الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

طيران روسي فوق المحظور الاميركي

المصدر: "النهار"
أمين قمورية
طيران روسي فوق المحظور الاميركي
طيران روسي فوق المحظور الاميركي
A+ A-

للمرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية، تسمح #إيران بوجود عسكري أجنبي على أراضيها، عقب السماح لقاذفات روسية عملاقة باستخدام القواعد العسكرية الإيرانية في قصف #سوريا، وهذا ما يمكن اعتباره قرارًا تاريخيًّا اتخذته الجمهورية الاسلامية. وهكذا فإن "حرس" الثورة الايرانية الذين انتفضوا على الشاه عام 1979 يفعلون اليوم بعد مرور 37 عاما على الثورة ما لم يجرؤ شاه ايران على الاقدام عليه، وهو المتهم بأنه كان شرطي الولايات المتحدة في المنطقة وحارس مصالحها الامين.
ولعلّ تجاوز السلطات "الثورية" في طهران لدستور الجمهورية الاسلامية الذي ينص على حظر استخدام أي دولة أجنبية لقاعدة عسكرية في ايران، وسماحها للمرة الأولى بوجود عسكري روسي على أراضيها، يشير بشكل أو بآخر إلى اهمية المسألة السورية في المنظور الاستراتيجي الايراني، ويشير ايضا إلى المدى الرفيع الذي بلغته العلاقات الاستراتيجية الروسية الايرانية على خلفية تعاونهما في سوريا وملفات اخرى مهمة سياسية وعسكرية واقتصادية.
ويشير خبراء الى ان التطورات الميدانية الاخيرة في حلب التي اظهرت نقاط ضعف بارزة في الجيش السوري والميليشيات المناصرة له، ربما تكون سبباً آخر من الأسباب التي حفزت إيران للسماح بقوات روسية على أراضيها، حيث تسعى طهران وموسكو إلى تكثيف العمليات العسكرية الداعمة للرئيس بشار الاسد عقب تلك الخسائر التي تكبّدتها قواته في حلب تحديداً، والتي يبدو أن الوضع فيها سيكون معقداً خلال الفترة المقبلة.
ورغم النفي الرسمي الإيراني لأن تكون لروسيا قاعدة عسكرية دائمة داخل إيران، فان رئيس مجلس الشورى الاسلامي في ايران علي لاريجاني، أكد أن "إيران تتعاون مع روسيا، وهي حليفنا في القضايا الإقليمية، خاصة السورية". واضاف "لدينا تعاون جيد مع روسيا، أقولها بصوت عالٍ وصريح".
الأمر لا ينحصر بإيران فقط، بل هي المرة الأولى أيضا التي تستخدم فيها روسيا قواعد عسكرية خارج سوريا لتنفيذ مهمات وطلعات جوية، الأمر الذي يفهمه محلّلون على أنه تطور استراتيجي كبير لموسكو ويوطّد قدمها في منطقة الشرق الأوسط.
وبحسب تلفزيون "روسيا اليوم" فان المسافة هي ايضا إحدى الميزات التي يضيفها استخدام المقاتلات والقاذفات الروسية للقواعد الإيرانية وخصوصا قاعدة همدان التي انطلقت منها القاذفات، الثلثاء، باعتبار أن القاذفات كانت تستغرق رحلتها ساعتين للوصول من قواعدها في روسيا إلى الأهداف بسوريا ولكنها تستغرق الآن 30 دقيقة فقط. فقصر المسافة ومدة التحليق يعني وقودا أقل وتاليا اتاحة المجال لتحميل القاذفات بقنابل وأسلحة أكثر، مع ما يعكسه ذلك من توفير قدرات أكبر على تنفيذ عمليات جوية أكثر كثافة، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة احتمال تدمير بشكل كامل، لا سيما في حال دار الحديث عن الأهداف المتحركة مثل قوافل المسلحين والأسلحة أو صهاريج النفط.
وكان سلاح الجو الروسي يستخدم سابقا لتنفيذ ضرباته في سوريا بواسطة قاذفات "تو-22 إم3" مطارات تقع في جمهورية أوسيتيا الشمالية جنوب روسيا، لأن قاعدة حميميم السورية ليست مناسبة لاستقبال هذا النوع من القاذفات التي تعد من الأضخم في العالم. وتبعد تلك المطارات، مثلا، عن تدمر السورية الفي كيلومتر تقريبا، في وقت تبلغ فيه المسافة بين هذه المدينة وقاعدة همدان الايرانية 900 كيلومتر فقط.
يشير الخبراء العسكريون ايضا إلى أن استخدام قاعدة همدان يضمن مزيدا من الأمن للطائرات الروسية أثناء قيامها بعمليات الإقلاع والهبوط، مقارنة بقاعدة حميميم، التي تقع، خلافا لهمدان، قريبا من مسرح الأعمال القتالية ومواقع الإرهابيين.
لجوء القوات الجوية الروسية لاستخدام البنية التحتية العسكرية الإيرانية يمليها أيضا سير التطورات الميدانية في سوريا. فحلب، الواقعة في شمال البلاد، تشهد معارك عنيفة في ظل تكثيف المعارضين المسلحين هجماتهم على مواقع القوات الموالية للحكومة من أجل فك الحصار المفروض على المدينة من الجيش السوري، الأمر الذي يجري بالتزامن مع استمرار عمليات توريد الأسلحة لمقاتلي المعارضات السورية عبر الحدود التركية.
الى ذلك يقول المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي أندره كارتونوف لـ "نيويورك تايمس" إن استخدام روسيا لقواعد إيرانية لمهاجمة سوريا سيعزز من موقفها في المفاوضات مع الغرب في شأن ملف سوريا وملفات أخرى، مشيراً إلى أن روسيا تسعى لتشكيل ائتلاف مع إيران يتجاوز التعاون الحالي في شأن سوريا. ويضيف ان موقف النظام السوري عقب الإعلان الروسي باستخدام القواعد الإيرانية، سيتعزز أكثر، رغم أن قواته تبعثرت بشكل كبير خلال الفترة الماضية.
ويرى كليف كويشان، المتخصص بمجموعة أوراسيا في مؤسسة تحليل السياسة، ومقرها واشنطن، أن الاتفاق الأخير بين روسيا وإيران يشير بوضوح إلى اتفاق كبير على بقاء الأسد، مبيناً أن روسيا لم تكن داعمة بشكل مطلق لبقاء الأسد، على عكس الإيرانيين، ولكن الآن يبدو أن روسيا انتقلت إلى ضفة إيران في دعمها بقاء الأسد رئيساً لسوريا.
وترى صحيفة "نيويورك تايمس" الأميركية أن استخدام القوات الروسية للقواعد العسكرية الإيرانية في الحرب بسوريا، سيحدّ كثيراً من الخيارات الأميركية، مؤكدة أن هذا القرار الذي أُعلن أمس سيؤدي فعلا إلى زيادة القوة النارية الروسية بسوريا، رغم أن هناك قاعدة عسكرية لروسيا في سوريا؟ وهنا يبرز السؤال الاهم، ماذا تعني تلك الخطوات الروسية المتسارعة في نطاق الحرب على الإرهاب، وماذا عن الولايات المتحدة وعن ردّ فعلها، وتقبل بمتغير كبير في الساحة الشرق الاوسطية يتجاوز الحدود السورية الى ما هو أبعد؟
شكلت منطقة الخليج ولعقود طويلة بمثابة المنطقة الأميركية المحرم على غيرها الاقتراب منها عسكريا واقتصاديا لذلك فإن وجود طائرات روسية من النوع الاستراتيجي في إيران ستنظر إليه الولايات المتحدة على أنه تهديد عسكري مباشر لمصالحها في الخليح، فروسيا اليوم باتت حاضرة على خاصرة الخليج العربي وربما تكون غدا في الأراضي العراقية.
والى وجودها المعلن في سوريا وهو أمر قد لا يقل خطورة من وجهة النظر الاميركية عن أزمة الصواريخ الروسية في خليج الخنازير التي كادت تشعل فتيل حرب عالمية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الامريكية، فروسيا اليوم تمضي بلا هوادة في حربها على الإرهاب واستعادة ثقلها الاستراتيجي على الساحة الدولية فيما تبدو الولايات المتحدة أضعف من أي وقت مضى على المواجهة، خاصة ان الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب وهو ما يعني بالضرورة دخول السياسية الأميركية والقرارات العسكرية إلى الثلاجة لما بعد الانتخابات كما بات واضحا ومعروفا .
حتى الآن الرد الاميركي على الخطوات الروسية أتى هزيلًا لا يتعدى حدود محاولة الابتزاز حيث قال روبرت مالي منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج، الذي يشغل أيضا منصب مساعد الرئيس الأميركي أن "واشنطن تسعى للتعاون مع روسيا حول سوريا من أجل تحقيق أهداف مشتركة، لكنها في حال فشل هذا التعاون مستعدة لاتخاذ خطوات تؤدي لإطالة أمد النزاع" .أي أن الولايات المتحدة ستستمر بدعمها للفصائل المسلحة، مع أن هذا الدعم لم يتوقف بل هو معلن ومستمر، ولكن هذه الخطوة لا تتعدى محاولة الابتزاز السياسي والضغط على روسيا للحصول على أكبر مكاسب ممكنة تحفظ ماء وجهها أمام حلفائها.
هل نفضت موسكو غبار السنين وخرجت من قمقم الاقامة الجبرية والوجود الروسي الذي فرضه تفكك الاتحاد السوفياتي وبروز الولايات المتحدة كلاعب وحيد في الساحة الدولية؟ وهل عادت موسكو رقمًا صعبًا في المعادلة الدولية؟
الجواب على هذا السؤال ليس في التحليل السياسي بل في انتظار التطورات العسكرية في الميدان السوري لا سيما في المنطقة الشمالية؟
[email protected]
Twiter:@amine_kam


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم