الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مريم أنموذج الأنثى

الشدياق يوسف "رامي" فاضل
مريم أنموذج الأنثى
مريم أنموذج الأنثى
A+ A-

يطيب لي في هذا اليوم المبارَك أن أتأمَّل في مريم أنموذج الأنثى. ذلك أنَّ ظهورات أمّ الربَّ وعجائبها لا تعنيني بقدر ما تعنيني حياتها، وبقدر ما يعنيني نضالها اليومي في المغامرة التي إبتدأت يوم تفوَّهت بتلك "النَعَم" التي فَتَحَت حياتها على مغامرة لن تنتهي بميلاد الربّ يسوع المسيح، بل ستستمِرُّ حتّى إنتقالها إلى السماء، وستستمِرُّ مفاعيلها حتى يومنا هذا وحتى إنقضاء الأزمنة.


هي الفتاة الطبيعيّة في ذلك الزمان والمكان، اليهوديّة المتديّنة التي تنتظر تحقيق ذاتها من خلال الزواج، ومن خلال المحافظة على التقاليد التي ورثتها عن أجيالٍ من بني أُمَّتِها. هي الفتاة التي فوجئت بذلك الملاك يطلب منها المستحيل، يطلُبُ منها الموت، ويطلب هذا الموت بإسم الله! والمفارقة العجيبة الغريبة هي أنّ تلك الفتاة قبلت بالموت! نعم ماتت عن طموحاتها! ماتت عن أحلامها المشتركة مع خطّيبها يوسف! وماتت عن تقاليد ذلك المجتمع الذي يرجم كل فتاة تحمل قبل أن تتساكن وخطّيبها! قد تكون مريم لم ترجم حرفيًا والفضل للعناية الإلهية وليوسف البارّ، إلا أنَّها رُجِمَت معنويًا بألسنة النسوة وبضمائر المتزمِّتين من أبناء ذلك العصر!


هي الفتاة التي ماتت عن الضمانات والرفاهيّة يوم ركبت على الحمار وراء يوسف لتضع ابنها في حظيرة فقيرة حقيرة، لتعود وتركب على ذلك الحمار وهي تحمل طفلها على يدها لتذهب إلى مصر وتعود إلى الناصرة دون أن تطمئن إلى المستقبل، لقد كانت تسير في المجهول المستحيل!
هي الثائرة التي أنشدت ذلك النشيد الذي لا يزال كلّ طلّاب الحرّية يترَنّمون بكلماته ويصرخون للربّ لكي يحطّ المقتدرين عن الكراسي ولكي يرفع المتواضعين!


هي الأنثى التي إعتنت بزوجها وطفلها بكامل ما أُعطِيَت من الحنان والحبّ، وهي التي أُعطيَت كامل الحبّ بابنها يسوع المسيح! ومن المفارفات الرهيبة والمؤلمة في حياتها هي يوم إبتدأت بإدراك أن طفلها ليس لها! يَلَذُّ لي أن أراها مندهشة بجواب يسوع في الهيكل "ولم بحثتما عنّي؟ ألم تعلما أنه يجب عليَّ أن أكون عند أبي؟"لو2(49). وبخلاف سائر النساء اللواتي يُحَقِّقنَ ذواتهنَّ بأولادهِنَّ أدركت مريم أن تحقيق رسالتها يكمن في إطلاق ابنها وتحريره منها! فلم تُمنِّنه يومًا بأنها حملته تسعة أشهر في بطنها، أو بأنّها اعتنت به وسهرت عليه، لا بل انها تحرَّرت من كل القيود العاطفيّة التي تُعيقُ الطفل والأمّ عن تتميم الرسالة!


هي الأنثى التي تبعت ابنها في رسالته كتلميذة! وهي التي أدركت دورها فقالت للبشريّة يوم كانت في عرس قانا "مهما قال لكم فافعلوه"يو 2(5). كم هي عظيمة في تواضعها يوم بحثت عن ابنها وطلبت من الجموع أن ينادوه فسمعته يقول أن أمّه وإخوته هم من يحفظون كلمته ويعمَلون بها! وهي عظيمة على طرقات الجليل واليهوديّة والسامرة! عظيمةٌ هي في خدمتها للتلاميذ وفي مرافقتها لهم! وكما أنه ليس لابن الإنسان مكان يلقي رأسه عليه، فكذلك لم يكن لأمّ ابن الإنسان من مكان أو ضمانة أو راحة أو استقرار في سهرها على رسالة الملكوت ومرافقتها لها!
وهي الأعظم في النساء يوم وقفت تحت أقدام الصليب حزينة ومنتصرة في آنٍ واحد! ثائرة وماردة وجبّارة! منتصرة على سيف الأحزان بسيف التأمُّل والتسليم، تمامًا كما انتصر ابنُها على الموت بالموت!


قد نكون مخظئين إذا تصوَّرنا أن يسوع طلب من التلميذ الحبيب أن يعتني بمريم! والأقرب إلى التصديق هو أنّ يسوع طلب من مريم العناية بالتلميذ الحبيب وبالكنيسة! وهذا ما فعلته يوم كانت مجتمعة مع الرسل في علّية العنصرة!


نعم هي الأنثى النموذجية! أعظم النساء وأكثر النساء حريّة! ولأنَّها كانت حرّة إلى الغاية فقد إرتفعت بالجسم والنفس إلى فضاء الحريّة المطلقة!
فيا أمَّنا مريم، يا أمّ الكنيسة ويا أم إبن الإنسان، إسهري علينا وعلِّمينا كيف نتحرَّر! علّمينا كيف نتبع ابنك يسوع فتكون لنا الحياة بملئها وبملء فرحها! علِّمينا كيف نسير بثباتٍ وبحبٍّ على طريق الملكوت حيث نُسبِّح ابنك وأباه وروحه القدّوس إلى الأبد. آمين

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم