الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حفتر حصان طروادة الروسي في ليبيا؟

المصدر: "النهار"
امين قمورية
حفتر حصان طروادة الروسي في ليبيا؟
حفتر حصان طروادة الروسي في ليبيا؟
A+ A-

التقدم العسكري الذي أحرزه الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وسيطرته على منطقة الهلال النفطي، أصاب جهات كثيرة بالصدمة. فالخطوة قلبت بعض التوازنات والمعادلات الداخلية والخارجية، التي قامت على أساس استبعاد وصول الجيش الوطني إلى هذه النقطة المحورية. وعقدت إلى أبعد الحدود الخطة السياسية التي رسمتها الدول الغربية والأمم المتحدة، وتقوم على اساس أن تتولى حكومة فايز السراج، المنبثقة من اتفاق الصخيرات بالمغرب في أواخر 2015، السلطة الشرعية في البلاد بدلاً من السلطتين المتنافستين: السلطة الإسلامية الحاكمة في غرب ليبيا، والسلطة المدعومة من حفتر في شرق ليبيا، واللتين اقحمتا البلاد في حرب اهلية منذ صيف 2014.


ويشكل حفتَر صداعا مزعجا للغربيين. وفي العواصم الأوروبية، كما في واشنطن أو في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، فإن صورة قائد الجيش الوطني الليبي تمثل عقبة أمام تحقيق السلام في البلاد. وكان استيلاء قوات حفتر، بين الأحد 11 ايلول والثلثاء 13 منه، على مرافئ سدرة، وراس لانوف، وبريقه، والزويتينة في الهلال النفطي، مناسبةً لسلسلة من الإدانات والتحذيرات الدولية.
ووصف رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، مارتن كوبلر، هذه العملية بأنها "انقلاب"، في حين ندّدت واشنطن وباريس ولندن وروما ومدريد بالعملية وطالبت بـ"الانسحاب الفوري وغير المشروط" للقوات التي احتلت مرافئ الهلال النفطي، المعطلة حالياً والتي كانت تؤمن تصدير نصف الخام الليبي نحو الخارج.
ومع ذلك فإن الإدانات الغربية لم تصل الى حد نبذ المشير حفتر، ذلك انه أنه يطرح نفسه خصما عنيدا لـ"الإرهاب"، فضلا عما يملكه من قدرات عسكرية. فأحد مصادر قوة حفتر هو أنه، على رغم مساعيه لإسقاط حكومة السراج، نجح في تقديم نفسه طرفا لا مفرّ من الحديث معه على الصعيد الأمني.


الدعم الخارجي
لكن هذا الضابط المثير للجدل لم يتمكن من تعزيز قواته العسكرية إلا بمساندة دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر. ويؤكد الصحافي المتخصص في الشؤون العسكرية أرنو دولالوند أن دولة الإمارات زوّدت حفتر في نيسان 2015 بـ 4 هليكوبترات هجومية نوع "مي- 35 بي" اشترتها من بيلاروسيا. وحصل جيشه في شهر أيار 2016 على عشرات المدرعات الخفيفة من نوع "إم إس بي في تي- 6" المصنوعة في دولة الإمارات.
ودور مصر في تعزيز القوات الجوية لحفتر ليس سرّاً. فقد زودته القاهرة بـ8 مقاتلات "ميغ-21 إم إف" و10 هليكوبترات "مي-8 تي". وقد ندّد تقرير للأم المتحدة صدر في شهر آذار الماضي بهذا الخرق للحظر المفروض على بيع السلاح ليبيا منذ عام 2011. ولكن التقرير الدولي نفسه أشار إلى أن خصوم حفتر حصلوا على دعم عسكري سري من السودان وتركيا. وتفيد مصادر أخرى أن قطر تمدّ بالسلاح الجماعات الإسلامية المقاتلة في العاصمة طرابلس وجوارها.
ومعلوم ان مصر تعدّ لاعبا مهما على الساحة الليبية، بحكم عوامل الجوار والعروبة والأمن. لكن القاهرة التي تسعى الى إرساء صيغة حل سياسي يقود إلى هدوء ليبيا واستقرارها، لها مصلحة في الانفتاح على كل الافرقاء السياسيين الليبيين، ولا سيما اولئك الذين يقاتلون الجماعات الاسلامية. لذا فإن القاهرة بدت في نظر كثيرين متناقضة مع الاستقبال المتكرر لرئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج الذي يخوض انصاره معارك عسكرية وسياسية ضارية ضد خليفة حفتر ورفاقه. ولم يستوعب الذين توقفوا عند هذه المفارقة، كيف تستطيع مصر المواءمة في علاقاتها بين فريقين متصارعين؟ ولعل الموائمات التي تتبناها مصر من اجل اقامة علاقات متوازنة مع قوى ليبية كثيرة متنافرة، ولم تجعلها تضع رهاناتها كلها في سلة واحدة، حتى سلة حفتر نفسه، الذي اعترف مرارا بفضل الدعم المصري عليه وقواته، لم تحل دون الانفتاح على أطراف أخرى، من شرق ليبيا وحتى غربها.


الدخول الروسي على الخط
ووسط هذه التناقضات دخلت روسيا على الخط ولا سيما ان لديها في ليبيا تاريخًا من العلاقات وتعتبر ان الغرب طعنها من الخلف في هذا البلد، لذا وجدت في المشير حفتر صورة "الرجل القوي" الذي يمكن ان يؤمّن لها من جديد موطئ قدم في شمال أفريقيا لذا شملته في شبكة امانها، وحرصت على عدم صدور قرارات إدانة دولية ضده. ومع أن روسيا تقول إنها تدعم حكومة الوفاق بقيادة السراج، فإنها تشترط أن تحصل هذه الحكومة على ثقة برلمان طبرق، في حين لم يعد الغربيون متمسكين بهذا الشرط، لأن أصدقاء حفتر يسيطرون على برلمان طبرق.
وحين تعرضت ليبيا لأزمة سيولة حادة في شهر أيار، كان لافتاً أن سلطات شرق ليبيا تسلّمت شحنات من العملات الليبية المطبوعة في روسيا. كما زار حفتر موسكو والتقى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وأمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف وناقش معهما مسألة توريد الأسلحة الروسية إلى ليبيا، لا سيما ان سلاح الجيش الليبي يأتي دوما من روسيا، وأن الخبرات العسكرية لدى هذا الجيش أتت على أيدى الخبراء الروس.


فراق بين حفتر وواشنطن
واللافت انه كلما اقتربت موسكو من حقتر خطوة ابتعدت عنه واشنطن خطوات، فقد سعى الاميركيون الى تهميش هذا الرجل مع انه كان حليفا مقربا لهم وقضى وقتا طويلا من منفاه على أراضيهم، وقاد عمليات عسكرية نجحت في تطهير أجزاء واسعة من ليبيا من الإرهاب والمجموعات المتطرفة، إلا أن الدول الغربية رفضت إمداده بالسلاح، وعملت على تجاوز البرلمان المنتخب الداعم له عبر اطلاق حكومة الوفاق الوطني بضغط دولي.
ويبرر الغرب رفض دعم حفتر، بأن ذلك يعني إشعال حرب أهلية ضارية، بين حفتر والمؤيدين له من جهة، وبين الإسلاميين الذين لن يقبلوا بعملية سياسية ليسوا طرفا فيها، وقد تجلى ذلك في لجوئهم إلى السلاح حين خسروا الانتخابات. ومع انتصارات ميليشيات مصراتة المقربة من الإسلاميين والتابعة لحكومة الوفاق على تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في سرت، وازدياد الدعم الدولي لحكومة الوفاق، بدا أن حفتر والبرلمان في طريق النسيان، لكن حفتر ضرب ضربته الأخيرة وسيطر على حقول وموانئ النفط في وسط البلاد، ليفرض نفسه من جديد على الطاولة السياسية.
ويحظى حفتر بتأييد شعبي في المنطقة الشرقية، حيث يقدم نفسه كجيش نظامي منضبط بديلا لفوضى الميليشيات والمتطرفين الذين روع كثير منهم الناس، وانخرط بعضهم في أعمال إجرامية. كما أن الحراك الفيديرالي في الشرق، الغاضب من استئثار الغرب بالسلطة السياسية واستحواذه على معظم العوائد النفطية رغم وقوع معظم الحقول في الشرق، يدعم حفتر كضابط يعيد إلى الشرق أهميته وقوته في المشهد الليبي. وفي الوقت نفسه فإن لدى حفتر مؤيدين أقوياء في غرب ليبيا، خصوصا بين قوات الجيش إلى ميليشيات ومدن قوية مثل الزنتان.
لهذه الأسباب، يصبح حفتر رقما غير قابل للتجاوز في العملية السياسية، بل إن الأرجح أن يتصاعد حضوره وتأثيره في الفترة المقبلة، فهل يكون حصان موسكو الاسود في ليبيا؟ وهل بدعمه تستعيد روسيا حضورًا سلب منها غفلة في شمال أفريقيا؟ وهل تجد في دعم هذا الرجل قاسما مشتركا مع مصر كما في سوريا بالاستعانة بأفرقاء إقليميين فاعلين؟
[email protected]
Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم