الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"داعش" كفّر الجميع ولا إجماع على إخراجه من الدين... لماذا يرفض الأزهر وفضل الله تكفيره؟

المصدر: "النهار"
ديانا سكيني
ديانا سكيني
"داعش" كفّر الجميع ولا إجماع على إخراجه من الدين... لماذا يرفض الأزهر وفضل الله تكفيره؟
"داعش" كفّر الجميع ولا إجماع على إخراجه من الدين... لماذا يرفض الأزهر وفضل الله تكفيره؟
A+ A-

قد لا يكون تكفير تنظيم "#داعش" وإجماع المؤسسات الدينية الاسلامية الرئيسية على انه خارج عن #الاسلام، كفيلاً بانهاء التنظيم الذي تسبب بأضرار لا تحصى للاسلام والمسلمين في السنوات الماضية.


غير ان المدافعين عن فكرة ضرورة التكفير يستندون الى القيمة المعنوية للخطوة لاسيما بعد الهجمات التي شنّها التنظيم في الغرب، وارتداد الأمر على المقيمين المسلمين. والأبعد في رؤية قسم من المطالبين بالتكفير يذهب الى ما يسمونه ضرورة وضع الاصبع على الجرح والخروج بتفسير واضح ونهائي وغير قابل للتأويل للآيات والنصوص والسير التي يستند اليها التنظيم بقراءته المشوهة لتبرير سلوكه الوحشي.


تكفير سياسي
وفي معرض الحديث عن هؤلاء المطالبين بالتكفير، علينا ألا نهمل ان التنظيم كُفّر عبر فتاوى لعلماء ينتمون الى المذهب السلفي، حصلَ الأمر في المملكة العربية السعودية، لكن الأمر لم يقترب من تعميم تفسير مغاير للنصوص، لذا يميل مراقبون الى وضع هذا التكفير في الحيّز السياسي من ضمن صراع أوسع تقوده المملكة لدرء الخطر الداخلي الذي قد يشكله تنظيم "القاعدة" ومتفرعاته.
وسبق لمفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، ان وصف "داعش" بـ"الجماعات الخارجية التي لا تُحسب على الإسلام، ولا على أهله المتمسكين بهديه، بل هي امتداد للخوارج الذين هم أول فرقة مرقت من الدين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب".
والى جانب بيان المفتي وبيانات أخرى لهيئة العلماء، يحفل موقع "يوتيوب" بفتاوى مسجلة لعلماء سعوديين يكفّرون  "داعش" جهاراً.
هذا التكفير لم تسلك دربه مؤسسة دينية رائدة كالأزهر عرفت بوسطيتها. الأمر الذي فجّر جدالاً على مستويات عدة، فمن ناحية يسهل لمتصفحي الانترنت العثور على عشرات المواد الصحافية السعودية التي تسلط الضوء بشيء من النقد على عدم تكفير الأزهر "داعش"، ومن ناحية أخرى فتح الأمر معركة بين مثقفين ومفكرين مصريين وبين الأزهر. ورُشق هذا الصرح الديني بتهم منها اتساع دوائر التأثير السلفي داخله، وذكّر بعض المنتقدين باستسهال حالات تكفير شهدتها مصر لأدباء وفنانين واستصعاب تكفير "داعش.


لا يمكن تكفير "داعش"؟
واعتبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إنه "لكي تكفر شخصاً يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلا إنكار ما أدخلت به".
ولكي يشدد على منطق العقوبة في حق عناصر "داعش" كمفسدين في الأرض وليس تكفيرهم، استشهد شيخ الأزهر بالآية القرآنية: "إنما جزاءُ الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطعَ أيديهم وأرجلهم"، ورأى أن الأزهر لا يحكم بالكفر على شخص، طالما يؤمن بالله وباليوم الآخر، حتى ولو ارتكب كل الفظائع.
وقالها بصراحة انه لا يمكن تكفير "داعش"، ولكن "أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض".


"الفكر الوسطي"؟
عضو مجمع البحوث الاسلامية والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية المصري محمد شحات الجندي تحدث لـ"النهار" موضحاً ان "الأزهر يتبنى الفكر الوسطي، وبالتالي كل من يقول الشهادتين ويلتزم أركان الاسلام لا يمكن تكفيره".
في رؤية الأزهر، ان "داعش عاثَ في الأرضِ فساداً وحاربَ الله ورسوله، وينطبق عليه أحكام الآيات القرآنية التي تتيحُ الاقتصاص منه بأقصى العقوبة، كحد الحرابة وتقطيع الأوصال...".
ويضيف الجندي ان "ما يدعو الأزهر الى رفض التكفير هو التخوف من السير على نهج داعش في تكفير الآخر، ما سيؤدي الى تعميم التكفير وظواهره التي يخشى الا تعود خاضعة لضوابط".
ويتحدث عن الاقتراحات التي قدمت للأزهر من مفكرين ومثقفين لتكفير "داعش"، وقد "أثارت نقاشاً واسعاً، لكن القول السائد في الأزهر بقيَ انهم مسلمون بغاة على جمهور المسلمين والحكومات".
ووفق الجندي، يستند الأزهر في رؤيته الى أحاديث وآيات، منها الآية الآتية في "سورة الحجرات": " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين".
كما يستشهد الجندي بالعداء بين الامام علي بن ابي طالب والخوارج، حيث لم يكفر الامام الخوارج "رغم بغيهم وقتالهم المسلمين".


"التكفير نسبي"


وللاطلاع على رؤى اسلامية متنوعة في مسألة التكفير، تحدثت "النهار" الى السيد جعفر فضل الله الذي اعتبر ان "كل من تخلى عن الشهادتين وعن أركان الاسلام يصبح تلقائياً خارج الدين الحنيف".


ويسترسل متسائلاً "اما اذا كان الشخص خارج الاسلام فهل يجوز القصاص منه بالقتل"، ليجيب: "لا يجوز الأمر الا اذا قتل أحداً عمداً، علماً انه يجوز لأهل الضحية العفو عنه. وفي الحالة الثانية يجوزُ الاقتصاصُ منه اذا كانَ من المفسدين في الأرض وفي هذه الحالة على القضاء ان يحكم، والحالة الثالثة تتمثلُ في حالة الحروب والقتال في سبيل الله، وأخيراً هناك نقاش فقهي حول جواز قتل المرتد من عدمه".


وفي رأي فضل الله ان "التكفير شيء نسبي وداعش يقول انه يؤمن بالنبي محمد وبالله، ويكفّر الآخرين، وهو يعتمد قراءة مشوّهة للاسلام وقد حوّلها الى ممارسة سلوكية اجرامية".
ويتابع فضل الله ان "الشهادتين في الاسلام هما بمثابة الجنسية فهل اذا مارس مواطن فرنسي فعل القتل تُسقط عنه الجنسية؟"، خالصاً الى وجوب "الاتكاء على مصطلح الفساد في الأرض كتوصيف للسلوك الداعشي، وبالتالي ما يترتب على هذا السلوك الاجرامي في الاسلام من عقاب أكثر أهمية من الاستغراق بالتكفير، لأننا في هذا السياق نكون قد أغرقنا أنفسنا في جدالات فقهية وعمل مراكز دراسات، ونكون قد ابتعدنا عن الاقرار بحقيقة ان الحلول في المنطقة سياسية بامتياز، والاقرار بأن تكفير داعش من عدمه ليس لبّ المسألة ولن يغيّر شيئاً بل ان الأهمية تعود الى تجفيف منابعه الثقافية وتفكيك منظومته الفكرية والمالية والتوظيفية".


تكفير جزئي
من جهته، يرى المدير العام للأوقاف الاسلامية في دار الفتوى الشيخ هشام خليفة ان "الأصل في الاسلام هو الدعوة الى الايمان وليس التكفير... وقد وضع العلماء ضوابط للتكفير، فالأساس هو الدعوة الى سبيل ربك بالموعظة، ونذكر هنا ان حتى كفار قريش لم يواجَهوا بالعنف. ومن المفيد التذكير ايضاً بأن الاسلام اقرّ بأصحاب الديانات السابقة وأسماهم اهل الكتاب وبالتالي هذا دليل كافٍ على عدم جواز ضمّهم الى طائفة الكفار".
وعن تكفير "داعش"، يقول خليفة ل"النهار": "لا نريد ان نأخذ دور داعش، لا يجوز تعميم الكفر على مجموعة او طائفة الا اذا اعلنوا جميعهم ذلك جهاراً"، مضيفاً ان "داعش يمارس أعمالاً خاطئة وهنا يجب توصيف الحكم والعمل، الكفر هو رفض الاسلام واعلان الخروج منه، اما الممارسات الداعشية فيمكن توصيفها بالكفر الجزئي، وهي تجانب الاسلام، ولا يعتبر كافراً الا من يعلن خروجه من الاسلام، كما ان هناك الأفعال والاقوال التي تخالف وتصادم اصول الايمان فمن قالها او فعلها يحكم بردته وكفره وعلينا ان نستتيبه، واذا رفض يصدر فيه الحاكم العقاب الشرعي".
وفي رأيه، يجب ان "تدرس مسألة الكفر على صعيد فردي وليس على صعيد جماعة الا اذا اعلنت الاخيرة صراحة الخروج من الاسلام".


ويعود خليفة الى الفتوى التي تبناها مجمع الفقه الاسلامي في جدة في السبعينات حول الجمعيات الماسونية ليقول بامكان اسقاطها على تنظيم "داعش"، وهي تنص على أن " كل من انتسب الى هذه الجمعيات وهو يعلم بأهدافها، وانها تخالف الدين، فهذا الانسان كفر بالاسلام الحق، ويجب اعتبار ان هذه الجمعيات والتنظيمات تحارب الله ورسوله، والمنتمون وهم مدركون لأهدافها مرتدون عن دين الاسلام ويحرم التعامل معهم، ويعد ذلك خيانة، ولا يجوز عقد اتفاق او هدنة معهم. ومن قتل وهو يقاتلهم نرجو ان يكون من الشهداء".


يتبيّن من القراءات السالفة ان مسألة تكفير "داعش" لا تحظى بأولوية على الصعيد الفقهي الاسلامي وثمة تقليل من شأن الخطوة وأثرها على التنظيم رغم أهميتها المعنوية على الصعيد الاعلامي والخطابي العالمي بالقول ان هؤلاء الذين يذبحون باسم الاسلام ليسوا مسلمين. وتبقى الخطوة الأهم التي لم يقاربها بعد من كفّر "داعش" او لم يكفره بعد، وتكمن في مقاربة التربية الدينية ومناهجها وتفسير النصوص التي يستند اليها التنظيم، فغير ذلك خطوات لا تمس الجوهر الذي يغذي التطرف.


[email protected]


Twitter: @dianaskaini

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم