السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

ليلة محاولة الانقلاب في تركيا بعيون مصورين من قلب الحدث

المصدر: "ا ف ب"
ليلة محاولة الانقلاب في تركيا  بعيون مصورين من قلب الحدث
ليلة محاولة الانقلاب في تركيا بعيون مصورين من قلب الحدث
A+ A-

يروي مصوران لوكالة فرانس برس في اسطنبول هما بولند كيليش واوزان كوسه كيف نجوا من الخطر بينما كانا يغطيان محاولة الانقلاب العسكرية ليل الجمعة السبت.
تعرض بولند للضرب من قبل حشد بينما علق اوزان في تبادل لاطلاق النار بين شرطيين وجنود.
في ما يلي روايتهما لاحداث احدى اعنف الليالي التي شهدتها تركيا منذ عقود بسب المقابلة معهما نشرت على مدونة وكالة فرانس برس.


- كيليش: مساء الجمعة كنت التقط صورا لاحد الجسرين على البوسفور كان اضيء بالوان العلم الفرنسي الازرق والابيض والاحمر تكريما لضحايا اعتداء نيس في فرنسا.
فجاة شعرت ان حركة السير توقفت على الجسر وهو امر غير طبيعي لاننا لم نكن في ساعة ازدحام. اتصل بي اصدقاء وزملاء لابلاغي بان امرا يحصل واتصلت عندها باوزان الذي اكد لي ان امرا يجري.
عندها ركبت السيارة مع مصورين اثنين اخرين وتوجهنا الى الجسر.
مررنا امام مدرسة عسكرية انطلقت منها محاولة الانقلاب على ما يبدو وعندها سمعنا ان الجيش اغلق الجسر وكنت اقود السيارة كالمجنون. اشار الينا جندي بالتوقف، خففت السرعة والتقطت صورا من وراء زجاج النافذة.
"لماذا تقود بهذه الطريقة؟"، سالني الجندي.
"انا من يجب ان يسالك ذلك"، اجبته.
"الجيش تولى السلطة"، قال.
عندها اصطدمت بالسيارة المتوقفة امامي اذ يبدو ان قدمي انزلقت عن الفرامل ونسيت الضغط عليها مجددا.
"حسنا، شكرا"، اكتفيت بالقول متوجها الى الجسر وانا اقود بسرعة اكبر. في طريقي، رايت اشخاصا في زي عسكري اوقفوا اشخاصا فالتقطت بعض الصور. وراح الذين يرتدون الزي العسكري يصرخون باتجاهي فاعتذرت قائلا "آسف"، قبل ان اكمل طريقي.
عند وصولي الى الجسر رايت مجموعة كبيرة من العسكريين فعدت الى المنزل حيث ارتديت سترتي الواقية من الرصاص وخوذتي ومعدات اخرى لانني كنت واثقا من وقوع مواجهات فتاريخ تركيا حافل بمحاولات الانقلاب. كان عمري ستة اشهر عند وقوع المحاولة الاخيرة لكنني قرات كتبا وتحدثت في الموضوع مع والدي ولدي فكرة عما يحصل. عدت مجددا الى الجسر.


- كوسه: مساء الجمعة كنت في القنصلية الفرنسية لالتقاط صور لمراسم تكريم لضحايا اعتداء نيس. عدت الى منزلي قرابة الساعة 21,00 وهناك قرات تغريدات اشارت الى ان جنودا يمنعون حركة المرور على البوسفور واوقفوا شرطيين وان الامر نفسه يحدث في انقرة. فهمت ان امرا ما يحدث لكن لم يخطر لي انه يتعلق بانقلاب عسكري.
توجهت الى مكتب رئيس الوزراء اذ اعتقدت انهم سيحاولون الاستيلاء عليه اذا كان الامر فعلا يتعلق بمحاولة انقلاب. بقيت في المكان ساعة لكن لم يطرا شيء ولم يكن هناك جنود في المكان.
رأيت رجال شرطة يوقفون عربات في الشارع وياخذون المفاتيح من السائقين. بعد ساعة، سمعت ان جنودا انتشروا في ساحة تقسيم وتوجهت الى المكان في البدء سيرا على الاقدام اذ لم يكن هناك سيارات اجرة او حافلات في الشوارع. لكنني نجحت بعدها في توقيف حافلة صغيرة كانت تسير في ذلك الاتجاه وعلى متنها ثمانية اشخاص.
طلب منا السائق النزول بالقرب من قاعدة عسكرية قريبة من ساحة تقسيم. وفجاة بداوا باطلاق النار علينا. الشرطيون كانوا من جهة والجنود من جهة اخرى ونحن في الوسط.
اصيب احد الرجال الذين كانوا معي على متن الحافلة في راسه. رايته يهوي ارضا وسمعت ازيز الرصاص من حولي ورايت عبوات الرصاص الفارغ عند قدمي عندها بدات بالركض.
رحت اجري كالمسعور وبعد مئتي متر توقفت الى جانب سيارة بيضاء اصيب سائقها في مقعده. كنت في حالة صدمة. لم اكن استوعب ما يحصل.
التقطت بعض الصور وتوجهت راكضا الى ساحة تقسيم.


- كيليش: بعد عودتي الى الجسر، رايت اشخاصا بداوا بالتجمع امام الجنود. فكرت في مصر. في مصر بدأ الناس مسيرة واطلق الجنود النار عليهم. هنا ايضا بدا الناس بالسير على الجسر فوق البوسفور وراح الجنود يطلقون النار على الحشد. عندما رايت ذلك ادركت ان امرا خطيرا يحدث.
اختبأت. كنت مصدوما لم اتوقع رؤية هذا العدد من الناس المستعدين للموت. كان بامكاني رؤية الجنود وهم يطلقون النار لكن الناس في مواجهتهم لم يتوقفوا. ابتعدت وارسلت بعض الصور وعدت. عندها رايت دبابة تقصف باتجاه الحشد. في الوقت نفسه رايت طائرات تخرق جدار الصوت وتحلق على علو منخفض. اعتقدت انها ستقصف مركز الشرطة وقررت عدم الاقتراب من المكان.
لا ادري كم مضى من الوقت لكن الصباح كان قد حل. وكاننا في احداث فيلم نصحو على يوم عادي وفجاة تمر 24 ساعة. هذا ما شعرت به. خرجت لالتقاط صور لجسر على خلفية اعتداء نيس واذا بي ارى الشمس تشرق.
في هذه الاثناء، كان الاشخاص الذين تجمعوا على الجسر يتقدمون نحو موقع الجنود. سمعنا ان الجنود على الجسر الاخر اخلوا مواقعهم مما زاد من حماسة الحشد.
فجاة راح الناس يندفعون باتجاه الدبابات وتبعتهم. قال رجل الى جانبي "انهم يقتلون جنودا هناك". سرت في الاتجاه الذي اشار اليه ورايت جنديا عاديا يتعرض للركل والطعن بالسكاكين مع انه فارق الحياة وحوله الناس يهتفون "القوا به من على الجسر".
فجاة انتزع رجل خوذتي وضربني بها. وراح اخرون يضربونني ايضا. سمعت احدا يقول "القوا به من على الجسر" واعتقدت انهم سيقتلونني الا ان احدا اتى فجاة وصاح بهم "ما الذي تفعلونه"، وبدات عندها بالصراخ "توقفوا توقفوا! انا من مكتب رئيس الوزراء". عندها توقفوا.


- كوسه: عندما وصلت الى ساحة تقسيم رايت ان هناك نحو مئة جندي ومجموعة من مؤيدي الحكومة يلوحون باعلام تركية ويهتفون "عودوا الى قواعدكم! عودوا الى قواعدكم!".
التقطت بعض الصور وبعدها بعشرين دقيقة بدا الجنود باطلاق النار في الهواء بينما واصل الحشد ترديد شعارات. بحسب ما رايت لم يكن احد قد اصيب بجروح بعد. بعدها بعشر دقائق بدا الجنود باطلاق النار على الارجل او مباشرة على الناس. بعض الجنود في الهواء واخرون باتجاه الناس.
ساد الذعر بعدها. الجميع كان يركض ويحاول الاحتماء من الرصاص. حلقت طائرتان نفاثتان على علو منخفض فوق المدينة وادى اختراقهما لجدار الصوت الى تحطم بعض واجهات المحلات. اعتقدت في البدء انهما تقصفان هدفا.
قررت التحرك فالفوضى كانت عارمة من حولي والرصاص يتطاير من كل الاتجاهات. رايت مروحيات تحلق والناس في كل مكان. بعضهم غاضب يتظاهر والبعض الاخر يريد فقط العودة ادراجه.
رايت جرحى. كان الوقت ليلا لذلك لم اكن ارى بوضوح. كنا نسمع فقط اطلاق النار وعندما كان قريبا كنت احاول تغيير مكاني والاحتماء.
امضيت الليل على هذا النحو متنقلا من مكان الى اخر. قرابة الساعة الثالثة او الرابعة فجرا رايت اشخاص ياسرون جنودا، ثلاثة او اربعة لنقلهم الى الشرطة.
الجميع كان تحت وقع الصدمة. كنت سمعت والدي وجدي يخبراني عن محاولات الانقلاب التي عاشاها وان الامر يتم عادة في وقت مبكر من الصباح عندما لا يكون هناك عدد كبير من الناس في الشوارع وان الجنود كانوا ينتشرون في كل مكان ويتولون السيطرة على الوضع. عندما توجهت الى ساحة تقسيم كان فيها نحو مئة جندي وحشد ضخم.


- كيليش: بعدها علمت ان صحافيين تعرضوا للضرب في كل مكان تقريبا من بينهم صديق لي، كسروا انفه مما شكل صدمة لي. كانوا يتواجهون مع الجنود لكنهم كانوا ايضا يضربون الصحافيين. هذا يحصل في بلادي، ويضربون الجنود.
بعدها قرات تغريدات لصور اشخاص يقتلون جنودا. على تويتر! الجندي الذي كان الى جانبي؟ قطعوا راسه على ما يبدو. رايت الصور على تويتر.
لم اشعر بمثل الخوف الذي تملكني على الجسر مع انني شاركت في تغطية حروب وكنت في سوريا.
هذا بلدي وموطني، هذا الجسر الذي اعرفه منذ صغري والناس خرجوا عن السيطرة في الشوارع.
- كوسه: صور الجسر ستغير البلاد والامور لن تعود كما كانت. لطالما شعر الاتراك بالاحترام ازاء الجيش وعلى هذا الجسر، قتلوا جنودا ونشروا الصور على تويتر.
رايت اناسا يركلون جثث جنود ويطعنونها بالسكاكين. الشرطة لم يكن بوسعها القيام بشيء.
نظرت الى عيون الجنود في ساحة تقسيم. بدوا وكانهم لا يدركون ماذا يفعلون. بدوا تائهين، تائهين تماما.
محاولة الانقلاب اوقعت الكثير من القتلى وكل شيء سيتغير في تركيا. السكان منقسمون الان الى معسكرين: مؤيدو اردوغان ومعارضوه.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم