السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أوروبا بلا غرباء

امين قمورية
A+ A-

أوروبا التي سيطرت على العالم يضيق صدرها بالضيوف المهاجرين. هي التي نصّبت نفسها حامية لحقوق الانسان لم تعد تحتمل كلمة لاجئ أو مهاجر. هي أصلاً لم تستقبلهم رأفة أو كرمى لسواد عيونهم. المهاجرون حاجة لاوروبا للحفاظ على توازنها الديموغرافي وعلى التوازن بين من هم في سوق العمل ومن هم خارجه. كما ان مساهمتهم في البناء الاقتصادي يعتد بها.
ومع ذلك تستخدم كل الدول الاوروبية عبارة "أزمة" عند الحديث عن اللاجئين، كأنها ترى ان اعداد هؤلاء فاقت المعقول وباتوا يهددون أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية، وتنظر اليهم على انهم مشكلة... وهذا يجافي الحقيقة.
ووراء استخدام كلمة "أزمة" تكمن فكرة الطفح، وبالفعل تسعى السلطات إلى حلول تقلص اعداد المهاجرين، وعوض ان ينفق الاتحاد الأوروبي الاموال على استقبالهم واعداد المقومات اللازمة لحسن اندماجهم في المجتمع الجديد، يصرف المبالغ الطائلة على مراكز اعتقالهم وبطاقات ترحيلهم وأمن المرافئ الحدودية.
أوروبا تنحاز أكثر فأكثر إلى فكرة "وطن بلا أجانب"، وجاء مسلسل الإرهاب المتنقل في ارجاء القارة القديمة ليزيد الطين بلة وليقوي الميل إلى التعصب والانعزال ورفض الآخر الآتي من البعيد هرباً من الموت أو بحثاً عن لقمة العيش وحياة افضل. وصار خوف المواطن الاوروبي الأبيض من ذوي السحن السمراء، يحرك اتجاهات الرأي العام نحو التقوقع واحكام الاقفال على الابواب والنوافد ضد كل آت من البعيد.
في مناخ كهذا، يصير العقل مشلولاً، ولا يعود الاحتكام إلى الحوار علاجاً مجدياً. الغرائز تتحكم بالسلوك وبالقرار، وهي التي تدفع زعماء يعرفون كيف يمكن استغلال هذه الغرائز إلى الصفوف الأولى.
وهكذا لا يعود غريباً ان يعين بوريس جونسون وزيراً للخارجية في بريطانيا، أو ان تتأهل مارين لوبن للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وتدخل ربما قصر الإليزيه كأول رئيسة للجمهورية الفرنسية، أو ان نرى أنغيلا ميركل تخسر الانتخابات لانها كانت الاكثر حماسة لاستضافة لاجئين.
والاخطر من ذلك نزوع قطاعاتٍ من الرأي العام في هذه الدول، الحسّاسة جداً لمسألة الأمن الفردي والوطني، إلى وضع هذه الجرائم في سلة فئةٍ ما من السكان، الفقراء والمهمشين في الماضي، والمهاجرين واللاجئين والأجانب في الوقت الحاضر، وترسيخ اعتقاد عميق أن العنف هو من الثوابت في ثقافة هؤلاء، وتالياً، تغذية نزعة تمييز عنصري متنامٍ ضدّهم، يزيد عزلهم عن المجتمع وتهميشهم تفاقماً، ومن ثم يدفع المضطربين منهم إلى تبني خطاب التطرف ومشاعر الحقد والانتقام ضد الغالبية من السكان.
وبين جنوح جزء مؤثر من الغالبية إلى التعصب والعنصرية وتنامي روح الانتقام البشع في اوساط قلة مهمشة ومضطربة، يبقى اللاجئون والمهاجرون والأجانب الحلقة الأضعف في هذه الدائرة.


[email protected] / Twitter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم