الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

سيدة المسرح نضال الأشقر تحتفي بالمدينة: الحياة دائماً عودة واستمرار

هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
سيدة المسرح نضال الأشقر تحتفي بالمدينة: الحياة دائماً عودة واستمرار
سيدة المسرح نضال الأشقر تحتفي بالمدينة: الحياة دائماً عودة واستمرار
A+ A-

إستَقبَلَتني في مَنزِلها القائم في كليمنصو - الحمرا بإبتسامة عريضة و"فنجان قهوة" سَكَبتهُ بنفسها وهي ترمُقني بنظرات جانبيّة مُشجّعة، وكأنها تنبّهت إلى أنني كنتُ متوتّرة بعض الشيء للجلوس معها والتحدّث عن حُبّها الأول: المَسرَح.


اختارت إحدى الزوايا المُفضّلة لديها في هذا المنزل الذي حوّلته وزوجها المُخرج المسرحي والتلفزيوني فؤاد نعيم جنّة مُصغّرة تَستريح على الكُتُب – مئات الكُتُب في كل مكان – والّلوحات المُنمّقة ونباتات "عَ مدّ النَظَر" مُنتَشِرة في كل أنحاء الشُرفة الكبيرة التي تُحيط الغُرف. تفاصيل صغيرة تَجعل هذا المَكان البَعيد من ضوضاء العاصمة وإن كان في وسطها، الملاذ الأنيق الذي يَخرج عن نطاق الواقِع ويَرمقه بتعالٍ عارِف. هُنا، حيث يَصطدِم النَظَر بألوان الأثاث الدراماتيكيّة، وبحمامة "تَسرَح وتَمرَح" كما يحلو لها على الشُرفة، تمضي الفنّانة المَسرحيّة الكبيرة، نضال الأشقر، ساعات فراغها. هُنا تحلم وتقرأ و"تَصفُن". تُعلّق الأشقر بين رَشفة قهوة وأخرى، "الحمامة وُلدت هُنا. هيدا بيتها. وهون بصفن ساعات".
غداً في تمام السادِسة والنصف مساءً تَعقد "سيّدة المَسرح" الفَرحة بإستمرار، مؤتمراً صحفيّاً للإعلان عن إحتفاليّة "20 سنة مسرح المدينة" التي ستُقام من 14 تشرين الأول الى 26 منهُ في المَسرح الذي حوّلتهُ هذه السيّدة التي تَحلو معها "صبحيّة" السبت، قضيّتها والمِنبر المُنفَتح على الثقافة والفنون في الشارع المَسكون بالنجاحات... والإنقلابات! المؤتمر الصحافي، تُريده إحتفاليّة، "جيبي الياس (الديري الكاتب والزميل في جريدة "النهار) وشدّدي على غسّان (مُدير تحرير جريدة "النهار") تعوا كتار". أكثر من 20 سنة مرّت على تأسيس نضال الأشقر "مَسرح المدينة" الذي إتخذ، بدايةً، كليمنصو مقرّاً له. "ولكننا، في هذه الإحتفاليّة المُرتَقَبة، سنُلقي التحيّة على الـ 20 سنة الأولى له. بالـ20 التانيين مش رح كون هون! وفي كل الأحوال هو فأل خير في هذا الزَمَن الرديء". لن تَشي ببرنامج الإحتفاليّة، "بكون عم روّح التَشويق"، ولكنها تروي بعض "مُقتطفات" بَقيت عالقة في ذهنها عن أيام "مَسرح المدينة" الأولى. "منذ صغري وأنا أحلم أن يكون لي مسرحاً في مدينة بيروت. بدأت مُحاولاتي في الثمانينات من القرن الماضي. أيام الحَرب. بَقيت الحروب الضارية مُندلعة في كل مكان ولم يَتسنّ لي أن أفتح المسرح أو حتى أن أجد مسرحا قبل عام 1993". الأيام الأولى في كليمنصو؟ تذكرها نضال الأشقر جيداً. وقبل الإفتتاح، "حتى قبل أن تبدأ عملية ترميم المَسرح"، علّقت الأشقر جداراً أبيض اللون على المدخل وراح عشرات المُبدعين يُوقّعون عليه ليُظهروا، على طريقتهم، تضامنهم مع عودة الروح إلى بيروت. يوم الإفتتاح عام 1994؟ تَعيش جماله المجنون وكأنه أمس الذي عَبَر. وللحظات أثناء المُقابلة، خُيّل إليّ أنها لم تعد جالسة معي تحتسي القهوة. كانت هُناك حيث "التَهييص" وعجقة الناس الذين توافدوا بالمئات، وحوّلوا الشارع الصغير الذي "سَكَنه" المَسرح طوال 10 سنوات (قبل الإنتقال إلى شارع الحمراء الرئيسي)، مَربَض خيلهم، وتعاملوا معه وكأنه "عودة الروح" بعد سنوات الحَرب والتهجير والعزلة. "المسرح ما كان مَدعوم. ولكن كان إلنا حظ والحظ الكبير أن يعرف رفيق الحريري أن المسرح يحتاج إلى تصليحات. وأبدى إهتماماً كبيراً لترميمه، لا سيما وأنه كان قائماً وسط المدينة". منذ البدايات "إتكلت ع حالي وع الله. وحَصلت على دعم وزارة الثقافة وكل من أحب ّ المسرح". عام 2004، عندما تحوّل "مسرح المدينة" في كليمنصو مصرفاً، كان على نضال الأشقر أن تتكّل مُجدّداً على نفسها وأن تجد التمويل. وقبل كل شيء، كان عليها أن تجد مسرحاً وسط الحمرا! "كانت الحمرا عتمة! وكانت الطُرق غير مُنجزة بعد. ولكنني كنتُ مؤمنة بأن الشارع سيكون له مُستقبله الزاهي. هُنا معالم بيروت القديمة. هُنا الناس الذين لم يُغادروا راس بيروت. وكنت على حق، إذ عاد الزخم إلى الشارع التاريخي".
عندما وَقَع إختيارها على المسرح القائم في مبنى "السارولا"، "قالوا لي: عم تحلمي! أجبتهم: بكرا بتشوفوا أنّو حترجع الحمرا. ورجعت روح الحمرا! تغيّرت؟ كل الناس تغيّروا!". وعندما حان وقت الإفتتاح، "قتِل رفيق الحريري فأوقفتُ الإفتتاح إحتراماً لذكراه. وبعد 40 يوماً، قلت: لازم نفتتح المسرح. لم نوزّع الدعوات. كانت بيروت في تلك الفترة حزينة تعيش حدادها. نقلنا خَبر الإفتتاح إلى الناس بواسطة الفم والأذن. قلنا: مين ما بيجي، أهلاً وسهلاً!". يوم الإفتتاح، "صارت الساعة الثامنة والنصف مساءً ولم يأت سوى بعض الصحافيّين. قلتُ لهم: رح نحتفل أنا ويّاكم. في ذاك المساء ما كان في حدا بالشارع! قطط هائمة على وجهها". وبعد قليل، "راح الناس يدخلون المسرح رويداً رويداً. هذا مع عوده وذاك مع الآت موسيقيّة أخرى. هؤلاء حَملوا أصواتهم وأولئك حضروا ليُظهروا تضامنهم. إمتلأ المَسرح. ترقرقت العيون بالدموع. ومع ذلك كنّا على يَقين من أننا سنبدأ من جديد. الحياة دائماً عودة وإستمرار". في تلك الأمسية من عام 2005، "رحنا نُغنّي معاً ونتقاسم الّلحظات. ومنذ ذاك اليوم، لم نتوقّف". كثّفت نضال الأشقر في الحمرا أعمالها الإخراجيّة. تُعلّق ضاحكة، "عندما أنجزت مسرحيّة (طقوس الإشارات والتحوّلات) لسعدالله ونّوس، إقترب منّي غسّان تويني قائلاً: إذا ما عملتي شي بيكفّيكي هالمسرحيّة فخر!". اليوم، تتعاون نضال الأشقر مع مواهب شابة ولا تعرف معنى الراحة، "ما إجى معي وقت فكّر أنّو بدّي إرتاح. برتاح أنا وعم بشتغل. مع فؤاد (نعيم) لم نَسمح لأنفسنا أن نتوقّف عن العطاء. فؤاد يَرسم ويكتب ويسبح ويقوم بإخراج عمل للإحتفاليّة". تضيف قائلة، "أعرف جيداً أنني إذا تخلّيت عن مسؤولياتي في المسرح لن يتمكّن الشباب الذين يعملون معي من أن يُكملوا الطريق بمُفردهم. أعرف جيداً محبّة الناس لي وتأثير علاقاتي". العَقد مع مسرح المدينة؟ "مُستمر حتى عام 2024! أصرّيتُ على ذلك حتى يتمكّن الشباب معي من أن يستمرّوا في العَمَل. شخصيّاً لن أتوقّف عن العَمل!" أهم ما في الإحتفاليّة المُرتَقبة؟ "أن مسرح المدينة هو المُنتج لكل الأعمال المُشارِكة". هذا الفرح الدائم؟ "ورثته عن والدتي! انا مُبتدئة. هكذا أتعامَل مع نفسي. ما زلتُ أتعلّم وأحلم حالياً بما سأنجزه في السنة المُقبلة. هذا ما يجعلني أستمرّ وهذا ما يُساعد صحّتي. أملك النشاط والحيويّة وهذه من العناصر التي تنعكس على كل الذين من حولي".


[email protected]
Twitter: @hanadieldiri

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم