الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

عن تركيا التي لا تقول الكثير

المصدر: "النهار"
رلى راشد
عن تركيا التي لا تقول الكثير
عن تركيا التي لا تقول الكثير
A+ A-

لم تتوقّف صحف العالم وإلى الآن عن إحصاء الضبّاط والأكاديميين والعاملين في وسائل الإعلام التركية وسواهم ممن تعرّضوا للإقصاء واستحالوا من نوع "الأضرار الجانبيّة"، في أعقاب الإنقلاب الفاشل الأخير الذي شهدته #تركيا.


في المقابل، إنصرفت المنصّات الإعلامية المهتمة بالشأن الأدبي إلى عدّ دور النشر التركية التي بلغها، شيء من جور السياسة، هي الأخرى. والحال ان مرسوما حكومياً ذيل بتاريخ السابع والعشرين من تموز فرض أن تغلق سبع وعشرون دار نشر محلية. جاء الحكم مبرماً على ما يتراءى، ومن دون الإفساح في المجال لأي التماس للرحمة. ها هي الكتب تصير وفق المنظومة الرسمية، عدوة قابلية النظام على الإستمرار، وها إنه بات من الملحّ، على ما يبدو، أن تجري التهيئة لمحرقة الفكر الكبرى.


بين المقاربة السياسية والمقاربة الثقافية ثمة صلات قد يصعب التغاضي عنها، خصوصاً في بلاد على نسق تركيا لا تتردد في جعل السياسيّ قاعدة تستوي تحتها جميع القطاعات الأخرى. تركيا بلاد تقيم في مطرحين على السواء أو في أكثر، وتحاول ومنذ عقود أن تتلمس مسارها بين ألغام الإنتماءات المتعددة. إستتبت تلك الصدامات بين ولاءات تركيا المختلفة موضوعاً متكررا في نثر الكاتب أورهان باموق، وهو أكثر الأتراك رمزيّة في جيله ربما. إنه الصوت الذي تذكّرته "الأكاديمية الأسوجية" كمستحقّ لـ "نوبل" الآداب، وهو أيضا المصغي إلى مجتمعه متقفّياً تطبيقات الإسلام السياسي وجاسّا نبض انزلاقاته في موازاة حيوية شعبية عارضت تشوّهات هذا النموذج، على المستوى الخلقي. لم يكن الشارع المحلي رؤوفاً إزاء محاولة الهيمنة التدريجية على نموذج الجمهورية العلمانية، فهو اختار ساحة المواجهة العلنية في تقسيم واندفع في أعقاب الإنقلاب المتعثر الأخير، إلى البروز مجدداً تذكيراً بمسلّمات لم يعد ممكناً التنازل عنها. وفي جميع تحركاته هذه وجد في باموق نصيراً له.


ليس سراً ان نصوص باموق تنوب عنه لتقول في قالب روائي كثيرا من الحقيقة السياسية الباطنيّة. في روايته الحديثة "غرابة في بالي" على سبيل المثال، يقوم الكاتب بوصف هذا الشدّ القائم بين الحقيقتين الخاصة والعامة في ظلّ أنظمة إستبدادية فنتابعه يرسم ملامح شخصيات لا تفصح عن الكثير في مقابل ما تستره، أتعلّق ذلك بالشؤون الأسريّة أو السياسية. يجعل باموق نصّه يترحّل عبر محطات عدة من قبيل الغزو التركي لقبرص في 1974 وتأسيس "حزب العدالة والتنمية" وانتصاراته السياسية المبكرة ناهيك بحادثة غرق سفينة شحن لبنانيّة قبالة السواحل التركية في 1991، مخلّفة إحدى وعشرين ألف جيفة.
وإذا كان باموق في هذه الرواية يسرد حكاية حبّ في المقام الأول غير انه يرصد أيضاً الهوة بين النظرتين الخاصة والعامة لدى مواطنيه ويعاينها الدليل القاطع على جبروت السلطة.


ثمة في الرواية جملة شديدة التأثير وبالغة المعنى تفصح عن مناخ مقلق على كثير من السريّة بات واقعا في المدن التركية وصار أكثر واقعية ربما، في أعقاب الحوادث المنصرمة. نقرأ باموق يعلن في لسان أحد شخوصه وكأنه يكتب في الصباح التالي للإنقلاب المحبَط: "إن الأمور التي نخبئها تجعل الحياة المدينيّة ذات مغزى".



[email protected]


Twitter: @Roula_Rached77

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم