السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

لبنانيون عائدون من السويد: "كان علينا الخروج بأسرع ما يمكن"

المصدر: طرابلس - "النهار"
رولا حميد
لبنانيون عائدون من السويد: "كان علينا الخروج بأسرع ما يمكن"
لبنانيون عائدون من السويد: "كان علينا الخروج بأسرع ما يمكن"
A+ A-

 


تتفاقم قصص الهجرة إلى أوروبا. في الميناء بطرابلس، يجري حديث عن تطوراتها في كل مكان، ولم تعد القضية مقتصرة على عدد محدود من الأشخاص.
ومن المعروف أن انباء تواردت من السلطات السويدية عن نيتها ترحيل ما يزيد على السبعين عائلة لبنانية، منهم من سبقت هجرته إلى السويد موجة الهجرة الأخيرة التي تفاقمت في العامين الماضيين، مما حدا بوزير العمل سجعان قزي إلى التهديد بالمعاملة بالمثل، بينما أجرى وزير العدل اللواء أشرف ريفي اتصالاته لحل المشكلة.
وقد رفع اللواء ريفي رسالة إلى نظيره السويدي يشكره فيها أولا، على المبادرة الحسنة التي أبدتها السويد تجاه اللبنانيين الذين اضطروا إلى اللجوء إلى السويد هربا من حرب تموز 2006، والجهود التي بذلتها السويد في سبيلهم، مما شكل دعماً كبيرًا للبنان في عز محنته، وساعد اللبنانيين على تجاوز صعوباتهم في تلك المحنة.
وتمنى ريفي في رسالته أن "تعيد السلطات السويدية النظر في قرارها القاضي بإبعاد اللبنانيين نظراً لأوضاعهم الاجتماعية".
وبالتوازي مع هذه التطورات، يمكن لزائر الميناء بطرابلس أن يلمس آثار عودة كثيرين من السويد، ومن الدول الأوروبية، كالمانيا، وتنتشر الأحاديث بين الناس، ولم يعد من الصعب البحث عن عائدين.
الميناويون الذين طالتهم قصص الهجرة بالكثير من المآسي، رحلوا بالجملة لأنهم تفاعلوا مع البحر، ومتى جاء زمن الهجرة، هزؤوا به، فركبوه بالمئات إلى أوروبا، ظنا منهم أن الرحلة ليست أكثر من نزهة بحرية بين شاطئهم، وجزره. لم يكونوا يعرفون مشقة ومخاطر الرحلة في البلقان بين تركيا والسويد، مرورًا باليونان ومقدونيا ومولدافيا وصربيا والنمسا وألمانيا، وبقية الدول الواقعة على خط اللجوء الذي بات معروفاً للجميع، بسلامته، ومخاطره. وكثرة الراحلين صنعت حركة ناشطة تشي بأن المدينة كلها رحلت إلى أوروبا.
في المسمكة العامة قرب مركز الجمارك، عدد من صيادي سمّك، منهم الأعزب، ومنهم المتزوج، جرفتهم موجة الهجرةالتي تفاقمت صيف 2015. تراءت لهم جنان اوروبا، فلم يترددوا في زهق أموال، وممتلكات، جمعوها، وبنوها لحظة بلحظة، بعرق جبينهم في عراكهم مع البحر، وأنوائه، وعلى مقربة منهم، مصنع لترميم الزوارق لآل كيلو، يتحدث صناعه عن البحر كأنهم سمكه، ومياهه.
عبد القادر كيلو، من الشباب الصاعد، ثلاثيني، متزوج، لديه ابنة جومانا (6 سنوات)، وعثمان (3 سنوات)، يحمل شهادة مهنية في تكنولوجيا الميكانيك المتخصص. رحل مع العائلة في الطريق الذي بات تقليديا، تركيا، فاليونان، ومنها سيرا على الأقدام حينا، كما يقول، وأحيانا بالتنقلات بالباص.
ويضيف: "من أخطر ما يمكن أن يواجهه انسان هو هذه الرحلة. لا يمكن لأحد تخيل المخاطر، خصوصا عند تواجد العائلة". ثم يشير بإصبعه إلى جبل تربل المرتفع زهاء 600 متر عن سطح البحر.
ويقول: "نقلنا إلى جبل مثيل له في اليونان، وانتظرنا حتى هبوط الليل الذي يمنع اكتشافنا من قبل الشرطة اليونانية. وكان علينا أن ننحدرَ منه سيراً على الأقدام في ظلمة تامة، وطرق وعرة لا ترى منها، ولا تعرف عنها شيئاً. لم أصدقْ أننا قطعنا المنحدر بسلام".
ويتابع شارحاً المخاطر الأخرى، والانتقال بين الحدود، وكثيراً منها في الغابات سيراً على الأقدام، مع مخاطر التعرض للصوص، وقطاع الطرق. ويقول: "كانت رحلتي تستهدف تأمين مستقبل لأولادي، وأنا لا أرى له أفقا في لبنان. وسمعنا عن البلاد الأوروبية الكثير. ولما كان هناك أقرباء لي مستقرين في السويد، ويعيشون ويعملون هناك منذ مدة بعيدة، رأيت أن أذهب إلى السويد، واعمل معهم. لكن ما تفكر به هنا، وما تخطط له، شيء، وما تواجهه هناك من أنظمة، ونمط حياة، شيء آخر بالكامل".
بعد شهرين من الإقامة، لم تكن الخيارات المتعددة مفتوحة امام عبد القادر وعائلته. مجالات الحياة ضيقة، ونظام الإقامة قاسٍ، ولا يستطيع المرء ان يختار حياته، ولا مأكله، ولا مسكنه. ولم تبدُ له في الأفق بوادر الحصول على الإقامة التي تؤهله للعمل في وقت قريب. يقول: "بدأت أموالنا تنفذ، والأولاد متضايقون في نظام قاسٍ لم نعتد عليه، وليس في الأفق ملامح لعمل. كنا في سجن. وكان علينا الخروج بأسرع ما يمكن. وهكذا كان. والحمد لله أننا عدنا سالمين بعد رحلة المشقة التي يمكن القول أنها دامت عاما كاملا بين الذهاب والإياب".
ويستدرك عبد القادر أن السلطات السويدية تعاملت معه ومع عائلته بكل لطف، لكن تجمعت عدة أسباب لعودته، منها "تعذر تحمل نمط الحياة، والانتظار الطويل غير المعروف الحدود للبدء بالعمل او الترحيل، ونفاذ المال الذي يؤمن ضروريات الحياة".
عاد عبد القادر كيلو مع عائلته في رحلة صعبة لسنة، كلفته 19 الف دولار كانت كافية له لفتح أي مجال استثمار ولو كان صغيرا. أما هو فيقول: "عندما فكرت بالسفر، كان همي مستقبل ابنائي، وليس حياتنا الحاضرة".


عاد من السويد
الشاب مصطفى كنفاني لبناني مجنس، قال أنه سافر لتحسين العيش، عاد من السويد لأن "الحياة ليست مؤمنة بطريقة سهلة. هناك عذاب كثير. ومشقة لايجاد عملواختناق في الحياة، ونظام إلكتروني، ضابط، وسجن كبير. لكن تعامل السويديين معنا، سلطة وشعبا، كان تعاملا جيدا، ولم نلمس أي إزعاج منهم، لا بل إن السلطات قدمت لنا المال الكافي لتغطية نفقاتنا. إلا ان نمط الحياة صعب علينا".
الشاب سليم ك. قال: "ان شقيقه باع بيته وترك عمله ثم هاجر مع عائلته المؤلفة من سبعة افراد الى السويد وهو يمني النفس بالخروج من الضائقة المعيشية التي كانت تعاني منها عائلته وعينه على مستقبل عائلته في بلد لم تعد تتوفر فيه أبسط مقومات الحياة للناس العاديين. ولكنه اليوم مهدد بالترحيل الى لبنان وبذلك يكون قد خسر كل شيء واصبح كما يقول المثل "على الحديد". والطامة الكبرى اين سيسكن، كيف سيؤمن لقمة العيش لأولاده وماذا عن مستقبلهم الضائع بين امواج البحر المتلاطمة؟ وأي دور للدولة اللبنانية في انقاذ هذه العائلة وسواها من براثن الضياع؟!".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم