعه بالقوة فصادر صلاحيات الرئيس ورئيس الحكومة في تشكيل الحكومة وفرض الثلث المعطل. يبقى خيار المسيحيين: الدولة المدنية، أو لامركزية موسّعة، أو العودة الى النموذج الفينيقي، اي المدينة الدولة، لتدبير امور المواطنين من المياه والكهرباء والنفايات وهي من البديهيات. لأن نمط الحياة يتبدّل بين منطقة وأخرى، منطقة تحرّم الاختلاط ومنهمكة بتشييع قتلى يسقطون مجانا" والخلاف أيضاً على من هو الشهيد، ومنطقة اخرى تصرف وقتها في الحفلات والسهر الصاخب. كيف تركّب البلد وتجمع هذا مع ذاك. غياب الاحزاب العلمانية، عزّز المذهبيّة، والإصرار على المناصفة الفعلية يعني إلغاء هذه الاحزاب نهائياً، وما يريده عون وجعجع أن يتحوّل "تيار المستقبل" (رغم مآخذنا عليه التي لا تعدّ ولا تحصى من إستئثار وارتهان) العابر للطوائف والمناطق الى تيار سني. لم ينجحا في اختراق الطوائف وتشكيل تكتلات متنوعة كما فعل كميل شمعون وريمون اده، فاختارا التقوقع والانكفاء كل الى عرينه تحت شعار "كل ديك على مزبلته صيّاح".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم