الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل تدعم اميركا المد الايراني والشيعي في المنطقة؟

سام منسى
A+ A-

قبل سقوط القصير، ردد البعض بسخرية أن موسكو انضمت إلى حلف الممانعة المؤلف من إيران وسوريا "وحزب الله". إنما بعد سقوط القصير والملابسات التي رافقت معركة سيطرة جيش النظام السوري على معبر القنيطرة بات من الممكن القول، على كاريكاتورية هذا التوصيف، أن إسرائيل نفسها انضمت إلى حلف الممانعة ضد محور الشر الأميركي الإسرائيلي الصهيوني!


قد لا تكون معركة القصير الفيصل الرئيس في الحكم على مستقبل الصراع الدائر في سوريا، غير أنها تشكل دون أدنى شك إحدى المحطات المهمة التي ينبغي التوقف أمام دلالاتها لتقدير مسار اتجاهات الأحداث مستقبلا. كما أنها تزيل قدرا كبيرا من علامات الاستفهام التي رافقت الموقفين الأميركي والإسرائيلي من الأزمة السورية منذ اندلاعها حتى اليوم، وتجلي بعضا من الضبابية التي لازمت أحداثا سابقة، لاسيما لجهة نتائج الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على عراق صدام حسين وعلى "القاعدة" في أفغانستان وحرب 2006 بين إسرائيل و"حزب الله" على الأراضي اللبنانية.
لا يختلف اثنان على أن واشنطن قدمت العراق على طبق من ذهب إلى إيران، وهي في طريقها إلى تسليمها قسماً أساسياً من أفغانستان. وعام 2006، لم يفهم الكثيرون لماذا أحجمت إسرائيل عن حسم حربها مع "حزب الله" في لبنان على الرغم من تفوقها العسكري كما لم يقتنعوا بحجة غلبة الذراع الإيرانية في حرب العصابات مع باع إسرائيل الطويل في هذه الحرب من خلال مواجهاتها التاريخية مع الفدائيين الفلسطينين. ولم يفهم أساسا، لماذا سمحت إسرائيل لـ"حزب الله"منذ الثمانينات وحتى اليوم بإنشاء ترسانته العسكرية وتعزيزها؟
منذ أن أعلنت أميركا الحرب على نظام صدام حسين من ضمن حربها الشاملة حينذاك على الإرهاب، اعتقد الكثيرون صوابا أنها تخطئ الهدف إذ كان العراق وقتها يشكل الحلقة الأضعف بين الدول الراعية للإرهاب كإيران وسوريا وليبيا وحتى بعض دول الخليج العربي. ومع نهاية هذه الحرب العوراء، بدا أن الولايات المتحدة تقدم إلى إيران هدية مجانية بإسقاط نظام صدام حسين وإعلاء شأن "حزب الدعوة" الشيعي الإيراني، كما بدا في عام 2006 أن إسرائيل تمنح "حزب الله"الشيعي الإيراني شرعية سنية عربية وتجذر تاليا سطوته في لبنان وتسلمه مقاليد القرار السياسي والعسكري فيه.
معركة القصير، بكل مجرياتها، بدت صدى لهذه السياسات الأميركية والإسرائيلية.
حين تواترت المعلومات عن الحشود العسكرية غير "السورية" التي تتجمع حول القصير، توقع الكثيرون سقوط البلدة، إذ كان واضحا أن "غزوا" خارجيا يلوح في الأفق، بدا معه أن النظام السوري بقواه الذاتية قد سقط ولم يعد قادرا على تغيير ميزان القوى دون تدخل مباشر لحليفه الإيراني لإنقاذه بواسطة ذراعه اللبنانية، "حزب الله". ومع كل الدلالات الاستراتيجية التي يحملها دخول "حزب الله" علنا بعدته وعديده إلى خضم الصراع الدائر في سوريا لجهة التغييرات التي يحدثها في معالم المنطقة، غابت ردود الفعل الإقليمية والدولية الفاعلة، وبدا الغرب بعامة والأميركيون بخاصة وكأنهم يراقبون دون اندهاش مشهدا يتوقعونه أو يكادون يسعون إليه!
أصبح معلوما للقاصي والداني أن "حزب الله"ما هو إلا وحدة عسكرية في منظومة الدفاع الإيرانية. مشاركته المباشرة في مسار الحرب السورية ومن القصير تحديدا، تشير على الصعيد اللبناني أولا إلى تقويض كلي للدولة بالمفهوم السياسي والعسكري وحتى الجغرافي، إذ ألغى الحزب حدود لبنان الشمالية الشرقية واصلا منطقة البقاع ذي الأكثرية السكانية الشيعية بالساحل السوري حيث تتمركز الأكثرية العلوية، كمقدمة لإقامة ما بات يعرف في الداخل اللبناني وبغطاء من بعض مسيحييه بحلف الأقليات.
وعلى الصعيد الإقليمي، لا نبالغ إذ نقول أننا نشهد قيام سايكس بيكو إيراني جديد في المنطقة سبق للعاهل الأردني أن حذر منه حين اتهم إيران بمحاولة إنشاء هلال شيعي يمتد من العراق إلى لبنان. فإيران باتت بلا منازع اللاعب الوحيد في لبنان وسوريا واللاعب الأكبر في العراق دون أن ننسى الغزل الدائر مع النظام الإخواني في مصر إضافة إلى نجاحها عبر دعمها لـ"حماس" في إقصاء السلطة الوطنية الفلسطينية إقصاءً شبه كامل. وإذا قيض لها النجاح في مسعاها، فستصب سهامها الاولى على الأردن لتستكمل مشروع تقسيم المنطقة الجديد على أساس يعطي الأولوية للانتماء الطائفي والمذهبي على حساب الانتماء الوطني والقومي.
أما على الصعيد الدولي ومن ضمنه النزاع العربي الإسرائيلي وموقفا أميركا وإسرائيل مما يحدث، فقد بدا جليا من مجريات الأحداث، لاسيما في معبر القنيطرة، أن إسرائيل مرتاحة لإعادة بسط الجيش السوري سيطرته على هذا المعبر الى درجة أنها استجابت لرغبة النظام بالسماح لدباباته بعبور المنطقة العازلة لردع مسلحي المعارضة. كما أنها لم تتصدّ لحشود "حزب الله" المتجهة سواء إلى حدودها الشمالية أو الشمالية الشرقية والشمالية الغربية، ما يظهرأن إسرائيل تفضل وجود قوات الأسد و"حزب الله" ومن ورائهما إيران على حدودها من الجولان إلى لبنان، ولا تمانع تاليا سياسة القضم التي تمارسها إيران في المنطقة.
وإذا أضفنا إلى ذلك مقاربة العلاقة الروسية الإسرائيلية والاتصالات التي جرت بينهما إثر إعلان موسكو استعدادها للحلول محل النمسا في هضبة الجولان، لأمكن لنا ملاحظة نشأة تقاطع سياسي وتشابك في المصالح الإقليمية والدولية في المنطقة، دفع بإسرائيل إلى غض الطرف عن استعادة النظام سيطرته بدءا بالمنطقة الحدودية وصولا إلى دمشق، مع استعداد روسي لتأجيل بل إلغاء صفقة صواريخ "أس 300" الدفاعية وغيرها.
إلى ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة لا تخشى بدورها الإرهاب الشيعي لا بل ان الرئيس باراك أوباما بسياسة اللاموقف التي يعتمدها من الأزمة السورية، يكرر موقف الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر حيال الثورة الخمينية وإسقاطها حكم الشاه، حليفها التاريخي في المنطقة. ولا نبالغ إذ نقول أنه يؤسس لثورة خمينية ثانية هدفها تحقيق ما كانت تسعى إليه الأولى من مد النفوذ الإيراني عبر تصدير الثورة.
مع كل هذه الأحداث ودلالاتها وأمام شبه الرضى حيال التدخل الإيراني السافر في سوريا والتساهل مع إرهاب "حزب الله" الشيعي، تسقط حجة الغرب والولايات المتحدة بخاصة بعدم تسليح المعارضة السورية خوفا من وقوع السلاح بيد قوى دينية سنية متطرفة، كما لو كانت إيران و"حزب الله" وحتى النظام السوري قوى علمانية، ديموقراطية وليبرالية!
ويسقط أيضا النقاش الدائر في أميركا حول نية الإدارة الأميركية ضرب الاسلام المتشدد بجناحيه السني والشيعي بعضه ببعض في محاولة للتخلص من كليهما. ففي حين شنت أميركا حربا ضروسا على التشدد السني فهي تظهر من العراق إلى اليمن ولبنان وسوريا نوعا من الإستيعاب للتطرف الشيعي ومفاعيله. وحتى في مواجهتها للطموح النووي الإيراني، فالتلكؤ يبقى سيد الموقف مع استمرارها في إعطاء الأولوية للمفاوضات على الرغم من كل مواقف طهران المتشددة حيال هذه القضية.
فهل الولايات المتحدة (وتاليا إسرائيل) تدعم من خلال ما بات يعرف بسياسة اللاقرار التي تعتمدها حيال الصراع في سوريا المد الإيراني والشيعي في المنطقة؟ وإذا كان هذا السيناريو صحيحا وقيض لنظام الرئيس بشار الأسد أن ينتصر أو على الأقل اذا اتيح له تحقيق إقامة الدولة العلوية المرتبطة بشيعة لبنان، فما هي ارتداداته على لبنان ودول إقليمية أخرى كتركيا والأردن وصولا إلى دول الخليج العربي؟
قد يكون ما قاله السيناتور الجمهوري الأميركي جون ماكين يلخص المخاوف من انعكاسات سياسة الشلل التي تمارسها إدارة أوباما ليس فقط تجاه سوريا بل المنطقة بأسرها.
ماكين الذي طالب الإدارة الأميركية بتسليح المعارضة السورية، إنما كان يحذر من سقوط منطقة الشرق الأوسط في ما سماه منحدر اليأس والتطرف، اللذين سيؤثران سلبا على الأمن القومي الأميركي. وعندما حذر من أن الازمة في منطقة الشرق الاوسط تتجه نحو الطائفية، فإنه كان يحذر في الوقت نفسه من انعكاسات اندلاع الصراع بهذا الشكل على مصالح ليس الولايات المتحدة فحسب، بل وعلى استقرار المنطقة ومستقبلها والذي يشمل اسرائيل وأمنها.
ماكين الذي انتقد الصمت حيال مدّ إيران و"حزب الله"نظام الرئيس بشار الأسد بآلاف المقاتلين، كان يحذر من إن الامتناع عن تسليح المعارضة سيتيح لـ"آخرين" القيام بهذه المهمة، محذرا من إن انعزال واشنطن سيؤدي إلى دخول أطراف أخرى في الصراع لتملأ الفراغ، والى تحول إيران الى أكبر مهدد لاستقرار المنطقة بما يتجاوز تنظيم "القاعدة".
ما قاله ماكين صحيح بالنسبة إلى ارتدادات ما يجري في سوريا على أمن المنطقة بأسرها وانسحابا على أمن إسرائيل والدول الغربية والولايات المتحدة. وصدق حين حذّر من تصاعد النفوذ الإيراني فيها. إنما ما يبقى قابلا للجدل في رؤيته للقضية هو المطب الذي وقعنا فيه جميعا، أي توصيف موقف أميركا من الأزمة السورية بالتردد أو الشلل أو اللاموقف، إذ يشير مسار الأحداث إلى أن الولايات المتحدة (ومعها إسرائيل) قد اختارت منذ ظهور تنظيم "القاعدة" وتسعير إيران وسوريا لمخاطر إرهابه، الوقوف إلى جانب الإرهاب الشيعي مع كل مفاعيله التي تبدأ بإقامة هلال شيعي أقلي في المنطقة، يوقعها في حرب المئة عام مع المحيط السني الأكثري، مرورا بالقضاء على كل المعتدلين فيها والقوى العلمانية والليبرالية، وصولا إلى وأد القضية الفلسطينية بحيث تصبح في هذا الأتون المشتعل لزوم ما لا يلزم.
أميركا لم تبق مكتوفة اليدين بل رفعتهما لتسمح، بعدم تدخلها، لإيران بزعزعة أسس المنطقة التاريخية والجغرافية. ما حدث في القصير خطير جدا ليس لأنه يكشف نيات إيران المبيتة للمنطقة بل لأنه يظهر وفقا لمنطق تسلسل الأحداث انحياز إسرائيل وأميركا لظاهرة الأسد وخامنئي وحسن نصر الله.
كنا دائما من رافضي نظرية المؤمرات والتآمر والمتأمرين!!! إلا أننا بتنا اليوم في السر وفي العلن نتمنى ألا يكون هذا السيناريو، صحيح وأن تكون الولايات المتحدة تلعب من تحت الطاولة بذكاء لتزج إيران في وحول الحرب السورية وتوجه لها في الوقت المناسب الضربة القاضية... وفي حال صح، تكون أميركا قد باعت شعوب المنطقة وأحلامها بصفقة من تحت الطاولة مع إيران...


صحافي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم