الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

تجارب نساء سوريات في الثورة والسجون... والمجتمع

جوزف باسيل
تجارب نساء سوريات في الثورة والسجون... والمجتمع
تجارب نساء سوريات في الثورة والسجون... والمجتمع
A+ A-

أجرت منظمة "استيقظت" بين ربيع 2011 وربيع 2013، ستين مقابلة مع ستين سيدة اختيرت من بينها تسع عشرة مقابلة، أعيدت كتابة اجوبتهن وشهاداتهن وكل شخصية على حدة في مقاطع طويلة. أجري قسم كبير من المقابلات في دمشق وريفها، وبعضها خارج سوريا.
و"استيقظت" منظمة نسوية سورية تروي قصصاً حقيقية من وجهة نظر نساء في المجتمع السوري، "وكيف تتبدى الحياة عند النساء والرجال لدى التركيز على الجسد والجنس والجنسانية، وكيف تعمل أفكار أو مفاهيم معينة مرتبطة بهذه المفردات الثلاث على تكوين مجتمعاتنا والتحكم بحياة الجميع"، كما ورد في التمهيد للكتاب.
يروي كتاب "الى أن قامت الحرب – نساء في الثورة السورية" لجولان حاجي كيف تدرك النساء أنفسهن، وكيف يختبرن هذا الادراك والصراعات التي يخضنها كي يكن أنفسهن في مجتمع يعتبر المرأة كائناً ثانوياً دورها هامشي يقصى الى محيط دائرة مركزها الرجل.
كتاب تروي فيه نساء سوريات شهاداتهن التي تمتد من بداية الثورة السورية منتصف آذار 2011، حتى انقلابها حرباً ليس لبدئها تاريخ متفق عليه.
للشهادات التي تنحدر صاحباتها من ريف سوريا أو يقمن فيه، حضور كبير، يعزا الى سمة الالتصاق بالمكان، وهي سمة تحمل أكثر من وجه: تشير الى أنّ المحَاورات في المناطق الريفية كنا في الميدان الفعلي للتظاهرات، والى اجتراح النساء نماذج جديدة في السلوك والتصرفات أتت بمثابة استجابة لمتطلبات الاوضاع الجديدة واحتمالاتها. إنّ التحولات ملموسة ومحسوسة داخل بيئتها المحلية في المناطق المنتفضة، وأفسحت مجالاً معيّناً لسلوك اجتماعي جديد اسفرت عنه الثورة، والأرجح أنّ هذه التحولات تتجلى لدى النساء، في ريف دمشق، وفي غيره.
إنّ الاكتفاء بسبع عشرة مقابلة فلتشابه تجارب النساء، وتكاد بعض قصصهن تتطابق على الرغم من تباين الأمكنة التي دارت فيها. بصرف النظر عن غنى هذه التجارب بالتفاصيل والمعلومات وفرادتها لدى كل امرأة، يلاحظ أنه حين تشوّش الفوضى الصورة العامة، كما الحال في سوريا بعد قرابة نصف قرن من الاستبداد والأجوبة المعلبة الجاهزة، يمكن التوصل الى نتائج أفضل وأثرى وأكثر استفزازاً للأذهان عند الالتفات الى ما يلاحظه الناس ببساطة وهم يناقشون في مرويات شفوية ما يواجهونه داخل عالمهم الشخصي الصغير أو المحدود، ولعل النتائج في مثل هذه الحال أجدى مما يمكننا الوصول اليه كأفراد يأخذون على عاتقهم في بعض الأحيان الخروج بأجوبة قطعية، كما يتوهمون أن آراءهم تغطي بشموليتها البلاد بأسرها. إن النساء في الأرياف حيث الاحتدامات والقلائل، لا يلاحظ لديهن تحيّز واضح للمواقف الدينية أو الايديولوجية الصرفة، ولو كنّ متدينات وصاحبات مبادئ في غالب الأحيان، لأنّ كل شيء بالنسبة اليهن يحمل تبعات اجتماعية وعملية مباشرة.
يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام رئيسية: المبتدأ "أمكنة تنهض، أمكنة تتداعى"، يتركّز في ريف دمشق بعديد بلداته، وكل شهادة فيه معنونة باسم البلدة المقصودة، ترويها امرأة عاشت فيها وشاركت في الثورة بأشكال مختلفة. النساء يصفن بالتفصيل بدايات الثورة في مناطقهن وكيف تطورت، من الدهشة الأولى والمشاركات الأولى، وصولاً الى الانسحاب التدريجي لمعظم النساء وانكفائهن عندما انقلبت مناطقهن الى ساحات معارك.
تشترك النساء جميعاً في مزيّة واضحة هي الشجاعة. وقد أحسسن عند انطلاقة الثورة بوجوب المشاركة. تقول إحدى المشاركات: "فرضنا أنفسنا بالاصرار". وتذكر كثيرات أنهن كنّ يشجعن على الاستمرار في المشاركة في الثورة، بما يشبه بث الحماسة عند توقف التظاهرات في الريف اثر تصاعد العنف واشتداده.
في القسم الأول يرى القارئ جمال البدايات، ثم انهيار المدن والبلدات... والألم. ويلاحظ أنّ المحاورات في الريف صريحات وملاحظاتهن واضحة، "فالنظام لن يتوقف عن القتل وتصعيد العنف وعسكرة الثورة أمر لا مفرّ منه، وإلا "فقد نذبح جميعاً" كما تعبّر إحداهن".
في القسم الثاني "أمكنة تضيق" يلتقي القارئ مجموعة أخرى من النساء قادمات من مناطق مختلفة لا تقتصر على دمشق وريفها، وخلفياتهن الاجتماعية متباينة. كل النساء اللواتي نقرأهن اعتقلن مرة واحدة على الأقل خلال الثورة، وهن يصفن أو يشهدن على الآلة الساحقة التي شنت بها الحرب على المدن والأحياء، وقد رأين هذه الآلة واختبرنها من داخلها. إنّ النساء اللواتي واجهن النظام وتحدينه اعتقلن وقضين أوقاتاً متفاوتة في مساحات السجون الضيقة. نسمع آراءهن وكيف يرين الأمور بعين مغايرة، حتى لو كنّ غائبات عن ساحات القتال. وترى النساء أن لا مخرج من هذا الصراع وهذه الحرب المستعرة، إلاّ بالمفاوضات السياسية. على الرغم من أنهن تعرضن لإذلال النظام لهن ويصفن بدقة كيف تعمل "آلة القمع الوحشية" وكيف تنكّل بالناس. ويريننا كيف تواجه المرأة في السجن مخاوفها وهواجسها حتى لو لم تكن ضحية مباشرة للتعذيب الجسدي. والقلق الأقصى لدى النساء يتكثف في السجن، لأنه مكان الاغتصابات. حتى أنّ احداهن قالت إن "دخول السجن في حد ذاته اغتصاب".
في القسم الثالث بعنوان "صورتان في المنفى" يعرض شهادتين لامرأتين سوريتين تعيشان مقتلعتين خارج سورية، ويستكمل وصف التجارب الذاتية – الشخصية التي عيشت بهولها وروعتها في أحلك الظروف. إن البعض والعزلة في المنفى مختلفان، وكذلك الألم.
يجد القارئ في الكتاب ما يشبه تاريخاً وجيزاً لسوريا المعاصرة وثورتها مروياً على لسان نساء سوريات. إضافة الى دور الطبقة البورجوازية والمعارضة السياسية واخفاقاتها وأسباب احباطها... وكيف بادرت النساء في المناطق الكردية الى حمل السلاح وخوض القتال.
الملاحظ أنّ معظم النساء قد التفتن خلال الثورة كل الى هويتها كامرأة، ومعنى تلك الهوية.


[email protected]


• "الى أن قامت الحرب" نساء في الثورة السورية، لجولان حاجي، 213 صفحة، دار رياض الريس.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم