الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كنوز في قبو فيكتور هوغو

المصدر: "النهار"
رلى راشد
كنوز في قبو فيكتور هوغو
كنوز في قبو فيكتور هوغو
A+ A-

يجزم الشاعر والكاتب والباحث ميشال بوتور الذي رحل أخيراً، انه وفي حال إنصرف المرء إلى التفتيش في قبو فيكتور هوغو لا بدّ انه سيُخرج منه الكنوز، وهذا على وجه التحديد ما ينشغل به بين دفّتي آخر إصداراته الذي رأى النور قبل أن ينطفىء النور من عينيه.


ليس "هوغو بقلم ميشال بوتور" عنواناً عابراً ذلك انه حركة في سيمفونيّة من المؤلفات الصادرة لدى منشورات "بوشيه/شاتيل" ضمن مجموعة "كُتّاب حياتي" وحيث يجري إخضاع اثر كاتب معين إلى عين كاتب آخر. ها هنا العين المجرّبة والواعية والآتية من فضاء التأليف ترصد منجز الكاتب المكرّس وتتأمّله وتتمهّل عند ما يستوقفها عنده. ها هنا قراءة مُنحازة ومطبوعة بذائقة شخصيّة غير انها - ويا للمفارقة - أكثر دلالة أحياناً، من القراءات المسترسلة. أما النتيجة في ما يخصّ ثنائية بوتور/هوغو فأنطولوجيا على إبهاج حيث يعبُر بوتور إلى فسحة شغف لا يهادن إزاء هوغو حائماً في سماء عبقريته المتعددة الهيئة.


بدءاً من صناديق هوغو القديمة والمغبرّة إذا إستنبط بوتور ثلّة من نصوص الفرنسي غير المعروفة كثيراً وغير المرتقبة في آن. والحال ان هوغو يتراءى في الأنطولوجيا شخصيّة تنفلش في طبقات عدة على اكتناز. ها هنا حالة تأليفيّة مثيرة للإعجاب من جهة أولى وجالبة للنقد اللاذع من جهة ثانية، ندرك مؤلّفاً ترك منجزاً هائلاً وكان له ترف أن يطبع زمنه بشخصيته الغامرة.
هوغو المُسرف في الأنواع مسرحاً ورواية ورسماً أيضاً وهوغو الباحث عن المجد الذي أوشك على احتلال جميع الأمكنة المتاحة في حقبته هو عينه هوغو الراغب، وهنا المفارقة، في الوحدة والحبّ والعدالة والثورة.
أكثَر هوغو في الحركة فجعل مجايليه وقراءه اللاحقين يستدرجون إلى جواره لا محال، وها إنه يورّط بوتور أيضاً فينحاز إليه ويُستدرج إلى محاولة كشف الصيغة المتناقضة التي تشكّل منها. وإذا ينتقي بوتور صاحب "البؤساء" دون سواه فإن ذلك يجيء على ما يبدو في تدرّج منطقي في مساره وبعدما جرّب قبلذاك تدريس هوغو كمادّة في "جامعة جنيف" ناهيك بتخصيص دراسات عدة له أيضاً.
لا يخفي بوتور وبدءاً من توطئة الكِتاب غياب افتتانه بالمختارات لسبب انه يروقه الإبحار في فساحة النص والتنقيب فيه في أبعاده المختلفة. لكنه يُردف ان الأنطولوجيا التي تعمد أحيانا إلى تلخيص "غابة المنجز" من خلال استحضار بعض الغصون فحسب، لا بدّ انها تنطوي على فائدة ما، في بعض الحالات.
وهذا ما حدا ببوتور على ما يبدو إلى التقرّب من هوغو من خلال تقديم بعض الشذرات التأليفية في تجربته، ها نحن مثلاً في جوار قصيدة "الجِنّ" وهي على ما يكتب "نصّا شديد الإفصاح عن اهتمام هوغو التشكيلي، والحال انه أراد نصاً يصير رَسماً".
وإذ يستنطق بوتور عن جملة في كتابه حين يرِِد "ان الإستخدام الوطني لشِعرِه (شعر هوغو) أبرَز نواحيه الإنفعالية، في حين ان هوغو حساس أيضاّ حيال الأناقة، حيال المنير - القاتم"، يردّ بوتور من خلال استدعاء هوغو المتشعّب، شاعر الجمهورية الثالثة الرسمي أحياناً وشاعرا يلفّه الغموض في أحيان أخرى.
في عرف بوتور بقيَت المعرفة التي تمحورت على هوغو ناقصة ومنحازة، وهذا ما حثّه على اللوذ بحركة تصويبيّة من خلال التمعّن بنصوصه "المُثقلة بالتصحيحات" والتي بينَت كاتباً إشتغل كثيراً على مؤلفاته و"ترك نصوصاً استشرافية"، كاتبا على شهية مفتوحة جسّد "الفكر الكونيّ".


 


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم