الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هناك كرهٌ كثير للمرأة

المصدر: "النهار"
باسكال مراد - باحثة في علم النفس
هناك كرهٌ كثير للمرأة
هناك كرهٌ كثير للمرأة
A+ A-

هنالك كرهٌ كثير. صحيح أنه كرهٌ طائفٌ في الجوّ، لكنّه معلوم المصدر والتوجّه. كرهٌ يخدش كلّ امرأة، لأنّه مصوّب عليها عموماً وعلى اللبنانية منها خصوصاً. فعندما يتساءل نائبٌ في البرلمان اللبناني عن دور المرأة باستدراج الرجل الى اغتصابها، تكون الطاقة السلبية المكوّنة لمثل هذا القول قد تبلْورت وتشكّلت على هيئة سهمٍ يطال المرأة في أكثر اماكنها خصوصية، في أنوثتها. يلامس مثل هذا الكلام تضليلاً حاول مطلقه مراراً إخفاءه، واضعاً الجملة في صيغة التساؤل وليس الجزم بهدف التذاكي وتهرباً من المسؤولية.


 


لكن الواقعة وقعت لتشير إلى أن ثمّة خطباً ما، يعتري علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة المرأة بأنوثتها.
في العام 1830 نشر بالزاك قصة قصيرة sarrasine تقوم حبكتها الرئيسية على افتتان نحات فرنسي شاب بمغنية أوبرا رائعة الجمال ليكتشف في النهاية أنها ليست امرأة بل مخصيّ. لتكون العبرة المستخلصة من خاتمة كهذه أن يصبح في حوزة الرجل سرًّا بالغ الاهمية: المرأة ليست سوى رجل ناقص، والانوثة حيلة ومحاكاة.



إذا الرجل مرتاح. فلطالما حيّره هذا الكائن المسمى "امرأة" بتكوينه الفيزيولوجيّ والنفسيّ، بعوالمه الداخلية من رغبات وتخيّلات وأفكار. ليظلّ السؤال المركزيّ "ماذا تريد المرأة؟" يلحّ في تساؤله. فلم يبخل لهذه الغاية، كتّاب وفلاسفة وعلماء في بذل جهد التنقيب عما تريده المرأة، أبحاثاً ومجلدات ملأت رفوف المكتبات.
فعلاً، ماذا تريد المرأة؟ ربما لم يخطر في بال النائب المذكور أو أي رجل يقول كلاماً مشابهاً، أن جلّ ما تبغيه المرأة من أي علاقة حميمية هو أن تُحَبَّ، ولو في اللحظة ذاتها فقط، وأن يُرغَبَ بها، وليس البتة أن تُغتَصب.


في وعي الرجل، إذاً، أن "المرأة" إنسان لم يبلغ اكتماله، وأن "أنوثتها" مجموعة حيل اصطناعية، يستبسل السوق الاستهلاكي في توفير أحدث صيحاتها. أما في لاوعيه فيصبح الانتقال واجباً الى مستوى آخر من التحليل.



ككلّ عالم نفس، اشتغل برونو بيتلهايم على ما يظهر من عبارات وتصرّفات للإنسان، وربطها بنظريات التحليل النفسيّ وعلم الانتروبولوجيا في كتابه Les Blessures symboliques. ممّا تضمّنه الكتاب، أن كلّ جنس يحسد الآخر منطلقاً من أننا لا نرغب الا الشيء الذي ينقصنا. من هنا تنطلق فكرة غيرة المرأة مما يزيد عنها مورفولوجياً لدى الرجل، وغيرة الرجل مما ينقص عنه في المرأة، وهو خصوبتها وقدرتها الطبيعيّة على التوالد وإعطاء الحياة. وبما أن الطفل ينبثق مباشرة من رحم الأم، ومعها هي يقيم أول الروابط المتعذّر انفراطها، تحصل المرأة على حقّ التصدّر في نموّ الانسان. بمعنى أن غيرة الرجل، الكامنة في عقله الباطني، من المرأة، تسبق غيرتها منه. فيصبح إدخال كلام، أدلى به وزير الخارجية اللبنانيّ عن رفضه إعطاء الأم اللبنانية المتزوجة من سوريّ أو فلسطيني الجنسيّة لأولادها، في هذا السياق أمراً مشروعاً.



إذًا كان الكلام الذي جاء بلسان النائب المذكور بدايةً يصوَّب على أنوثة المرأة، فإن ما اطلقه هذا الوزير يستهدف المرأة في مكمنٍ آخر ويستهدفها في أمومتها، مستقوياً بسلطةِ مركزٍ تجيز لذكوريته التحكّم والتسلّط حيثما يريد.
ما تمّ ذكره في هذه السطور، ربما هو جزء من المكبوت في العقل الباطنيّ لكل رجل، وليس حكراً على الرجل اللبنانيّ فقط. لذا عمدت المجتمعات المتقدّمة الى تأطير ما هو بدائيّ من غرائز وتصوّرات عند المرء في سلسلة تشريعات وقوانين تحمي حقوق الانسان، وتمنع كلّ شكل من اشكال التمييز في حقه، رجلاً كان أم امرأة. أرى من المعبّر في هذا السياق إيراد خبرٍ مفاده أن قاضياً كندياً أحيل على التحقيق والمحاسبة لاتهامه ضحية اغتصاب خلال المحاكمة، بالرغبة بما جرى.



هذه القوانين بالذات هي أكثر ما تحتاجها النساء في لبنان لحمايتها من تخلّفٍ، ولصدّ موجات الكره الآتية من أمكنة سحيقة، مكبوتة منذ عصور، لكنها تظهر أحياناً، عبر زحطاتٍ، كما حصل في جملتي النائب والوزير، اللتين يصح توصيفهما بـ"دعسة ناقصة" بحسب علم النفس التحليليّ.
النساء في بلادي بحاجة للحماية، لأن الكره الذي يلاحقها هو فعلاً كرهٌ يفوق الطبيعة.
* باحثة في علم النفس


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم