الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"لو كان موسى الصدر في بيروت لما ذهب الخميني إلى باريس"

علي الحسن - طبيب
A+ A-

الامام موسى الصدر، بعد مرور 38 سنة على الغياب، ورغم عاطفتي الجامحة نحو هذا الثائر، تجنبتُ الكتابة خوفاً من أن انزلق إلى العاطفة وأسترسل في المديح وألا ألعب دور المؤرخ، رغم معلوماتي الكثيرة، خاصة في عملية الدعوة لزيارة ليبيا، والمعلومات المستقاة منذ تغيبه. ترددتُ كثيرا لأن التاريخ والتأريخ قد يكونا ظالمين.


نحنُ بشر، والبشر معرضون للخطأ في الروايات والذاكرة أو النوايا، وما أكثر النوايا السيئة التي تحاول طعن التاريخ، وتحديدا ما قرأت في الاعلام في الاونة الاخيرة! أما عن دوره في المقاومة في لبنان، فسأكتفي بقولَين لِمَن شارك فيها. يقول حسن نصر الله، سيد المقاومة، إن الإمام الصدر هو قائد لبناني ورمز الصحوة في لبنان، والذين صنعوا النصر هم أبناء موسى الصدر. أسس لفكر المقاومة وحمَلَ السلاح قبل أن يكون الجنوب محتلاً. أعاد الدين إلى السياسة، والسياسة إلى الدين. تعلمنا منه أن الارض لا تُستعاد الا بالسلاح.
ويقول الرئيس نبيه بري إن "لبنان سلك الطريق الذي رسمه الإمام، وتحت ظل عباءتك انتصر الوطن". لن أضيف شيئاً أو أدخل في تفاصيل ومعلومات سجلها تاريخ الإمام في إطلاق الثورة، يعرفها القريب والبعيد، المحب والمبغض، وما أكثرهم. لقد علمنا الصدر أن الساكت عن الحق شيطان أخرس. علمنا قول الحقيقة من دون الخوف من لائمة لائم. كما علمنا ان نفي بالوعد ولا ننقض الميثاق. "ربنا لا تؤاخذنا إن أخطأنا أو نسينا".


دور الامام في الثورة الإيرانية
يقول كلبكاني، أحد كبار الثوار الايرانيين، كان الإمام أمة ولم يكن واحداً. إنه من نواة الثورة الإيرانية التي شكلها الإمام الخميني ولم يكن من حوله لا يتجاوز عددهم العشرين شخصاً، وهم أصل وحجر الأساس. والإمام الصدر كان في الصف الاول من بين هؤلاء، وهم المخططون للمستقبل وواضعو أسس الثورة.
المستشرق الألماني ديتريش دتيل المعروف عالمياً باهتمامه بالشرق والإسلام في مجلده بعنوان "الحرب المقدسة لأجل الله": "إن دور موسى الصدر هو الشرارة الأولى التي أدت إلى قيام الثورة الإيرانية. تحركه من لبنان إلى الدول الأوروبية، كان الجزء الأكبر منه لتنظيم الثورة". ويستطرد :"العلاقة العضوية بين الإمام الصدر وجميع ثوار الخارج، أيا يكن انتماؤهم سيان لأي فريق من المقاومة. كان الامام يهيئ الاتصال بين الثوار والإمام الخميني في العراق".
بعد إقامة حفل ذكرى للفيلسوف الإيراني اليساري علي أكبر شريعتي، سحبت إيران الجنسية الإيرانية من سماحته. وفي إحدى زياراتي له سألته هل كان هذا العمل ضرورياً، أجابني بالابتسامة: "والله والله والله يا دكتور علي، سأسحب العرش من تحت رجليه". متى؟ وهل سنحتفل معاً؟ أجاب :" نعم، نعم، وفي وقت قريب جداً". وكان ذلك قبل مدة قصيرة، ربما أقل من سنة واحدة من زيارة ليبيا، وبقي الإمام في ليبيا، والله أعلم، ولكنه بقي في قلبنا و ضميرنا هداية ومنارة...
نعم لقد بقي دور الإمام الصدر في نجاح الثورة الايرانية المباركة غير معروف بتفاصيله، وسأحاول باختصار ما استطاعت إليه سبيلاً أن أتكلم على أشياء موثوقة. وسأبدأ تاريخياً، ومن بعض المجلدات الأوروبية.
1- بعد انتقال الإمام الخميني إلى فرنسا، وطيلة إقامته، أحاطت به مجموعات من الثوار، أولها "حركة تحرير إيران" التي كان الإمام الصدر الأب الحقيقي، لا بل أكبر مؤسسيها.
2- الوزارة الأولى ألفها الإمام الخميني كانت برئاسة مهدي بازركان، رئيس "حركة تحرير إيران". وكانت تألفت بأكثريتها الساحقة من أبناء الحركة المذكورة. وتولى صادق الطباطبائي منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، وهو ابن شقيقة الإمام الصدر ومن أوائل المجاهدين في أوروبا، إلى أسماء كثيرة منها الدكتور يزدي وزيراً للخارحية، ثم الدكتور قطب زاده وسواهما. وكلهم تلامذة الإمام الصدر وأبناؤه الذين كانوا يمضون أوقاتاً طويلة في ضيافته في بيروت.
3- لقد أسر الإمام الخميني للدكتور صادق الطباطبائي أنه "لو كان خالكم في بيروت لما أتيت إلى فرنسا"، وكان يجلس دائماً في أكثر الاجتماعات في باريس إلى يمينه.
4 - الدكتور مصطفى شمران (صاحب الدور الأول والأكبر في إعداد المقاومة الإيرانية وتدريبها مع التخطيط الدائم للثورة، وتحت إشراف الصدر لسنوات طويلة) استقبله على المطار مخاطباً إياه: "نعمتان حلتا على ايران، نجاح الثورة وقدومكم إلى ايران". وكان الإمام الخميني اختاره مستشاراً له ووزيراً للدفاع، وهو قتل على الجبهة الإيرانية خلال زيارته لها، برصاصه من الخلف؟! من الجهة الايرانية!
وأخيرا اود أن أختم عن دور الامام الصدر في هذا المجال بما قرأته في الأسبوع الأول من أيلول في جريدة "زي فلت" الألمانية في عدد من عام 1978 خلال اشتعال الثورة، وفيه "هناك شخص يدعى موسى الصدر هو المؤهل لخلافة الشاه".


زيارة الإمام ورفيقه لليبيا
هنا أعود مرة جديدة للذاكرة وما تختزنه مما قيل ويقال عن الزيارة المشؤومة! كان لقاؤنا الأخير في منزل اللواء زين مكي للتعزية بشقيقه وكان ذلك في 25 آب 1978. وعلى درج المنزل أخبرني الإمام بزيارة ليبيا، بعد زيارته دمشق والجزائر. خاطبني: "بما أنك والشيخ محمد يعقوب والأستاذ نبيه بري مسؤولو العلاقات اليسارية والعربية والفلسطينية، يجب أن تكونوا معي في زيارتي. (وغاب بري في نيويورك بمهمة حركية في الأمم المتحدة). وأنا أتمنى ان تهيئ جواز سفرك صباح الغد". فاعتذرت عن الذهاب، فابتسم وقال: "هذا أمر حركي". عندها أبتسمت وقلت: "لم تعودنا إلا على الشورى من خلال النقاش والاقتناع". وأردفتُ أني مرتبط بتاريخ 31 آب في محاضرة في فرانكفورت. قال: "عال سأترك ليبيا في 29 الجاري، وقبل الفاتح من أيلول نكون معاً في ألمانيا. واقترحت الدكتور مالك بدر الدين الصديق والحبيب، وكان مصاباً بالديسك، وكانت الزيارة من نصيب الاستاذ عباس بدرالدين. وعدتُ من ألمانيا بعد الاخبار المقلقة، فالاتصالات معهم كانت محدودة، إن لم نقل مقطوعة. ولعل ما سمعناه من السفراء العرب والأوروبيين كانت مربكة، باستثاء السفير الفرنسي الذي قال :"فتشوا عمن وضع الفريسة في فم الأسد".
وأخبرني الأخ الدكتور مصطفى شمران عن معلوماته التي عاشها حين مرافقته السيد موسى إلى الجزائر ودور مريب لشخص يدعى هوفمان، وهذا الشخص تربطه صداقة متينة مع المعارضين الإيرانيين (الحزب الجمهوري الاسلامي)، القذافي، واليسار اللبناني ومع الفصائل الفلسطينية في بيروت... و لن أزيد!
وبعد عامين اجتمعت بالمستشرق الألماني ديترش دتيل، أخبرني بالتفصيل عن الزيارة، وما كتبه في مجلده "الله فوق أرض الشرق". الزيارة كانت مقررة بتاريخ 22 آب برفقة عضوين أساسيين في "حركة تحرير إيران"، بتاريخ 24 منه تلقى الإمام رسالة من صادق، هي من قطب زاده يعتذر عن الذهاب بسبب مرض بسيط ألم به. وعين موعداً جديداً من دون قطب زادة والايرانيين... وكان اللقاء، أما أهم المواضيع فكان تمنى الإمام الصدر على القذافي بإطالة بث الإذاعة الليبية الموجه إلى المعارضة الايرانية.
وأخيرا أود أن أورد ما قال أحد الاعلاميين في مقابلة القذافي، وذلك بعد بضعة أسابيع على الجريمة. يقول: "سألني القذافي، أريد أن اعرف منك كل شيء عن الإمام. من هو الرجل المعمم سمعت عنه الكثير من الآراء المتناقضة. البعض يراه زعيما كبيراً، و هناك من يرى أنه اميركي الهوى، وثمة من يعتبره ذا دور في الثورة الإسلامية، وهناك من يجزم أنه معاد للفلسطينيين ومن يقول العكس تماماً.
ويضيف: "عاد القذافي متسائلاً، من هو هذا الرجل؟ وما دخلي أنا به. إنه بالنسبة إلي رجل دين، وعندنا مئات من الرجال الدين المتبطلين الذين لا يعرفون شيئاً من الدين الحق. خذوهم جميعاً إن شئتم"! واقترحت عليه إنشاء محكمة استثنائية، ولا مانع من أن يُدعى إليها بعض القضاة العرب كمتابعين، وتتم محاكمة من تفترض أنهم قصروا بمهمتهم ويتم إعدامهم علناً... لا تعليق ولا اضافة؟
يقول الدكتور حسين كنعان، رفيق الإمام ورئيس المكتب السياسي الأسبق، لم تكن هذه الزيارة الاولى، ففي زيارة خلال الحرب اللبنانية اجتمع سماحته بالقذافي الذي خاطبه قائلاً :"أنا مستعد أن أقدم لكم كل ما تريدونه و تحتاجونه، على شرط ان تنهوا الوجود الماروني في لبنان، وأجابه الصدر :"لبنان من دون المسيحيين سجين لا وجود له". عندها أغمض القذافي عينه ثم قال: "انتهت المقابلة"... والله أعلم!
وأخيرا سيدي الإمام، وحيثما كنتم ! أرتل قوله تعالى: "إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ". وحيثما كنت مع الصديقين الشيخ محمد يعقوب وعباس بدر الدين، لكم جنان النعيم فاهنأوا، إن الجنة للمتقين.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم