الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لا للثَقافَوِية، لا لليوتوبيا، نعم للإنسانية

المصدر: ترجمة نسرين ناضر
شبلي ملاّط
لا للثَقافَوِية، لا لليوتوبيا، نعم للإنسانية
لا للثَقافَوِية، لا لليوتوبيا، نعم للإنسانية
A+ A-

من الشعارات الشهيرة التي ترددت على مسامعنا في صبانا، بحثاً عن مرتكزات قوية، "الماركسية ليست نزعة إنسانية"، بحسب لويس ألتوسير. الحقيقة البديهية أن الإنسانية ليست ماركسية لا أكثر ولا أقل. لكن عبر تبنّي شعار "لبنان الإنساني"، في سياق حركتنا المدنية، ليشكّل إطاراً لمبادراتنا ذات الطابع المتغيِّر، أردتُ الدفاع عن تحرّكنا ضد ربط الإنسانية، لدى المشكّكين، بفئات يحاول بعض الكسالى فرضها علينا عبر وصفنا باليوتوبيين. الإنسانية ليست يوتوبيا. ولا هي أيضاً ثقافوية.

رداً على توصيف الإنسانية باليوتوبيا، الجواب بسيط. ليس بيننا مَن يبحث عن سيادة العدالة المطلقة على الأرض، ولا مَن يبحث عن سيادة السلام المطلق. هذا ما عبّر عنه كانط جيداً، بعد ليبنتز، في بحثه التأسيسي (نحو السلام الدائم، ZumewigenFrieden 1795): السلام الأزلي الوحيد هو سلام المقبرة.


في ما يأتي مثال بسيط عن استحالة تحقيق سلام مطلق أو عدالة مطلقة من دون أن يكون هناك ظلٌّ للعنف: لا يمكن تنفيذ عقدٍ ما في حال كان أحد الفريقَين يرفض التقيّد به إلا من خلال الخوف من السيف الذي تشهره العدالة. القوة المسلّحة التي تُستخدَم لفرض تنفيذ عقد ما، مع العلم بأن العقد في ذاته هو تنفيذ لقانون ملزم، والقانون هو تنفيذ للعقد الاجتماعي المؤسّس الذي نسمّيه دستوراً – هذه القوة المسلحة إذاً تشكّل جزءاً من الضوابط التي تحول دون انتهاك القانون الذي يعبّر عن الإرادة العامة في مجتمع ديموقراطي. يمكن أن تكون هذه الضوابط عنيفة في حال رفْض تنفيذ العقد، وتُفرَض من خلال القوى المكلَّفة حفظ النظام تحت إشراف قضائي. إنها نظير احتكار العنف الشهير الذي تمارسه الدولة في حال عدم التقيّد بدستورها أو قوانينها. تأخذ الإنسانية الدستور على محمل الجد إلى حد كبير، بما في ذلك احتكار العنف وممارسته المحتملة من أجل فرض سيادة القانون. إذاً الإنسانية ليست يوتوبيا. والإنسانية ليست أيضاً ثقافوية.
الأسبوع المنصرم، كما هذا [الأسبوع] في التظاهرة التي سنواظب على تنظيمها أسبوعياً حتى انتخاب رئيس للبلاد، سوف يهزّ بعض الخبثاء أكتافهم لامبالاةً ويحوّلون أنظارهم عن "حفنة من المثقّفين". إنه خطأ فادح في تصنيف الأشخاص. أرى بين الأصدقاء الغاضبين من الإذلال اليومي في هذا البلد مهندسين ذائعي الصيت على الساحة الدولية، وأطباء ينقذون حياة الناس، ومحامين يدافعون عن حقوق موكّليهم أو يحرصون على امتثال الشركات التجارية للقوانين المرعية الإجراء، وروائيين يكتبون صفحات مفيدة للصحة العقلية، ونشطاء في منظمات أهلية متنوعة، ونقابيين ومناضلين حزبيين، وأساتذة يفتحون أبواب الاختصاص أمام جيل جديد، وطلاباً يكتشفون العالم مع أساتذتهم، ونساءً ورجالاً من مختلف الأعمار يعملون في مهن مختلفة، ومشاركين يرتدون ملابس متناقضة، وينتمون إلى طوائف وأديان مختلفة، باختصار كائنات بشرية يقلقها الإذلال الذي يتعرّض له دستورنا بصورة يومية. لا أرى مثقّفين. بالطبع، يعمل كثرٌ بيننا في مجال الخدمات غير الملموسة، لكن في البلدان المتقدّمة، باتت الزراعة تشغل فقط نسبة واحد في المئة في الاقتصاد الوطني، في حين أن أكثر من ثمانين في المئة من الأشخاص يعملون في قطاع الخدمات. إذا أردنا الذهاب أبعد في الخطأ، ينتهي بنا الأمر بقول كلام هو بمثابة تحصيل حاصل: المجتمع بأسره يتألف من مثقّفين، منتجين ومستهلكين. إذاً الإنسانية ليست ثقافوية. نحن مهنيون، ومبدعون، وعمّال، ومنتجو ثروات ملموسة، تُحرِّكنا ثقافة إنسانية.
ما الذي يميّز هذه الحركة وتحرُّكنا كأشخاص يرفعون لواء الإنسانية؟ اللاعنف بالطبع، لأننا نرفض استخدام العنف خارج المبادئ القانونية الصارمة المستندة إلى الدستور، تحت إشراف السلطة القضائية. لهذا السبب، إعادة القيمة إلى دستورنا، الذي يتعرض للإذلال منذ عامَين ونصف العام على أيدي حفنة من النواب الذين يرفضون القيام بواجبهم وانتخاب رئيس للجمهورية، وفرض الامتثال لأحكامه هما عنصر أساسي في تحرّكنا. فضلاً عن ذلك، نحن من طينة التقاليد الشرقية المتجذّرة في طابعها الديني، حيث تتقاطع فيما بينها، وتلتقي مع الغرب حول القيم الكونية لحقوق الإنسان. الإنسانية انفراد، بحسب تقليد المعرّي، كما يذكّرنا أحمد بيضون في كتابه الصادر حديثاً. نحن إنسانيون في إطار تيارٍ تاريخي راسخ أبرز رموزه هم أفلاطون وصولاً إلى المسيح، وإيراسموس وصولاً إلى الكواكبي. نؤمن بقوّة الكلمة، وليس بعنفها. ندعم العلوم، مع تبنّي الفطرة السليمة التي تحدّث عنها رابليه، لأن "العلوم من دون ضمير ليست سوى دمار للروح". ومع "زرادشت" نيتشه، نحب الرقص و"مشروع ليلى".
لسنا مثقفين، ولا يوتوبيين. اليوم، على ضوء الانتهاكات المتكررة للأحكام التي ينص عليها دستورنا "في حال الشغور الرئاسي"، كان يُفترَض بنظام ديموقراطي أن يُنزِل منذ وقت طويل أشدّ العقوبات بالنواب الذين يتغيّبون عن جلسات انتخاب الرئيس. نطلب أن يُعيدوا الرواتب التي ندفعها لهم منذ ثلاثة أعوام، ويمكنني أن أؤكّد لهم أن الإحراج الذي سيتعرّضون له ما زال في بدايته. هذا ما سنذكّركم به من جديد، في قلب عاصمتنا، أيها السادة والسيدات النواب المخالفون للدستور.


محامٍ وأستاذ في القانون

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم