الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

دوحة عرمون... الأمان المفقود

المصدر: "النهار"
ديانا سكيني
ديانا سكيني
دوحة عرمون... الأمان المفقود
دوحة عرمون... الأمان المفقود
A+ A-

نحو ساعة من إطلاق النار المتواصل، من الصراخ والهلع، من سؤال السكان عما يجري من دون جواب. يتوقفُ الرصاص، يختفي المسلحون، يخفتُ الوجود الأمني في مكان الاشكال المسلح، يُنقلُ الجرحى الى المستشفيات، لا يُعرف شيءٌ عن التوقيفات وإن كانت قد حصلت. يُراد الآن للحياة في منطقة دوحة عرمون (جنوب بيروت) ان تعود الى طبيعتها بعد إشكال شارع مريم مساء الثلثاء بين شبان لبنانيين وسوريين، وكأن شيئاً لم يكن.


إرادة ربما يسهلُها لطفٌ الهيٌ بأن الرصاصَ الطائشَ الذي تطاير فوق منازل السكان ورؤوسهم لم يخطف حياة أحدٍ هذه المرة كما جرت العادة.
منذ صباح أمس، جرى تداول خبر مفاده ان شباناً سيقومون بتحرك احتجاجاً على ما يسمونه تجاوزات من سوريين في المنطقة. المعلومة المتداولة لم تكن كفيلة بدرء الانفجار مساء الثلثاء، اذ ما ان تجمعَ الشبان في شارع مريم وبدأوا تحركاتهم الاعتراضية حتى كان هناك من يتصدى لهم من الطرف الآخر، وحصلَ اطلاق نار أسفر عن سقوط إصابات. وفي المعلومات الأمنية الخاصة بـ "النهار" ان شاباً يدعى م.ظ. تعرض لطعنة سكين قبل أيام من سوريين في الشارع، فقرر مع رفاقه تنظيم الاحتجاج و"الاخذ بالثأر". انتشرت المعلومة فتحضر الطرف الآخر مدعوماً من احد الفلسطينيين النافذين  في شارع مريم والمقرب من "سرايا المقاومة" ويدعى ف.ع.، علماً ان هناك خلافات شخصية واشكالات على خلفية مولدات كهربائية بينه وبين احد الشبان الذين ارادوا الانتقام من السوريين، فقرر ف.ع. مؤازرة السوريين والتحالف معهم في معادلة صراع النفوذ التي تشهدها المنطقة من خارج سلطة القانون. ولا يستغربنّ أحد حين يعلم ان أحد اسباب مسارعة ف.ع. لمناصرة السوريين هو عدم السماح لمجموعة مسلحة أخرى الدخول الى منطقة نفوذه. 


 


رؤوس حامية
ويحتضن شارع مريم الشهير تركيبة سكانية معقدة تختصر نسيج المنطقة، اذ يشهد وجوداً كثيفاً للاجئين السوريين، إضافة الى الحضور الفلسطيني المعهود، ناهيك بالتنوع الطائفي والسياسي، مع حظوة لـ "سرايا المقاومة" التابعة لـ "حزب الله"، وتيارات اسلامية، و"تيار المستقبل".
الا ان ليس من صلة للسياسة والطائفية بالإشكال الذي نشب، بل يمكن اختصاره بتزاحم وجودين في منطقة اعتادت معادلة صراع النفوذ بين ما يسمى في الشارع "الأرقام الكبيرة" او "الرؤوس الحامية". ولا شك في ان السوري بات رقماً صعباً في معادلة الوجود وهو يدرك الأمر في الصميم، اذ ان مساهمته تكاد توازي مساهمة اللبناني في الدورة الاقتصادية في المنطقة، من ادارة المحلات التجارية الى الاستهلاك العقاري وغيره. ولا تصعب الملاحظة بأن الكثرة العددية والحظوة الاقتصادية تسهلان وضع السوري نفسياً في موقع التصدي لمن يعتبر انهم "كارهون ومعتدون على لاجئين هربوا من الحرب بحثاً عن أمان ولقمة عيش".
كذلك، من السهل لمن يقطن في المنطقة ملاحظة الاحتقان النفسي بين "الوجودين" لا سيما في صفوف الشبان اللبنانيين العاطلين عن العمل وذوي "الصنعات" المتواضعة، والذين يعتبرون خزاناً تاريخياً للاشكالات في المنطقة بطوابعها المختلفة. كما ان رؤوساً حامية من "قبضايات" الاحياء اللبنانيين باتوا يدركون أهمية ورقة "القبضايات" السوريين فيعمدون الى التحالف معهم ضمن منطق تأمين المصالح المتبادلة.


في انتظار الجولة الجديدة


يُراد للمواطنين الذين وجدوا أنفسهم وسط نيران المشتبكين ليل أمس ان ينسوا، وان يترقبوا الجولة الجديدة من الانفجار.
ومن قال ان موعدها ليس قريباً طالما ان جميع عوامل التفجير قد اجتمعت في برميل بارود في منطقة لا يعرف لها تعداد سكاني دقيق، وتُعرف شعبياً بدوحة عرمون لكنها قانونياً تُكنّى بدوحة الشويفات اذ تقع في دائرة صلاحيات بلديتها الادارية. مع العلم ان الطفرة السكانية والعمرانية وتعقيد التركيبة الديموغرافية، وكون المنطقة أحد أبرز معاقل اللاجئين عند جنوب بيروت الكبرى، تجعلُ من الملِّح تخصيصها ببلدية تدير شؤونها ومشاكلها المتزايدة، من اشكالات "زعران" الأحياء، والسرقة والنشل، وصولاً الى المشاكل الانمائية المتزايدة.


تضييق الخناق
ويعتبر تغيّر وجه المنطقة احد ابرز التحديات التي باتت تضيّق الخناق على سكان من فئات اجتماعية متنوعة، قصدت غالبيتهم المنطقة منذ عقدين أو أكثر هرباً من ضيق العاصمة وارتفاع اثمان العقارات فيها، وبحثاً عن فسحة أقل اكتظاظاً، فاستثمروا أموالهم في شراء منازل أصبحت فجأة تقع في واحدة من أكثر الضواحي اكتظاظاً وعرضة للتفلت الأمني، لا سيما مع ما تنفذه جهات حزبية لبنانية من أجندات على الأرض من استقطاب الشبان "القبضايات" والتطوع لحمايتهم متى تورطوا في اشكالات، ومن عمل حثيث لرسم دوائر نفوذ في المنطقة. وكذلك مع التحديات التي فرضها الوجود غير المنظم للاجئين الذين لا أعداد دقيقة لهم، والذين وجدوا في المنطقة منذ بداية الحرب السورية بيئة حاضنة مقارنة بمناطق أخرى محيطة بالعاصمة.


أكثر من أي يوم مضى...
ويرفع أهالي دوحة عرمون اليوم الصوت أكثر من اي يوم مضى الى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق للمسارعة في انشاء مخفر خاص موعود في المنطقة كفيل بتعزيز اليقظة الامنية، والنظر عملياً وجدياً بتعزيز امكانات البلديات التي يتغيّر بشكل هائل المعطى السكاني-العمراني الواقع ضمن صلاحياتها. ويطالبون المعنيين بنزع فتيل الانفجار الاجتماعي الذي تتراكم عوامله بتنظيم وضع اللاجئين قانونياً وبما يضمن الحقوق والكرامة الانسانية منعاً للاحتقان اللبناني-السوري المتزايد، خصوصاً في سوق العمل.  طبعاً مع التأكيد ان اللبنانيين جهة مستفيدة اقتصادياً من مداخيل هائلة يدرها اللاجئون الذين يتهافتون على استئجار المنازل في المنطقة.


لا تحيد قصة دوحة عرمون عن قصص مناطق وبلدات لبنانية أخرى تشهد اختماراً بطيئاً لعوامل انفجار اجتماعي- أمني على مرأى المعنيين، فهل من يتدارك الأمر؟


 


[[video source=youtube id=BKCVDDiZNdQ]]


 


 


[[video source=youtube id=ViXjJchyWys]]


 


 [email protected]


@dianaskaini

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم