الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

السينما الأوروبية تهيمن على جوائز كارلوفي فاري والمجتمع على عقول المخرجين!

المصدر: "النهار"
السينما الأوروبية تهيمن على جوائز كارلوفي فاري والمجتمع على عقول المخرجين!
السينما الأوروبية تهيمن على جوائز كارلوفي فاري والمجتمع على عقول المخرجين!
A+ A-

اختُتمت مساء السبت الفائت الدورة الحادية والخمسون من #مهرجان_كارلوفي_فاري الذي أقيم في جمهورية تشيكيا (١ - ٩ الجاري). بعد تسعة أيام من المشاهدة الأكولة، توّزع خلالها رواد المهرجان- وأغلبهم من الشباب- على صالات المدينة الصغيرة، حانت ساعة إعلان الجوائز. الجائزة الكبرى، أي "الكرة البلّورية" (مصحوبة بـ٢٥ ألف دولار) ذهبت إلى الفيلم المجري "ليس أفضل فترة في حياتي" للمخرج المجري تسابول هايدو. الفيلم الأقوى والأكثر ابتكاراً في المسابقة الرسمية (في رأينا) وهو "زولوجي" للمخرج الروسي إيفان تفيردوفسكي أُسند جائزة لجنة التحكيم الخاصة (١٥ ألف دولار). الجوائز في معظمها ذهبت إلى #سينما بلدان أوروبية، شرقية ووسطى، وهي السينما التي يركّز عليها كارلوفي فاري ويمنحها مركز الثقل.


إنها سينما الغرف، تلك التي يحملنا إليها المخرج المجري تسابول هايدو في سابع أفلامه. التأثيرات واضحة: السينما الأوروبية الكلاسيكية وبعض الأفلام الأميركية المستقلة. بشخصيات طريفة ومليئة بالحياة وأحاديث طويلة نكاد لا نرى نهايتها (على الرغم من خفّة دم بعضها)، فندخل في عمق الحوادث المتتالية. يختار الفيلم صيغة سينمائية سادت في المرحلة الأخيرة لأسباب فنية واقتصادية في آن: وحدة المكان. لمزيد من الحميمية، ارتأى المخرج التصوير في شقته الخاصة وإسناد دور الزوجة لزوجته ودور الصبي لابنه، فيما هو تولّى دور الزوج (نال عنه جائزة أفضل ممثل). النتيجة: مزيجٌ من أجواء حقيقية وأخرى "مفبركة"، لا نلحظ كثيراً الحدود بينهما.



المخرج الروسي ايفان تفيردوفسكي يحمل جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيلمه "زولوجي".


من الطبيعي والجوّ هذا، أن نقتحم جدران بيت العائلة وندخل خصوصياتها على مدار ساعة ونصف الساعة (أفلام المسابقة في الدورة المنتهية للتو كان معدّلها ٩٠ دقيقة). الأشياء تذهب في اتجاه آخر عندما تتلقّى العائلة المكوّنة من الأب والأم والابن زيارة الأقارب (شقيقة الزوجة وزوجها وابنتهما) الذين يعودون إلى المجر بعد فترة إقامة في اسكتلندا حيث لم يحالفهم الحظ. هم الآن في حال يُرثى لها، لا مال ولا مكان يقيمون فيه. هذه الخيبة داخل الكثير من الشخصيات، تفتح المجال لاكتشاف النحو الذي ينظر به المجريون إلى بلدهم وأحواله. تتبلور الأمور تصاعدياً لتصبح الأجواء مشحونة بالتوتر؛ كلمة من هنا ونظرة من هناك، فنجد أنفسنا وسط مناخ ضاغط يقبض على الروح. وطبعاً، كالعادة في هذا النوع من الأفلام، تأتي الأزمة لتشقّ فتحة صغيرة في الجدار.


تقول مصادر صحافية أنّ المخرج الذي أنجز سابقاً ستة أفلام من دون أن يُذاع صيته خارج بلاده، كان وضع نصّه هذا للمسرح، وفي نيته الاستعانة بالممثلين أنفسهم. أمكن الفيلم أن يكون مسرحية، إلا أنّ ما رأيناه أمامنا لا يدخل في صنف "المسرح المصوّر"، فهايدو استعمل اللقطات القريبة من الوجوه وكلّ ما يعبّر عن الحكاية بلغة سينمائية تمسكها من مختلف أطرافها. ويتردّد انه استعمل ١٣ مصوّراً، جميعهم من الشباب وينتمون إلى الجامعة التي يدرّس فيها. هايدو، المتحدّر أصلاً من المسرح، يبرع قبالة الكاميرا وخلفها، من خلال دخول تفاصيل الحياة اليومية.


 "زولوجي" الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، عملٌ صادم بكلّ المقاييس. امرأة في منتصف الخمسينات (ناتاليا بافلنكوفا) تعيش وتعمل على هامش المجتمع، كما العديد من غير المتزوجات اللواتي يرزحن تحت سلطة الأم والعائلة والمجتمع. هذا ثاني أفلام ايفان تفيردوفسكي الذي يبلغ ٢٧ عاماً، وهو يقدّم فيلماً يفلت من التصنيف الجاهز، علماً أنّ أول أعماله كان "صفّ تصحيحي" (٢٠١٤)، ونال عنه العديد من الجوائز الدولية، بعدما حطّ للمرة الأولى في كارلوفي فاري قبل سنتين، فكان أحد اكتشافات قسم "شرق الغرب".


باختصار، "زولوجي" فيلم عن سيدة تنقلب حياتها حين ينبت لها فجأة ذيل! لحظة اكتشافنا للذيل صادمة. لا شيء يوحي قبل ذلك أنّ الفيلم يتجّه إلى هذا النوع من الخيارات المنحرفة والمتطرفة. فالاستيتيك المستخدم هنا هو استيتيك الفيلم الروسي المعاصر، مع حرص واضح على نقل واقعية معينة، كون تفيردوفسكي جاء من الوثائقي وله ثمانية أفلام تسجيلية. فيأتي مشهد الذيل ليزعزع إيماننا بالنصّ الذي أمامنا.


[[video source=youtube id=3gYjXgV3lxw]]


ناتاشا (هذا اسمها)، تعمل في حديقة حيوانات، وهي ضحية مستمرة لنظرات الناس الذين يتناقلون خبراً مفاده أنّ الذيل الذي نبت في جسم إحدى السيدات (لا يعرفون أنّها هي بعد)، هو ذيل شيطان تلبّس امرأة، "وإياكم النظر اليها!". لا شيء متوقعاً في الفيلم الذي يراهن على هذه المسألة. للمخرج الكثير ليقوله عن المجتمع الروسي الأرثوذكسي المعاصر: الأصولية الدينية في مقدمة هذه الأشياء. ولكن، يكبت أفكاره بقدر المستطاع، وصولاً إلى الانفجار الكبير في مواجهة طقس ديني مضحك، ندعكم تكتشفونه. تفيردوفسكي أراد فيلماً حسيّاً، شهوانياً، حيث أخيراً ستتحرك المشاعر داخل ناتاشا بلا تابوه، هي التي تعاني التعصّب حتى من أمها المُفرطة في التديّن.


ناتاشا مختلفة عن بقية البشر، وهي بعيدة حتى عن زملائها في العمل الذين يبدأون الثرثرة لحظة تستدير، فتسمع ما يقولون وتعضّ على الجرح. يركّز المخرج على الاختلاف، ولكن لا يعطينا الكثير من العناصر عن حياتها، فنبقى معلقين في المجهول، وهذا يضفي المزيد من الغموض على شخصية تحظى بعناية كبيرة. في فيلمه السابق، صوَّر تفيردوفسكي شاباً معوقاً. هنا الإعاقة الجسدية موجودة، ولكن أكثر ما يجمع الفيلمين هو تيمة الاختلاف. مَشاهد عدة في الفيلم تحلّق عالياً، منها التزحلق مع الطبيب الشاب المسؤول عن التصوير بالأشعة الذي ستخرج معه ناتاشا، وسيعيد إليها أنوثتها الخمسينية المحبوسة. مشهد آخر هو ممارسة الجنس بينهما في حديقة الحيوانات. الذيل سيمنح ناتاشا نفوذاً لم تملكه من قبل، وسيجعلها أكثر شباباً فتستعيد معه ألقها الثلاثيني. وهي في نفق التعصّب، تعثر على مَن يجد في عاهتها مصدراً للذة. يروي المخرج في مقابلة أنّه متأثر بلارس فون ترير وبرناردو برتوللوتشي، ولكنه شاهد الكثير من الرسوم المتحرّكة قبل تدوين سيناريو "زولوجي".



الممثلة التشيكية يرينا بوهدالوفا - جائزة رئيس المهرجان.


داميان كوزول، في المقابل، نال جائزة أفضل مخرج عن فيلمه "حياة ليلية". يحملنا المخرج السلوفيني في هذا الثريللر الذي يدخل في حياة زوجين، إلى الواقع السلوفيني بكلّ سواده. هو محامٍ شهير وهي أستاذة جامعية متمسّكة بمبادئها. تبدأ الحكاية مع هجوم مجموعة كلاب شرسة عليه. كوزول يأتي هنا بفيلمه العاشر. الممثلة زوزانا موريري نالت جائزة أفضل تمثيل عن دورها في "المعلمة" للمخرج التشيكي يان هريبيك، في حين وُزِّع تنويهان خاصان على كلٍّ من "قرب القطار" للروماني كاتالين ميتوليسكو و"ذئب شارع رويال فينيارد" ليان نمتس. أيضاً في حفل الختام، اسندت "كرة بلورية" تكريمية (يسمونها جائزة رئيس المهرجان)، إلى الممثلة التشيكية المعروفة محلياً يرينا بوهدالوفا التي صفّق لها الجمهور كثيراً، فيما الأجانب كانوا تائهين وسط هذه الحماسة تجاه ممثلة في الخامسة والثمانين لا يعرفونها. ولكن بوهدالوفا وجه معروف جداً في جمهورية تشيكيا، وجزء من الثقافة الشعبية، من خلال اطلالاتها التلفزيونية، أدوارها السينمائية، وحتى مشاركتها في دبلجة أفلام كثيرة.


الأميركي تشارلي كوفمان كان من بين المكرَّمين هذه السنة، ونال جائزته التكريمية ليلة الختام من يد رئيس المهرجان ييري بارتوشكا الذي بدا أنيقاً كعادته. قال كوفمان كلمته بالتشيكية، مما أثار عاصفة من التصفيق. هو الذي عرض خلال أيام المهرجان أحدث أفلامه "أنوماليزا" الذي، رغم حفاوة استقبال النقد له، مُني بفشل جماهيري معين في الولايات المتحدة، ما جعل كوفمان في عدد من المقابلات الصحافية يعبّر عن خيبته وامتعاضه. في مقابلة لنا معه ننشرها قريباً، لم يخفِ أنّ النجاح التجاري يؤمّن له الاستمرارية ويسهّل عملية تمويل فيلمه المقبل.


ختاماً، علمت "النهار" من مصادر في داخل المهرجان، أنّ فندق "تيرمال" ذا الطراز المعماري السوفياتي الذي تم تشييده قبل ٤٠ عاماً لاحتضان المهرجان، سيشهد أعمال ترميم كبيرة تبلغ كلفتها ٢٥ مليون أورو. ولكن هذا لن يعرقل انعقاد الدورة المقبلة التي تم الإعلان من الآن عن موعدها: ٣٠ حزيران - ٨ تموز.



تشارلي كوفمان تكلّم التشيكية... بطلاقة!


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم