الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"تنكيس أعلام" في "تلفزيون لبنان" "المؤسسة اللبنانية للإرسال" و"صوت لبنان"

المصدر: "النهار"
يارا عرجة
"تنكيس أعلام" في "تلفزيون لبنان" "المؤسسة اللبنانية للإرسال" و"صوت لبنان"
"تنكيس أعلام" في "تلفزيون لبنان" "المؤسسة اللبنانية للإرسال" و"صوت لبنان"
A+ A-

لم يهزم الخوف إيلي صليبي يوماً، ولم يغلبه الزمن القرمزي أبداً. هو من كان يبحث عن الحقيقة دائماً، فوجدها عارية تتمايل على أوراقه البيضاء، تداعب قلمه وتغوي حواسه... هل كان يهمس الموت في أذن الإعلامي والأديب حتى استعجل في خطّ أفكاره وبناء مملكته الأدبية والإعلامية باكراً؟ أتراه الآن في السماء يتأمّل في الوطن الذي أبكاه وأغضبه وأضحكه مراراً وتكراراً، في يده ريشة يدوّن على السحاب عباراته وكلماته لتتحوّل لاحقاً إلى نجوم تضوي ليل #لبنان؟ هو حتماً مستمر في الكتابة، تماماً كما كان يفعل في تلك الليلة الظلماء عندما فارق الحياة عند الثالثة فجراً. غادر صليبي الحبر والورق عن عمر ناهز الـ 75، وانطلق للبحث عن الحقيقة في مكان آخر، تاركاً وراءه امبراطورية إعلامية وأدبية وذكريات جميلة وكلمات تبقيه حياً.



الإعلامي "الإمبراطور"



لا تشبه مسيرة إيلي صليبي المهنية غيرها من المسيرات ولا شيء يفوق طموح ذلك الرجل الذي كان من مؤسسي الإعلام المرئي في لبنان، فكان بصوته وصورته وقلمه شاهداً على ازدهار الجسم الإعلامي في لبنان منذ بداية الستينات وحتى اليوم وانحطاطه. كانت بداياته في تلفزيون لبنان حيث دخل "شركة التلفزيون اللبنانية" التي أصبحت "تلفزيون لبنان" في تلّة الخياط في بيروت و"تلفزيون لبنان والمشرق" في الحازمية خلال الحرب الأهلية، فكان مقدماً ومذيعاً ومعداً للأخبار والبرامج ذات الطابع الإخباري خصوصاً. يتحدّث لـ "النهار" رفيق درب صليبي الإعلامي عادل مالك عن مسيرتهما قائلاً "الحديث عن إيلي صليبي يتطلّب التحدّث عن المراحل الأولى لبداية العمل التلفزيوني. إذ بدأ العصر التلفزيوني بالأبيض والأسود في لبنان في الخمسينات والستينات. صنعنا صليبي وأنا البدايات في تلفزيون لبنان من دون أن نتأثر بأحد لأنه لم يكن ثمة أحد قبلنا. هو صديق العمر منذ البداية وحتى النهاية. هو طفل كبير، طيّب ذو أخلاق رفيعة ومهنية متميزة، هذا ما اختصره صليبي في تلفزيون لبنان منذ البدايات والذي ينتمي إلى جيل الرواد الأوائل. كان متفرّغاً للتلفزيون وفي نفس الوقت في الإذاعة اللبنانية حيث بدأ البث المباشر، فكان يقدم برنامجاً شبه يومي من الإذاعة اللبنانية. منذ البداية، كان ثمة مجموعة من العوامل تجمعني بصليبي ذي الطموح المهني، الرغبة في تحقيق الذات مهنياً إذ كان لدينا توجه مشترك في كثير من الأمور في حياتنا. أراد صليبي أن يترك بصمة في العمل التلفزيوني ونجح في ذلك".



بصمة صليبي في "صوت لبنان"



صليبي كان من مؤسسي إذاعة "صوت لبنان" حيث عمل إلى جانب الوزير السابق والمدير السابق لإذاعة "صوت لبنان" جوزف الهاشم. يستذكر الهاشم بدايات الإذاعة مع صليبي لـ "النهار": "صليبي متعدد المواهب وهو فارس ما دخل في ميدان إلا وكان فيه متألقاً ومتفوقاً. كان له فضل كبير في إذاعة صوت لبنان، حيث تشكّل ثالوث قوامه ابرهيم الخوري، إيلي صليبي وجوزف الهاشم، وهي الامبراطورية الإعلامية التي سيطرت على الواقع السياسي والجهادي خلال الحرب. استلم صليبي المديرية التجارية في "صوت لبنان" التي أمّنت للإذاعة الموارد المالية فحولها إلى إذاعة محترفة بفعل الموارد المالية التي كان يؤمنها لها والتي كانت تقوم على المبادرات التطوعية، فتمكنت الإذاعة بالتالي من ضمّ 105 موظفين. يتمتع صليبي بقدرة ذاتية جعلته يتفوق على ما كانت تعانيه الإذاعة خلال الحرب لأنها كانت الصوت الثائر أيام الحرب، فعندما كانت تقصف أجهزة الإرسال كنا نصعد معاً إلى المهندسين لنقف على السطح كمتراس لهم ليتمّ إصلاحها". ويضيف الهاشم أنه "كان ثمة "حزازية" بين الشيخ أمين والشيخ بشير جميل. وكان بيني وبين بشير الجميل بعض الحَزازيات. وعندما أراد إعلان ترشيحه، قال: "إن تولّت إذاعة صوت لبنان حملتي الرئاسية فسأنجح"، فاشترطت حينها على أن يعلن ترشيحه من بيت المستقبل التابع للشيخ أمين لأطيّب العلاقة بين الشقيقين. وكنا نطلق في الإذاعة من هناك برنامجاً اسمه "برلمان الشعب"، فقدّم صليبي الشيخ بشير لرئاسة الجمهورية. صليبي كان قريباً للقلب، صديقاً صادقاً ومثابراً جداً، يتحدى الصعاب لينفذ كل ما يرغب فيه. إيلي صليبي إنسان لم يفِه الناس حقه، الذي من الممكن أن يعيطه إياه التاريخ".



صليبي "الحالم"



دخل صليبي المؤسسة اللبنانية للإرسال عام 1986 حيث عيّن في منصب مدير للأخبار والبرامج السياسية ومستشار إعلامي. في هذا الإطار، يتحدّث رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال بيار الضاهر لـ "النهار" عن عمل صليبي في المؤسسة "قبل المؤسسة اللبنانية للإرسال لم يكن ثمة سوى تلفزيون لبنان. كانت نشرته تقليدية بشكل كانت جريدة مطبوعة وليس تلفزيوناً. الصورة كانت أساساً عند إيلي صليبي، إذ يقول إن كان بإمكاننا تحضير تقرير فيه صورة فقط دون أيّ تعليق أو Voice over ونعرضها على الهواء ليتلقاها المشاهد نكون قد نجحنا. كان له أسلوب غريب وفريد من نوعه وغير منتشر حينها. أصرّ على تنفيذ تلك الفكرة ودرّب كلّ العاملين من المصوّرين والمراسلين والمعدين على هذا الأساس. كان إيلي صليبي أستاذي من نواحٍ عدة. هو من علّمني مهنة الصحافة التلفزيونية، جمال اللغة العربية والإلقاء. كنت أمامه كتلميذ أمام معلّمه الكبير. سلاسته في اللغة العربية كانت تدهشني. لطالما كنت أقول له إنها لغة صعبة في حين كان يقول لي إنها سهلة. كانت تجمعني به علاقة مهنية وأخوية. كنت أعتبر نفسي حالماً كبيراً ولكنني لست شيئاً أمام صليبي الحالم وأفكاره الخلاقة".



صليبي الأديب



لم يروِ العمل الصحافي ظمأ صليبي المتلهّف للعلم والمعرفة، فشاء أن يصبح أديباً يمضي وقته في التفكر والكتابة في شؤون الحياة بحثاً عن الحقيقة. يشهد الجميع على أناقة أسلوبه الأدبي وعمقه الفلسفي، فقال الهاشم فيه: "لصليبي ريشة من ذهب"، فيما أكّد الضاهر أنه "يتمتع بقلم رائع، عندما يختار كلماته يعرف كيف يصيب، وهو أديب أكثر ما هو صحافي". أمّا بالنسبة إلى الإعلامية والصديقة المقربة لصليبي جاندارك أبو زيد فياض "أسلوب صليبي في الكتابة مميز وخاص به. هو السهل الممتنع والسلس والتحليلي. أسلوب صادق وصريح ومباشر. تنوعت كتابات إيلي ولكن كان مضمونها واحداً، البحث عن الحقيقة في الحياة والموت والأرض والسماء والشر والخير. في كتاباته كثير من الفلسفة والتعمق بالحياة. كانت تجمعه بالله علاقة خاصة، كان يحاوره ويتكلم معه. كان لديه تعمق روحاني فلسفي بارز في كتاباته. كانت لديه نظرة مختلفة عن الآخرين والإكليروس، يفسرها بطريقته الخاصة. ثمة شفافية وروحانية وصوفية مميزة وغريبة لديه. أما علاقته بالمرأة والغزل الذي كان يكتبه عنها فلم أرَ مثيلاً له منذ أيام الجاهلية وحتى اليوم. كان خياله واسعاً وفوتوغرافياً يتخايل المشهد ويصفه بدقة".



وجد نجل صليبي على كومبيوتره الخاص وصية بنشر كلّ المخطوطات الخاصة به وغير المنشورة، مع العلم أن آخر ما كان يعمل عليه هو ملف خاص بالمطران جورج خضر. نترتقب بلهفة نشر كتابات رجل كان معطاءً فكرياً وأدبياً، يكتب حتى بزوغ الفجر، فيشعر بالامتنان والاكتفاء، كما لو كان يأخذ جرعة من الأوكسيجين ليقوى على الحياة. سيفتقد حتماً الوجه الإعلامي والصحافي اليوم إنساناً خلوقاً وقامة كبيرة تبتكر الوسائل الجديدة بأناقة وذكاء من دون الغرق في المحظور.


[email protected]


twitter:@yara_arja


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم