الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هذه الرياضة يهددها الوضع الاقتصادي

هذه الرياضة يهددها الوضع الاقتصادي
هذه الرياضة يهددها الوضع الاقتصادي
A+ A-

ثمّة من يهب حياته للبحر، يستسلم لتياره فتجرفه أمواجه الساحرة إلى عالم الذكريات، يُفشي إليه كلّ أسراره وأوجاعه. وهناك من يحمل أوراقه وقلمه، ينتظر غروب الشمس ليكتب لها أجمل الكلمات ويرسم لها خيوطاً تحتضن الأفق وداعاً. كلّنا قبطان يبحر في البحر، يخترق سكونه ويغامر في جنونه. بعضنا يختار السفينة، فيما البعض الآخر يُبحر في خياله، وهناك من يجرؤ على اقتحام خصوصية مياهه، فيسافر في أعماقه ويستخرج أجمل العبر وأثمن الكنوز، ممارساً رياضة الغوص.



الحريّة في البحر



تستهوي رياضة الغوص عدداً كبيراً من اللبنانيين، من بينهم فاهيه برقداريان الذي يتحدّث لـ "النهار" عن عشقه للغوص. بدأت حكايته منذ ثماني سنوات وهو في سنّ التاسعة والثلاثين: "كنت في الشاليه في أحد المجمعات حين رأيت مجموعة من الأشخاص يرتدون بدلات سود ويغوصون في أعماق البحر، فأردت أن أختبر ما يفعلونه ومن هنا بدأ عشقي لرياضة الغوص. أجمل ما في بالغوص ذاك الشعور بالحريّة، كأنني طائر في الماء وأنا أكتشف الحياة البحرية الغريبة والفريدة من نوعها". لم يتمكن برقداريان من الانفصال عن البحر، فصار يغوص في أعماقه كلّ يوم صيفاً وشتاء... وحدها العواصف تُثنيه عن ذلك. يشرح "أحرص على أن أغوص كلّ يوم في البحر ولو لساعة واحدة على مدار السنة من دون أن يتعارض ذلك مع لقمة عيشي ومهنتي في تجارة وصناعة الألبسة النسائية". يجد برقداريان في الغوص متعة ولذة يرغب في مشاركتهما مع الآخرين فيتوجه إليهم بالنصيحة التالية: "يجب إتقان الغوص قبل ممارسته لأنه رياضة خطرة".



هل من منقذ؟



أبصرت رياضة الغوص النور في السبعينات من القرن المنصرم. وإقبال الصغار والكبار على ممارسة الغوص حوّلت هذه الرياضة من هواية إلى صفقة تجارية تغوي الربح مع وجود عدد كبير من النوادي والمدارس التي تعلّم قواعد الغوص، والتي كانت تحصد في العقود الماضية آلاف الدولارات. إلاّ أنّ الأحوال قد تبدّلت اليوم مع تراجع عدد الزبائن نتيجة ضيق الأحوال الاقتصادية. في هذا الإطار، يتحدّث مدير النادي الوطني للغوص ناصر سعيدي لـ "النهار" عن واقع هذه الرياضة في لبنان، قائلاً "أبصرت رياضة الغطس النور في بداية السبعينات، وقد راجت في السنوات العشر الأخيرة، لتصل إلى ذروتها بين عامي 2000 و 2010. لكن اليوم تدنى عدد محبي هذه الرياضة التي تستقطب 90% من اللبنانيين و10% من الأجانب الأوروبيين، بسبب كثرة المدارس ربما وتوزعهم عليها، والتنافس الطاحن في ما بينها. وضع البلد الأمني الجيد وإقبال السياح إلى لبنان جعل المال متوافراً بين أيدي اللبنانيين مما سمح لهم بممارسة هذه الرياضة الكمالية والمكلفة. إلاّ أن تراجع عدد الغواصين بنحو 10% مقارنة بالعام 2010، كذلك مقارنة بالعام الفائت، تراجع العمل لدينا كثيراً. فما قبل الـ 2010، كنا نحصل على ما يقرب من 50 ألف دولار في الشهر، في حين أن مدخولنا اليوم نحو ألف أو ألفي دولار فقط". ليس ثمة من إحصاءات تظهر عدد اللبنانيين الذين يمارسون رياضة الغوص، إلاّ أنه بإمكان اللبناني أن يمارس الغوص "على طول الشاطئ اللبناني من العبدة إلى صور، فلدينا أجمل بحر ولكن ليس فيه طبيعة ولا ثروة سمكية، ليس ثمة أي اهتمام بالبحر. بإمكان الفرد أن يخضع لدروس تقنية في الغوص، كما هناك من يحب أن يرتخي تحت الماء، من يحب تصوير الطبيعة في أعماق البحر، من يحبّ أن يصطاد السمك، لكل هدفه، وللبعض إدمان، وهناك من يجربه ولا يحبه، الغوص رياضة لا عمر لها".



الرياضة، إذاً، هي أيضاً ضحية الوضع الاقتصادي السيّئ الذي يحرم البعض من ممارسة الغوص نظراً إلى التكلفة الكبيرة التي تتطلّبها عملية شراء المعدات وغيرها من المستلزمات. إلى متى يبقى عيش المواطن وراحة نفسه ورفاهيته رهينة الرأسماليين الذين يحتكرون المصالح و"يفقّرون" الشعب أكثر؟ إلى متى سيبقى اللبناني صامتاً يؤدي دور "الشاهد الذي لم يرَ أيّ شيء"، راضياً بقضائه ووضعه، مستسلماً لما يفرضه هؤلاء عليه من معاناة وضرائب وسرقات؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم