الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

مَن لديه حلٌّ آخر للرئاسة ... فليتفضّل !

ريـمون شاكر
A+ A-

الوضع فـي الـمنطقة يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، والتسوية فـي سوريا لا تزال بعيدة الـمنال، نظراً الى تشابك القوى، والأهداف الـمتناقضة للجبارين الأميركي والروسي. معظم الدول منشغلة بأزماتـها الداخلية، بعضها مُتخوّف من الصراعات العرقية والدينية والـمذهبية الـمحيطة بـه، والبعض الآخر منغمس حتـى العظم فـي تلك الصراعات. النزوح والـهجرة يغيّـران وجه الـمنطقة والعالـم، والكفر والإرهاب يـجتاحان الأوطان القريبة والبعيدة، ونـحن الذين نعيش فـي قلب العاصفة، وينهشُنا الفقر والعوز والعجز والديون الثقيلة، لا يزال بعضنا يتلهّى بالـخطابات والتحدّيات التـي لا تطعم جائعاً ولا تنقذ وطناً.
بعض السياسييـن يرسـم سيناريوهات رئاسية من نسج الـخيال، ويتلقّى وعوداً لا أساس لـها من الصحة، ومع هذا، ينتظر "غودو" فـي آب، وإن لـم يأتِ فـي آب، سيأتـي فـي أيلول أو تشرين، أو بعد الانتخابات الأميـركية، أو بعد إنتهاء معركة حلب، أو بعد تقسيم الـمنطقة... إنـها "دونكيشوتية" العبث، حيث لا شيء يـحدث ولا أحد يـأتـي.
إن التصعيد الأخيـر على جبهة "حزب الله" - "تيار الـمستقبل"، يرتدي طابع الإعلان غيـر الرسـمي عن إنسداد أفق الـحوار، والاستحقاق الرئاسي الذي وُضع مـجدّداً فـي الثلاجة، فـي انتظار ما سيتأتّى عن لـهيب أزمات الـمنطقة، يـحتاج إلى "مايكروويف" وطنـي ينزع عنه الـجليد، وإلى صحوة وطنية وتواضع وتنازل وتغليب مصلحة الوطن على الـمصالـح الذاتية.
بعد سنتيـن وثلاثة أشهر من الفراغ الرئاسي، أيقن الـجميع استحالة إنتخاب العماد ميشال عون أو النائب سليمان فرنـجية، لأنّ إنتخابـهما يشكّل تـحدّياً لنصف اللبنانييـن على الأقلّ، ويرتبط بـحسابات دولية وإقليمية معقّدة لن تنتهي فـي الـمدى الـمنظور، فالذي أيقظ الفتنة السنية - الشيعية بعد 1400 سنة، لن يدعها تنام أو ترتاح فـي وقت قريب، والذي أوعز إلى الرئيس سعد الحريري بـمفاوضة الـجنرال ميشال عون على الرئاسة، ثـم تراجع من دون سبب، ليعود ويرشّح النائب سليمان فرنـجية من دون أيّ سبب آخر، فهذا لا يريد رئاسة ولا جـمهورية ولا وطن.
صحّت توقعات "حزب الله" فـي حزيران 2014 - التـي أشرنا إليها فـي مقال سابق - "أن لا إمكان لانتخاب رئيس إلاّ من خارج إصطفافات 8 و14 آذار، ولا إمكان لـملء الشغور الرئاسي إلاّ برئيس توافقي". فهل أصبح الرئيس التوافقي اليوم "ملعوناً" ومن الـمحرّمات "الإلـهية"؟
منذ عام 2011 وحتـى أيار 2014، كان الـمسيحيون، وعلى رأسهم بكركي، يريدون الرئيس القوي، لأنـهم طوال فتـرة الوصاية السورية لـم يتمكّنوا من إيصال أيّ زعيم من زعمائهم إلى السدّة الرئاسية. فأُوكلَت الـمهمة إلى البطريرك الـمارونـي الذي تـمكّن فـي نيسان 2011، بعد شهر من إنتخابه، من جـمـْع أقطاب الـموارنة الأربعة، بعد عقود من التخاصم، فاستبشر الـمسيحيون، وخصوصاً بعدما توافق الأقطاب الـموارنة فـي آذار 2013، وشباط وآذار 2014، على وجوب إحتـرام إجراء إستحقاق إنتخاب رئيس للجمهورية فـي موعده الدستوري، والـحرص على حضور جلسة إنتخاب الرئيس والدورات التـي تلي، وحق الأقطاب الأربعة فـي التـرشّح لامتلاكهم الصفات الـمؤهّلة. وقال الـمطران سـميـر مظلوم فـي هذا السياق: "إتفق الأقطاب الـموارنة على أنّ ترشيح كلّ منهم للرئاسة مقبول من الآخرين، وتعهّدوا أنّ أحداً من الأربعة لا يضع "فيتو" على الآخر". ولكن، ويا للأسف الشديد، لـم تصحّ حسابات بكركي، ولـم يلتزم الأقطاب تعهداتـهم، ففي 4 نيسان 2014، أعلن الدكتور سـمير جعجع ترشيحه لرئاسة الـجمهورية، وفـي 22 نيسان عقد الـمجلس النيابـي أول جلسة لانتخاب الرئيس، فاستيقظت روح الفتنة مـجدداً، وفُتحت صفحات أليمة من تاريخ الوطن، وأخفق الـمجلس فـي إنتخاب خلف للرئيس ميشال سليمان، ويـُمكن إختصار النتائج التـي خرجت بـها الدورة الأولـى، بأنـّها أظهرت حجم القوتيـن الأساسيتيـن 8 و14 آذار، وعدم قدرة أيّ منهما على إيصال مرشّح من داخله إلى سدّة الرئاسة، وكرّست نظرية الرئيس التوافقي الذي أراده الشيخ نعيم قاسم فـي حزيران 2014، وهذا ما فتح باب التفاوض على مرشّح يرضى عنه الطرفان ولا يثيـر ريبة الدول الـمؤثّرة فـي لبنان. فلا الــ 48 صوتاً الـتـي حصل عليها الدكتور جعجع تـخوّله الوصول إلى سدّة الرئاسة، ولا أصحاب الــ 52 ورقة بيضاء يستطيعون إيصال رئيسهم العتيد. ومنذ نيسان 2014 وحتـى اليوم، وبعد 43 جلسة طغت عليها "مهزلة النصاب"، والوضْع الرئاسي يدور فـي حلقة مفرغة، على رغم التنازلات الكبيـرة و"الشطحات" الفاشلة والـمتهوّرة وغيـر الـمدروسة لفريق 14 آذار.
الآن، وبعد أن وصلنا إلى حائط مسدود، وانـهارت مؤسّسات الدولة الدستورية والسياسية والإقتصادية، وكفر الناس بالسياسييـن والأحزاب وبكل شيء، هل من الوطنية والأخلاق والضميـر أن يبقى فريق متمسّكاً بالعماد ميشال عون، والفريق الآخر متمسّكاً بالنائب سليمان فرنـجية كمرشحَيـن وحيدَين لرئاسة الـجمهورية؟ "ولو"! لـم يعد فـي هذه الـجمهورية سوى هذين الرجليـن؟ صحيح أن الأكثرية الـمسيحية تدعم وصول العماد عون إلى قصر بعبدا، إلاّ أنّ هذا الوضع لا يبـرّر أبداً إبقاء البلاد رهينة الإصرار على هذا الـموقف، "ولو خرِب البلد"! فالوطن أكبـر وأهمّ من الـجميع.
طرحنا فـي مقال سابق حلاًّ "وسطيـﴼ"، وهو إعتماد الـحلّ الذي لا يشكّل تـحدّياً واستفزازاً وانكساراً لأيّ فريق، فرئيس جـمهورية لبنان يـجب أن يكون مقبولاً من كل مكوّنات الوطن، لا مفروضاً من فريق على الأفرقاء الآخرين، مهما كبـرت قوة ذاك الفريق وتعاظمت ، فالـميثاقية الصحيحة تبدأ بالتوافق وتنتهي بالتوافق، لا بالفرْض، ولا بتشريع "تعطيل النصاب"، وترْك الوطن فـي الـمجهول .
إننا ندعوكم أيها السادة الزعماء إلى إحتـرام الدستور، وعدم ربْط إنتخاب الرئيس بأيّ سلّة، لأنـّها تعقّد الأمور بدل تسهيلها، وإلى تغليب مصلحة الوطن على مصالـحكم الذاتية، وأن تتوافقوا على رئيس لفتـرة إنتقالية من سنتيـن، ريثما ينقشع غبار الـمعركة الإقليمية، ويتمّ إنتخاب الـمجلس النيابـي الـجديد وفق قانون إنتخابـي جديد يؤمّن التمثيل الصحيح لكل فئات الشعب. هذا الرئيس، يسمّيه البطريرك الـمارونـي (لـهذه الـمرة فقط)، ويوافق عليه الـمرشّحان، العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنـجية، رئيس من خارج كل الإصطفافات، ولا يشكّل إنتخابه تـحدّياً لأيّ فريق، فالظرف الإستثنائي يتطلّب حلاًّ إستثنائياً، لا وضْع شروط جديدة، وزرْع ألغام جديدة، مثل "التفاهم الـمُسبَق على ما بعد الرئاسة، وعلى قانون الإنتخاب وعلى تشكيل الـحكومة".
هذا هو الـحلّ "الوسطي" الذي نطرحه الآن، ولا نـجد حلاًّ آخر سواه، ومَن لديه حلٌّ آخر، فليتفضّل، وفي أسرع وقت مـمكن، لأن الوطن الصغيـر والشعب الـمُنهَك، والإقتصاد الـمُنهار، لا يـتحمّلان ترف إنتظار "غودو" إلى ما لا نـهاية.


باحث وكاتب سياسي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم