الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

انقلاب "النصرة" لن ينقذها من الصواريخ والانشقاقات

المصدر: النهار
امين قمورية
انقلاب "النصرة" لن ينقذها من الصواريخ والانشقاقات
انقلاب "النصرة" لن ينقذها من الصواريخ والانشقاقات
A+ A-

خلعت #جبهة_النصرة في سوريا عباءة "القاعدة" بعدما ارتدتها لسنوات طويلة، في سابقة في هذا التنظيم الذي نشر الارهاب على المستوى الدولي، وفي خطوة من شأنها ان تضعها امام انشقاقات وخلافات داخلية واسعة من دون ان تنقذها من قصف الطائرات الروسية وطائرات الائتلاف الدولي ضد الارهاب، حيث اعتبرت موسكو وواشنطن ان قرار التوبة تأخر كثيرا وشكّكا في نية قائدها ابو محمد الجولاني في الانقلاب على نفسه والتخلص نهائيًّا من عقيدته التكفيرية ومن جذوره "القاعدية" وسلوكه الارهابي.


وأقدم الجولاني على الانفصال عن "القاعدة"، بعدما تخلص من جميع الأصوات التي كانت تعارض بشدة هذه الخطوة بحسب العديد من التقارير، وأبرزها جماعة خراسان بقيادة الكويتي محسن الفضلي. وظهر الجولاني في خطاب فك الارتباط بـ"القاعدة" ووقف العمل باسم جبهة "النصرة"، وتشكيل جماعة جديدة باسم "جبهة فتح الشام"، متناقضاً مع ما قاله خلال الفترات السابقة، خصوصاً الخطاب الأول، خطاب تأسيس جبهة النصرة، في أواخر عام 2012، حين قال إن "التغيير ينبغي أن يكون من الباطل إلى الحقّ"، وحذّر الأمة من الخداع، فهل التغيير الحالي يندرج تحت هذا التصنيف، بأن النصرة سابقاً كانت في الباطل والآن "اهتدت إلى الحق"، وهل يمارس الجولاني هنا الخداع؟


سلسلة من الضغوط تعرضت لها جبهة "النصرة" من الجهات الإقليمية خصوصاً من #تركيا، التي قطعت عنها الدعم المالي والتسلحي، بهدف عزلها ودفعها للتخلي عن خيار تنظيم "القاعدة"، بعدما فشلت مساعي تلميع صورتها إعلامياً، وتقديمها معتدلة أمام الرأي العام، حيث كان الارتباط بـ"القاعدة" هو العقبة الأساسية. كما ضغطت الحاضنة السورية المدنيّة في ادلب وحلب على هذه المجموعة للتخلّي عن الارتباط بـ"القاعدة"، اذا كان هذا التخلّي يؤدي الى وقف القصف الجوي المزدوج من التحالفين الروسي والاميركي.
وعلى مدى اعوام، عملت العديد من الجهات الإقليمية والأميركية (جهاز المخابرات) على "تلطيف" جبهة النصرة والتمهيد لمثل استدارة كهذه، وتحدّت تقريرًا لوكالة "رويترز" بداية العام الماضي عن امكان انفصال جبهة النصرة، حيث وعدت بدعم مالي لها من دول عربية. وهؤلاء يريدون اليوم تبرئة أنفسهم من تهمة الإرهاب وتهمة دعم جماعة تنتمي لتنظيم "القاعدة" في سوريا. وهكذا كان اذ استجاب الجولاني لتلك الضغوط، وبدّل البيعة.


وجاء قرار الجولاني مع سقوط معظم حلب الشرقية وحي بني زيد معقل الفصائل المسلحة بيد الجيش السوري، واغلاق طريق الكاستيلو، خط الشريان الوحيد لدعم المعارضة، وبعد أيام من الإعلان عن الاتفاق الروسي الاميركي على التعاون في مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق كمرحلة أولى، على أن يكون مستقبل شكل النظام في سوريا مرحلة لاحقة. ويتضمن الاتفاق تركيز العمليات المشتركة في غرفة العمليات في العاصمة الأردنية عمان على حساب غرفة العمليات الأخرى لتحالف مكافحة الإرهاب الموجودة في تركيا. وموقف الأردن من جبهة "النصرة" معروف، ولا يختلف كثيرًا عن موقفها من "داعش". وكانت قائمة التنظيمات الإرهابية في سوريا التي أعدّها الأردن من قبل واضحة في عدم التفريق بين التنظيمين الإرهابيين.
كذلك تزامن القرار إغلاق تركيا حدودها بالكامل مع سوريا ومع بوادر تقارب روسي تركي قد يمهّد لتعاون في محاربة الإرهاب في سوريا، وتعزّز ذلك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا التي يلقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مسؤوليتها على غريمه فتح الله غولن. ومع ما يشاع عن علاقة غولن بجبهة النصرة، يتوقّع كثيرون ألا يتردّد النظام التركي في مجاراة روسيا في ضرب النصرة في سوريا.
ولا يغفل بعض المحلّلين أن اتفاقا روسيا أميركيا، واحتمال موالاة تركيا - أردوغان له، يضر بشدة بالمعارضة السورية لنظام الرئيس بشار الأسد. وتاليا يرون أن قرار النصرة هو محاولة لدعم المعارضة السورية وحصر هدف الإرهاب في تنظيم "داعش" الغريم التقليدي للجولاني.
بدا ذلك واضحا في كلمة الجولاني التي ذكر فيها أن تنظيمه لا يستهدف السيطرة والحكم إنما "الخدمة" و"الحماية"، وذلك لطمأنة بقية فصائل المعارضة السورية التي تقاتل تحت شعارات دينية ويستهدف الجولاني تجميعها. ولطالما طلبت تلك الفصائل من النصرة الابتعاد عن "القاعدة" كشرط للتعاون. وبخلاف "داعش" الذي يقاتل كل من لا يبايعه، لا تعارض جبهة النصرة شرعية وجود مجموعات أخرى كما تنضوي في تحالفات مع فصائل إسلامية سورية تقاتل قوات النظام.
وبحسب تغريدة نشرها الخبير في الشؤون السورية في معهد الشرق الأوسط للدراسات شارلز ليستر والمواكب للمجموعات الجهادية، قبل أيام، تهدف جبهة "النصرة" من إعلان فك الارتباط مع القاعدة إلى "ترسيخ حضورها أكثر في الثورة السورية وضمان مستقبلها على المدى الطويل".
وبحسب الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية فإن التطور الكبير في بيان "النصرة" هو التأكيد على أن أيديولوجيتها الجديدة واستراتيجيتها شأن داخلي سوري. وذكر بأن جماعة الجولاني لم تنفّذ عمليات خارج سوريا، رغم أنها كانت مرتبطة بالقاعدة "التنظيم النخبوي المعولم" الذي يستهدف الغرب، وتاليا فإن هذا التطور يراد منه نسج العلاقات مع المجتمع المحلي على مستوى إدارة المناطق والتنسيق مع قوى المعارضة السورية. واعتبر أن التحول إلى جماعة محلية يرفع الحرج عن الفصائل الأخرى المسلحة المندرجة في إطار "جيش الفتح" وفي مقدمتها "أحرار الشام".
لكن هذا التغيير في نظر كثيرين ليس أكثر من تغيير في الصورة لا الجوهر، إذ إن بيان الجولاني لم يتحدث عن المنهج الجديد، ولم يقل إنه تخلّى عن منهج "القاعدة" ووضع محدّدات جديدة.
وتثير خطوة فك الارتباط العديد من التساؤلات، حول مصير الاجانب في بلاد الشام، الذين لم يلجأوا إلى "داعش" ابان فترة الخلاف، باعتبار أن مشروع "النصرة" هو إقامة "الخلافة الاسلامية" في سوريا، وفك الارتباط هو تخلٍ عن هذا الهدف، وقبول بمخرجات الاتفاقات الدولية في شأن الأزمة السورية.
مصير الأجانب، هو أولى التساؤلات، لا سيما أن الحديث كان دائماً يتركز في الأوساط "الجهادية" عن اتفاق شبيه باتفاق دايتون الذي أخرج بموجبه المقاتلون الأجانب من البوسنة عام 1995، بعد حرب البوسنة والهرسك. وهنا يكون "داعش" أول المستفيدين مما قد يحصل، على اعتبار أنه الوعاء الأمثل لتقبّل هؤلاء "المهاجرين"، خصوصا الذين لم يقطعوا حبل الودّ معه، كجماعة "جند الأقصى"، على سبيل المثال لا الحصر.
وفي رأي عدد من المحلّلين والمتابعين لشؤون الجماعات المتطرفة فإن فك الارتباط مع "القاعدة" اليوم سيضعف "جبهة النصرة" ويقوي تنظيم "الدولة الإسلامية" وسيجعل من "النصرة" مجرد فصيل من الفصائل المقاتلة الكثيرة في الساحة السورية، وسيتخلى عنها الكثير من الأنصار والداعمين وربما سيؤدي لحدوث انشقاقات فيها ورحيل عدد من مقاتليها نحو "داعش". والمعضلة الثانية في داخل "النصرة" نفسها، إذ لا يزال الجناح المؤمن بالانفصال عن القاعدة قوياً وفاعلاً، وهنالك صراع عميق بينه وبين تيار "القاعدة المعولم" والجناح الأردني وقيادات السلفية الجهادية في العالم، ما يجعل أي حسم حالي للخيارات أشبه بقنبلة موقوتة في داخل الجبهة نفسها.
وفي وقت لم يعلن عن هيكلية هذه الجبهة ولا عن أسماء قادتها، فإن العديد من المغردين المحسوبين على الجماعات المسلحة على موقع "تويتر"، قالوا إن الجبهة الجديدة ما هي إلا نسخة منقحة عن "النصرة"، ولا يوجد اي تغيير في هيكليتها، فيما تحدث آخرون عن امكان حدوث انشقاقات كبيرة داخل الجبهة، وأن العديد من الشخصيات داخلها رافضة لمثل انفصال كهذا، خصوصاً "الشرعية" منها.
ويعتقد قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل، ، أن تنظيمات مثل "جبهة النصرة" وغيرها، ذكية بصورة غير عادية. وقال للمنتدى الأمني في آسبن: "هذه التنظيمات لها قدرة غير عادية على التأقلم، وعلينا أن نتوقع أنهم سيقومون بأمور مشابهة، وفي الوقت الذي يمكن أن يقوموا فيه بإنشاء فروع أخرى منبثقة من التنظيم لتجعلهم يبدون مختلفين قليلا، إلا أن ذلك الفرع سرعان ما يعود إلى التوجه نفسه، وإلى صميم الأيدولوجية وهي تنظيم القاعدة". وأضاف: "إذا تركنا موضوع السياسات والقرارات وغيرها من الأمور المتصلة بذلك، فمن وجهة نظري هذه (إعلان انفصال النصرة عن القاعدة) لن يُحدث تغييرًا كبيرًا، وهم منظمة يجب الاهتمام بما يقومون به."
وأعلن البيت الأبيض أن تقويمه لـ"جبهة النصرة" لم يتغير، وأنه لا زالت لديه مخاوف متزايدة من قدرتها المتنامية على شن عمليات خارجية قد تهدّد الولايات المتحدة وأوروبا، كما أكّدت الخارجية الأميركية أن "جبهة النصرة" لا زالت هدفا للطائرات الأميركية والروسية في سوريا.
اما وزارة الخارجية الروسية فكانت أشد وضوحا برفضها انقلاب الجولاني اذ شدّدت انه مهما اطلقت "جبهة النصرة" تسميات على نفسها "ستبقى منظمة ارهابية غير قانونية لا هدف لها سوى انشاء ما يعرف بالخلافة الاسلامية بطرق بربرية وهمجية، وان محاولات الارهابيين لتغيير صورتهم عبثية". وأكّدت ان "محاربة هؤلاء المتعصبين مستمرّة بدعم من المجتمع الدولي حتى القضاء عليهم".
[email protected]
Twiter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم