الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إرجاء الانتخابات الفلسطينية... لا أمل!

المصدر: "النهار"
امين قمورية
إرجاء الانتخابات الفلسطينية... لا أمل!
إرجاء الانتخابات الفلسطينية... لا أمل!
A+ A-

قرّرت محكمة العدل العليا الفلسطينية في رام الله إرجاء الانتخابات المحلية المقررة في تشرين الاول في الضفة الغربية وقطاع غزة مثيرة بذلك غضب حركة المقاومة الاسلامية "حماس" التي رأت في الخطوة "قرارا مسيّسًا" جاء لإنقاذ حركة "فتح" بعد سقوط قوائمها في عدد من المواقع الانتخابية.


القرار لم يكن مستغربا ذلك انه منذ اعطى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اشارة الانطلاق للعملية "الديموقراطية" المؤجلة منذ سنوات في الاراضي الفلسطينية، تصدر اشارات واضحة من بعض المحيطين به عن ضرورة ارجاء الانتخابات البلدية والمجالس المحلية حتى تستعدّ حركة "فتح" لها وترتّب بيت الحركة الداخلي في أعقاب الخلافات المستعصية بين تيار الرئيس "ابو مازن"، وتيار القيادي المفصول محمد دحلان والمقيم حاليا في الإمارات، في حين كان عباس مصرًّا على إجرائها في موعدها.
ففي تصريح صحافي للنائب والقيادي في حركة فتح جمال الطيراوي، دعا اللجنة المركزية للحركة الى اعادة النظر بإجراء الانتخابات، مبرراً ذلك بأن "الوضع الذي تمرّ به الحركة من تخبّط في هذه المرحلة لا يسمح بالمشاركة في الانتخابات من دون اللجوء إلى حوار تشارك فيه الكتل الفتحاوية للنهوض بالحركة من جديد، لكي تقطع الطريق على كل المتربصين والمتآمرين على تصفية وإنهاء الحركة".
مطالب الطيراوي، وبعض الأصوات الأخرى في الحركة، لم تعزز بمواقف رسمية، إلا أنها عكست بعض الإشكالات في ظل توالي تقديم قيادات أقاليم في الحركة استقالاتهم، سواء اعتراضاً على طريقة الترشيح المتبعة داخل الحركة، أو استخدام مبدأ "فحص السلامة الأمنية" الذي تقوم به الحركة لمرشيحها حتى لا يكونوا ضمن ارتباطات بتيار دحلان.
واعتبر الطيراوي قبول "حماس" المشاركة في الانتخابات بمثابة "تآمر وتلاقي أجندات مع الإسرائيليين"، حيث "يسعيان - بحسب قوله - بكل جهودهما لتقويض وإنهاء حركة فتح".
وكانت "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة، عبّرت عن تحفّظها عن اجراء الانتخابات لأن الاعلان جاء من دون تشاور مسبق معها وفقاً للاتفاقات الموقعة ما بين الأحزاب والفصائل الفلسطينية ابتداءً من اتفاق القاهرة عام2005 ، وهو الاتفاق الناظم لانتخابات البلدية عام 2005 وما تبعها من انتخابات رئاسية وتشريعية عام 2006 ، لكنها ما لبثت ان اعلنت أنها "ستسمح بإجراء الانتخابات البلدية في قطاع غزة، والضفة الغربية، وستعمل على إنجاحها"، عقب سلسلة لقاءات ومشاورات عقدتها الحركة مع الفصائل في القطاع.
وبموافقتها على اجراء الانتخابات سحبت "حماس" من عباس حجة عرقلة الانتخابات ولعل قرارها هذا غيّر كثيرا في حسابات "أبو مازن" الذي كان يتوقع ان تقاطع الحركة الاسلامية الاستحقاق الانتخابي وتخلو الساحة لـ"فتح" خصوصا في الضفة.
سياسيا، فإن إجراء الانتخابات في غزة هو بلا شك اعتراف بسيطرة "حماس" على القطاع، على رغم حضور حكومة التوافق هناك. وهذا يعني أيضاً أن أجهزة أمن "حماس" هي التي ستوفر الأمن للعملية الانتخابية، بل ايضا ستكون النتائج خاضعة للقرارات الصادرة عن المحاكم التي تعمل في القطاع، بحكم الأمر الواقع.
وفي واقع الامر فإن هذه الانتخابات لو جرت لا تحمل أهميتها من الناتج منها كمجالس بلدية ومحلية، بل لأنها الأولى التي تُجرى في فلسطين المحتلة بعد أحداث الانقسام الداخلي عام 2007، لذلك تختلف أهميتها بالنسبة إلى "حماس" و"فتح" ضمن اعتبارات عدة، فالأولى تصبّ جلّ اهتمامها في الضفة المحتلة، التي منعت من العمل السياسي والتنظيمي فيها طوال سنوات، ويتكرر هذا التقدير مع الثانية التي يُضيَّق عليها في غزة، وتعاني انقساماً داخلياً حاداً.
لكن على صعيد "فتح"، بدلاً من أن تقلّ حدة الصراعات الداخلية بعد إعلان دحلان تنازله عن الخلاف قليلاً مقابل المعركة مع "حماس"، حصل العكس. أما على صعيد "حماس"، فثمة خوف متزايد من المشاركة بقوائم مباشرة في الضفة (قوائم منتمية إلى التنظيم) بفعل سيطرة السلطة عليها، وخوفاً من الملاحقة الأمنية وتعرضها للحصار المالي، على غرار تجربتها في عام 2006 ، فضلاً عن تدخلات إسرائيلية يمكن أن توجِّه الانتخابات إلى وضع يناسب تل أبيب، أول ملامحه كان اعتقال ممثل "حماس" في لجنة الانتخابات في الضفة المحتلة قبل أيام. لذلك طرحت فكرة تشكيل قوائم مشتركة على عدد من الفصائل الفلسطينية، إلا أنها لم تتلقَّ أي إشارات إيجابية.
وبين الواقع المأزوم في "فتح" والانهاك التي تعانيه "حماس"، كانت نخبٌ فلسطينيةٌ أكاديمية ووطنيةٌ ترى أن الانتخابات قد تؤدي في حال إجرائها إلى نتائج سلبية جدًّا وضارّة على الصعيدين الوطني والسياسي، فمن جهةٍ يستبعد هؤلاء أن يؤدي إجراء الانتخابات إلى إنهاء الانقسام بين الضفة وقطاع، في ظل سيطرة "فتح" على الضفة، و"حماس" على القطاع. كما عبرت هذه النخب عن خشيتها من ايّ يتسبب إجراء الانتخابات في تراجع الاهتمام بالانتفاضة الشعبية الحالية، ما سيؤدي إلى ضمورها بدرجة كبيرة، لكن الأهم من ذلك كله ان هؤلاء يخشون أن يوظف الاحتلال نتائج هذه الانتخابات لمصلحته، بالتزامن مع طرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خطته السياسية للتعامل مع الشعب الفلسطيني، والمسماة سياسة "العصا والجزرة"، التي تتضمن إيجاد قنوات اتصال فلسطينية جديدة، بعيدة عن السلطة، لإنهاء أي بعد سياسي للقضية الفلسطينية، وحصرها في القضايا الخدماتية لتجمعاتٍ متناثرة وغير مترابطة مركزيًّا، وهذا هو جوهر الرؤية الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية، وليس إنهاء الاحتلال والاستيطان. وهكذا يخشى معارضو إجراء الانتخابات أن يستغل الاحتلال النتائج باعتباره هذه الهيئات هي الممثل الشرعي المنتخب للشعب الفلسطيني، في ظل عدم إجراء انتخابات سياسية، منذ أكثر من عشر سنين، والشلل الذي أصاب النظام السياسي، بعد تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب، لاعتقال الاحتلال كثيرين من أعضاء المجلس من الضفة الغربية، وخصوصًا المنتمين إلى حركة "حماس"، إضافة إلى تعطل المجلس بسبب الانقسام وتبعاته. ويعتقد المعارضون للانتخابات أن الاحتلال قد يلجأ إلى الضغط على الدول المانحة من اجل التعامل المباشر مع البلديات والمجالس القروية المنتخبة، بعيدًا عن السلطة المركزية ومؤسساتها المالية والاقتصادية المختلفة، الأمر الذي سيؤدي إلى زرع بوادر إشكالات ومواجهة بين السلطة والحكومة الفلسطينية من جهة، والهيئات المحلية المختلفة من جهة ثانية، ثم الضغط على السلطة، لتقبل التعامل المباشر بين المؤسسات والدول المانحة وهذه الهيئات، ما سيؤدي إلى حدوث انقسام فلسطيني جديد، داخل الضفة والقطاع. وفي هذا السياق يشار الى أن الحراك الانتخابي شهد تدخلًا ودورًا كبيرًا للعشائر ورجال الأعمال، ما فرض على الفصائل والأحزاب السياسية أن تنسق قوائمها مع هولاء، الامر الذي توّج بوضع شخصيات عشائرية واقتصادية في مقدم القوائم الانتخابية، وتراجع الكوادر الوطنية والنضالية إلى مؤخرة القوائم.
وعلى رغم ان طابع الانتخابات المحلية إنمائي محض، الا انها تحظى ايضا بأهمية سياسية كبرى ليس فقط لإظهار موازين القوى بين الفصائل الفلسطينية، بل ايضا بسبب مغزى هذه الانتخابات في مواجهة الاحتلال. فالانتخابات البلدية التي جرت في سبعينات القرن الماضي، كانت رافعة مهمة لإثبات قوة منظمة التحرير الفلسطينية وقدراتها في مواجهة الخطط الاسرائيلية تكوين قيادات بديلة عبر الانتخابات. لذلك، عمد الإسرائيليون الى اغتيال عدد من رؤساء البلديات المنتخبين او إبعادهم خشية تأثيرهم السلبي ضد الاحتلال. لكن في ظل هشاشة السلطة الفلسطينية الآن، وعدم وجود أي برنامج متكامل للمواجهة المدنية اليومية مع الاحتلال، وفق رؤى واضحة وشاملة، وضمن قدر ما من المركزية لدى "فتح" و"حماس" واليسار، فإنه من الطبيعي أن تفشل الفصائل في توظيف الانتخابات ضمن برنامج تحرري، لا بل يخشى ان تقود الى مزيد من الفوضى والتخبط على غرار ما يجري في المحيط العربي.
لذا فإن إرجاء الانتخابات ليس فقط تعبيرًا عن أزمة "ديموقراطية" لدى القوى التي تفرض سلطتها في الضفة وغزة، بل اكثر هو تجسيد للافق الفلسطيني المسدود في فضاء قاتم.
[email protected] 
Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم